صراع مليشيات حميدتي مع قوات موسى هلال تحت لافتة ما يسمى بحملة جمع السلاح، هو في
الحقيقة إحدى أدوات النظام الجديدة لإشعال فتيل الأزمة مجدداً في دارفور وكسر شوكة
كل القوى التي كانت حليفة للنظام بالأمس والتي أصبح يخشى أن تنقلب عليه

ولكن
المهم فيما يجري من صراع الان بين هذه المجموعات القبلية المسلحة والتي تربطها أواصر
القرابة، أن الصراع الدائر في دارفور بشكل عام يستهدف أن يقتل أهل دارفور بعضهم البعض
وبسلاح بعضهم البعض، في صراعات دامية لا يستفيد منها سوى النظام الحاكم والمركز المسيطر
في الخرطوم
فدارفور
السلطان على دينار ذات الغنى الثقافي والاقتصادي والاجتماعي والقدرة على صناعة نظم
حكم محلي فاعلة وقادرة على إدارة صراعاتها بين كافة مكوناتها القبلية، تشكل خطرا على
المركز الذي يريد أن ينفرد ويهيمن على السلطة في السودان. فهذا الإقليم الذي كان يوما
سلطنة ذات سيادة وتاريخ طويل، كان دوما يشكل هاجسا أمنيا على قوى المركز المتحكمة في
السودان. ولذلك تم تهميش هذا الإقليم اقتصاديا وسياسيا ودعمت حكومات المركز المختلفة
عمليات التسليح القبلي العشوائي واستغلت قبائل دارفور في صراعات داخلية مختلفة. والآن
تتم عملية ممنهجة للقضاء على ما تبقى من النسيج الاجتماعي في دارفور عبر إذكاء صراع
المليشيات والقبائل للتخلص من أي أمل في أن ينعم هذا الإقليم قريبا بالاستقرار وان
يستعيد قدراته وقوته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية
 فقد استمرت دائرة الحروب
تشتعل خارج ما يسمى بمثلث حمدي الذي يقوم بعملية استغلال لكل من هم خارج هذا المثلث،
رغم المشتركات الاثنية والدينية. ويستمر إذكاء الصراعات خارج هذا المثلث حتى يظل المركز
ينعم بالأمان بينما تحترق الأطراف. فقتال أبناء العمومة الذي يجري الآن والذي يتفرج
عليه المركز والنظام الذي تسبب في هذا الصراع، هو إحدى آليات التخلص حتى من الحلفاء
من هذه المجموعات التي تعيش خارج المركز
فموسي
هلال وحميدتي رغم انهم من عرب دارفور، الا انهم لا يمثلون للمركز الحاكم سوى أدوات
للقتال ومليشيات يصفي بها المركز صراعاته مع أطراف ابعد، حيث يحافظ المركز على هذه
المجموعات القبلية الرعوية بعيدة عن التنمية والتعليم والتأهيل، ويحصرهم في نشاطهم
الاقتصادي التقليدي بعيدا عن أي فرص للتطور حتى يستمروا في القتال بالنيابة عنه
والآن
عندما شعر المركز بوادر ضعف لبعض صراعاته وان هذه المجموعات بدأت تشعر بهذه الوضعية
الاستغلالية وبدأت تتمرد عليه، استغل تناقضات المصالح القبلية والصراعات على الموارد
المحدودة لكي يتخلص من أعداءه المحتملين ويحجم قوة حلفاؤه الحاليين
وفي
النهاية يظل المستفيد الوحيد من هذا الصراع الدائر هو المركز المتحكم في السلطة والنظام
الحاكم الذي يستمتع بالتفرج على مشهد الدماء التي تسيل بلا توقف في كل أرض دارفور.

لكن حماية المركز لنفسه عبر إحراق الأطراف هي سياسة
انتحارية لن تنجح طويلا وسوف تصل يوما هذه النيران المشتعلة إلى هذا المركز الذي يؤمن
نفسه بقتل الآخرين، وحينها لن يكون مصير السودان ككل سوى الدمار التام.