نيالا:
تحقيق : دارفور24: تعود الصبي “سليك” على أن يتناول إفطاره كل  كل صباح مع
“زهرة” التي تبيع العصيدة في موقف مواصلات الضعين بمدينة نيالا، مقابل أن
يقوم بغسل الأواني وتنظيف المكان الذي تعرض فيه مأكولاتها، دون أن يكون مسموحا له بتقديم
الطعام إلى الزبائن أو رفع الأواني من أمامهم، فسليك طفل التاسعة الذي قذفت به الحرب
الأهلية التي اشتعلت في دارفور منذ عقد ونصف، إلى جوف المدينة، لم يتعود على ارتداء
ملابس نظيفة مثلما يفعل من هم فيسنه، ولم يعرف غير مظلات المحلات التجارية مكاناً
ليقضي ليله، ولا يتوسد يده الصغيرة قبل أن يكون قد خدر نفسه بمادة شديدة الفاعلية
“كان ذلك سببا مقنعا لزهرة كي تقوم بمهمة تقديم الطعام لزبائنها من دون مساعدة
منه”، مع ذلك لم تكن حالة الصبي استثنائية، فشوارع نيالا تعج بآلاف المشردين من
ضحايا النزاع. 

بيد أن سليك
الذي غادر مع والدته وأخواته الأربع قريته ابو عجورة “احدى الضواحي الجنوبية الغربية
لمدينة نيالا يعد محظوظا، فقد تمكن من خلق صلة وإلفة قوية مع زهرة بائعة العصيدة ذائعة
الصيت ومع جاراتها اللائي يبعن الشاي فهو على الأقل ضمن لنفسه كل يوم وجبتين
“الفطور والغداء” بجانب حق “المصة” وهي قطعة من القماش مغموسة
عن آخرها بمادة السلسيون المخدرة، فهو والمئات من المشردين لا يستطيعون أن يتوسدوا
أياديهم الصغيرة استعدادا للنوم دون أن يستنشقوا هذه المادة بالغة الضرر.

وتمتلئ شوارع
نيالا ومثلها العديد من المدن في دارفور، بالآلاف من رفقاء سليك بملابسهم الممزقة وأجسادهم
النحيلة، وهم يقضون نهارهم في التجوال بين محلات بيع الطعام وينامون في أزقة السوق
الضيقة، بعد أن يكونوا قد تخدروا بالسلسيون ، لكن الخطورة أن جميعهم يواجهون نقصاً
في الغذاء ويعيشون بعيدا عن نطاق المساعدات الإنسانية.

وتقدر المنظمات
العاملة في مجال تقديم المساعدات، أن مدينة نيالا وهي ثاني اكبر مدينة في السودان من
حيث عدد السكان، وحدها تضم أكثر من 12 ألف متشرد، 90% منهم من قدم إلى المدينة عقب
اندلاع الحرب في الإقليم، وتقول سمية عبد العزيز “من منظمة من اجل الطفولة”
.. الأمر المقلق أن المدمنين وسط هؤلاء الأطفال تتزايد أعدادهم مع كل صباح، وتضيف في
حديث معي” يبدو أن الفشل لازم قرارا سابقا بنقلهم إلى مخيمات النزوح، حيث تتوفر
العناية بصورة مقبولة مقارنة مع تشردهم في المدينة .. فالمخيمات حسب سمية “الأماكن
الوحيدة تقريباً التي يحصل فيها الأطفال على معونات تمكنهم من البقاء على قيد الحياة
وتفتح لهم الطرق للانتظام في صفوف الدراسة”.
لكن رسميا
العدد يقل كثيرا اذ تقول الدكتورة زينب أحمد الربيع وزيرة الرعاية الإجتماعية السبقة
بولاية جنوب دارفور أنّ عدد المتشردين وصل إلى (2972) طفلاً، (88%) منهم ذكور و(12%)
إناث، وذلك من خلال دراسة أعدتها اللجنة الفنية لحصر المتشردين وأشارت الدراسة إلى
أن أسباب التشرد تمثّلت في تدهور الوضع الإقتصادي والنزوح، بجانب وجود نسبة (10%) من
مجموع الأطفال الذين يعيشون وضعية تشرد كلي، ويفتقدون تماماً للحماية والرعاية الأسرية.
وأن (90%) يعيشون تشرداً جزئياً، وأغلبيتهم من الأطفال المتسولين .

اما مدينة
الجنينة فتعج بالمتشردين ليس فقط من ابناء دارفور فقط بل من تشاد حيث تستقبل أسواق
الجنينة المختلفة مع كل صباح متشردين جدداً، وحسب دراسة اجريت في ولاية غرب دارفور
فان اعداد المتشردين الاطفال في الجنينة وصلت الي 26 ألفا و255 طفل ، وذكرت ان التشرد
الجزئي يمثل النسبة الأكبر ويقصد به تشرد الأطفال الذين يخرجون باكرًا من منازلهم في
ستة معسكرات النازحين تحيط بالمدينة ويتوجهون الى الأسواق وذلك للتسول والتجوالثم يعودون
مساء إلى معسكراتهم.
أما في مدينة
الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور فان ازمة التشرد في تفاقم مستمر ، رسميا اجرت السلطات
دراسة قبل ثلاثة اعوام وقالت ان اعداد الاطفال المشترين في المدينة تصل الي الألف طفل
متشرد، لكن واقع الحال يقول ان العدد اكبر من ذلك بكثير خاصة وان المدينة يحيط به ثاثنين
من اكبر معسكرات النزوح في دارفور وهي معسكر زمزم وابوشوك.
مدير عام
وزارة الرعاية الاجتماعية بولاية شمال دارفور، حماد أحمد الماكن، يقول للصحافيين  أن أعداد الاطفال المتشردين بالولاية لا تختلف عن
ولايات دارفور الأخرى، وإنهم قسموا الأطفال المتأثرين بالحرب الى ثلاث فئيات وهي المتشردون
، فاقدو السند والأطفال الجنود.

 شرق دارفور تبدو أفضل حالا من الولايات
الدارفورية الاخري علي الرغم من الحروبات المتنوعة التي ظلت تشهدها “حرب بين القوات
الحكومية والمتمردين ، صراعات قبيلية، اعمال نهب وسلب مسلح”،  حسب قول مسؤول الشئون الاجتماعية في الولاية عثمان
قسم فان ولاية شرق دارفور بها مائة طفل متشرد جزئي
.”.
يقول غوردون
وايس، مسؤول اتصالات الطوارئ التابع لليونيسف: “إن أطفال دارفور يعيشون حالة من
الخوف، فقد فقدوا منازلهم وأسرهم وعانوا من أشكال فظيعة من سوء المعاملة. لقد دمرت
الحرب أرضهم وطرق معيشتهم، وإذا ظل الحال على ما هو عليه، فسيكون مستقبلهم مظلماً للغاية”.
وحسب بيان أصدره وايس ، فإن قرابة 1.3مليون طفل يعيش في 20مخيما مماثلا في دارفور والمناطق
المجاورة في تشاد، وان اليونيسيف وشركاءها وفروا مدارس تستوعب نحو “13” ألف
طفل في سن التعليم الأساسي، إلى جانب العيادات الصحية ودورات المياه.

وفي هذا
الصدد يقول وايس: “لقد أُقيمت هذه المخيمات لتوفير الرعاية الفورية المؤقتة، ولكنها
أصبحت من المنشآت الدائمة، وإذا لم تتحسن الأوضاع الأمنية فلن يتمكن سكان هذه المخيمات
من العودة إلى منازلهم ومتابعة إنتاج غذائهم. ومازال الملايين الآخرون يكافحون من أجل
البقاء، بينما تزداد حالة نقص الغذاء في دارفور سوءاً”.
وحسب بيانه
فالحاجة مستمرة إلى مزيد من المساعدات الدولية لمدة خمسة أعوام أخرى، لمجرد ضمان بقاء
أطفال دارفور على قيد الحياة. ولا بد من إيجاد حلول سياسية لضمان مستقبل يمكن لهم أن
ينمو فيه.
لكن سمية
التي تشرف على احد مراكز الصداقة مع الأطفال التي تتبع لمنظمة من اجل الطفولة، تشير
إلى ما يمكن أن يبعث الأمل بالنسبة للأطفال المشردين في جنوب دارفور، حينما تتحدث عن
المهام التي تقوم بها “المراكز الصديقة للطفل” التي تدعمها منظمة اليونيسيف..
تقول في الوقت الراهن يوجد آلاف الفتيان والفتيات داخل هذه المراكز .. ففيها يتعلمون
القراءة والكتابة ويشعرون بالحماية، ويقومون بممارسة حياتهم الطفولية لكنها تقول
“ليس بامكان أحدنا إجبار من فضلوا التجول داخل المدينة بالذهاب إلى هذه المراكز،
رغم انها توفر ملجأً مهماً للأطفال ضحايا الحرب”.
وتورد سمية
قصة الطفلة كلتومة اسحق البالغة من العمر “12” عاماً التي انضمت إلى فتيات
المركز الذي تشرف عليه، وهي على شفا الموت جراء سوء التغذية .. وتقول .. بعد قضاء شهرين
في مركز التغذية العلاجية، زاد وزن كلتومة وهي من منطقة مرشنق الواقعة إلى الشمال من
نيالا، بعد أن كانت تعاني من سوء تغذية حاد بمقدار 600جرام، وهي تتجول في شوارع المدينة
“لقد أصبحت الآن قادرة على تناول وجباتها وتعمل على تنظيف ملابسها بنفسها وتلعب
مع 23من رفيقاتها في المركز”.
وتضرر جراء
النزاع في دارفور ما يزيد عن 2.45مليون نسمة، ويتوقع أن يرتفع هذا العدد إذا لم تتمكن
المحادثات التي تجري حاليا في أبوجا بين الحكومة والحركات المعارضة لها في الإقليم
من التوصل إلى اتفاق مرضٍ.
وحسب التقديرات شبه الرسمية فإن المتضررين من الصراع
من النازحين داخليًا حوالي 2.45مليون نسمة، وعدد النازحين داخليًا حوالي 1.8ملايين،
أما عدد السكان المضيفين حوالي 500.000.وعدد الأطفال دون الثامنة عشرة حوالي 2.45مليون،
أما عدد الأطفال دون الخامسة حوالي 550,000