دراسة حول اقتصاد الحرب في دارفور      
     المركز الافريقي لدراسات العدالة والسلام

    التعامل التجاري في السيارات الواردة عبر الحدود

         ” يناير 2014 – مارس 2017

 

 


مقدمة:

في العام 1989 م بدأ الإقتصاد السوداني يفقد الإنتماء  للأنظمة الإقتصادية الرئيسية ، وذلك بعد محاولات تطبيق ما عرف بنظام الإقتصاد الإسلامي الذي لم يكن سوي شعارات لم  يجد لها مشروع الإسلام السياسي مرجعيات عملية في التطبيق ، إلي جانب ذلك فقد تأثر الإقتصاد بإهمال الموارد الزراعية و الرعوية والغابية .

لاحقاً في العام 1997م [1]بدأ السودان الإعتماد علي النفط كمورد أساسي ظلت عائداتة تحاط بالسرية تحت سيطرة مجموعة نافذة من الحزب الحاكم  ، لكن بالرغم من ذلك تم تبديد العائدات في تمويل الصراعات المسلحة ضد الحركة الشعبية لتحرير السودان، ولاحقا ضد الحركات المعارضة المسلحة من إقليم دارفور .

بدأ السودان جهوده للإيفاء بشروط صندوق النقد الدولي في العام 2001م لكن سرعان ما تم إكتشاف العقبات التي تتطلب الإنتقال إلي نظام الإقتصاد الحر ، ليقبع الملف بعيداً عن دائرة بذل الجهود الجادة، مضي الحال كذلك في الفترة الإنتقالية لإتفاق السلام الشامل (2005-2011م)، لتبدأ محاولات قسرية في الأعوام 2012، 2013، 2016 [2] برفع الدعم عن السلع   للعودة و الإيفاء بشروط صندوق النقد الدولي بعد  إنفصال جنوب السودان 2011م  و فقدان عائدات النفط، كل هذه الإجراءات التقشفية لم يتم فيها إستصحاب إعادة تأهيل الموارد الزراعية و الغابية  المهدرة .

إذاء هذا المشهد بدأت الضائقة الإقتصادية تسيطر علي الوضع فبدأت جهود السكان في البحث عن موارد بديلة بعيدا عن تلك التي تقبع تحت سيطرة الحكومة، فكان التنقيب عن الذهب أحد هذه البدائل  التي أنتظمت أجزاء عديدة من السودان ، لكن أهم هذه الحقول كان هو منجم جبل عامر بإقليم دارفور الذي ظل مفتوحاً حتي العام 2013م قبل أن يصبح حقل حصري[3]  بعد إكتشاف حجم الذهب الذي أصبح عائده يقدر ” فان تجارة الذهب تضع أكثر من (123) مليون دولار سنوياً فى جيوب المليشيات المسلحة فى دارفور ، اضافة الى (54) مليون دولار تجنيها مليشيا موسى هلال . وفى الفترة ما بين 2010 الى 2014 تم تهريب ذهب بـ(4.5) مليار دولار من السودان الى الامارات العربية المتحدة . [4] ، وجد المنقبون الشعبيون خارج معادلة الحقل هدفهم في منطقة الصحراء الحدودية بين النيجر و تشاد ولبييا ’’ منطقة جبال التبستي’’  لتبدأ مرحلة جدية من التعاملات بين المنقبين و المعارضة التشادية و مجموعة البوكو حرام  الإرهابية في مقايضة الضهب بالسيارات ، لكن سرعان ما إنتبهت الحكومة التشادية للأمر وحاربته .

الفوضي التي تشهدها الجماهيرية العربية الليبية أمنيا و سياسياً شجعت المجموعات المسلحة علي مبادلة النفط الليبي بالسيارات من دول عديدة فأصبح السودان سوقاً رائجة لتلك السيارات و لا سيما بعد القرارات السودانية التي شجعت علي ذلك في تزامن التفاوض لرفع العقوبات الاقتصادية الامريكية المفروضة علي السودان منذ العام 1997م ، بالرغم من تنامي الظاهرة التي ينظر اليها  البعض بان السودان لجأ لها كمورد رخيص لكن من خلال هذه الورقة يمكن رصد بعض الظواهر التي قاربت عمليات غسيل الاموال و لا سيما ان شروط صندوق النقد الدولي الذي ظل السودان يسعي اليها منذ العام 2001م يتطلب تبرير  بعض الأصول المرتبطة بالشركات التي ظلت تُلحق بالمؤسسات المرتبطة بالدولة لكنها علي علاقة اصيلة بالحزب الحاكم.

تظل خطورة الأمر  في علاقة ذلك بإستمرار أمد الصراع المسلح في المنطقة و خلق مجموعات مسلحة ذات موارد مالية و تسليح قد تغير مسار الأحداث على أرض الواقع سواء في السودان أو الجماهيرية الليبية. الورقة لم تتطرق لعلاقة النشاط بالهجرة غير الشرعية والطرق التي تعتبر مسارات لتهريب المخدرات و السلاح بين دول المطلة علي الصحراء الكبري و عبورها إلي أروبا لكن يبدو أن الأمر ليس بعيدا عن ذلك ولا سيما أن القوات الفرنسية والتشادية قد أحكمت الخناق علي المجموعات المتطرفة بدولة مالي فهاهي فرصة أخري تلوح في الأفق، قد لا تظهر تلك المجموعات بشكلها التقليدي المسلح لكن بعمقها المالي الذي يستهدف الموارد بطرق غير مشروعة 

منهج البحث

يعتمد منهج البحث  علي تحليل اقتصاد الحرب في دارفور  خاصة      التعامل في السيارات عبر الحدود  التي عرفت علي نطاق واسع ب ” البوكو حرام ” علي ضوء إلتزامات السودان الدولية، الإقليمية والوطنية لحقوق الإنسان ، 

شمل منهج التقريرالتعامل مع مصادر أولية ، ناشطين حقوقيين و مدنيين  سودانيين بالإضافة إلي مستندات صادرة من جهات رسمية المنشورات الرئاسية والقرارات الحكومية الصادرة من جهات مختصة ، كما إعتمد التقرير علي  مصادر ثانوية كالصحف السودانية  الورقية والإلكترونية .

الإطار القانوني

التشريعات الوطنية

قانون الجمارك السوداني 1994 [5]المادة  118 من قانون الجمارك السوداني 1) يجب أن تؤخذ البضائع المستوردة بطريق البر دون تأخير الى أقرب محطة جمركية من مكان إستيرادها بالطريق المعين للنقل البرى من الحدود فاذا لم يوجد طريق معين فبالطريق العادى دون إنحراف عنـه .

(2) يجب على الشخص الذى يكون مسئولا عن أى من وسائل النقل عنـد إستيراد بضـائع دون مرورها على محطة جمركيـة على الحدود أن يحمل معه بيان شحن ( منفستو ) يبين نوع تلك البضائع وكميتها وأن يبرزه ومعه صورة موقعة منـه الى ضـابط الجمارك المسئول فى أقرب محطـة جمركية لتحتفظ بـها الجمارك .  الذي  يوضح كيفية إستيراد البضائع براً والتي توجب أخذ  المستوردة براً مباشرة إلى أقرب محطة جمركية إبتداءاً .

المادة 189 تنص علي : اذا لم يكن منصوصا فى اللوائح المعمول بها حاليا على مقدار الرسوم المحددة على أى من أعمال المراقبة أو غيرها من الخدمات التى تؤديها الجمارك فيجوز لكبير ضباط الجمارك أن يفرض على ذلك رسماً معقولاً . المادة (190) تنص علي ”  تصادر لصالح الجمارك وسائل النقل الآتى بيانها وذلك اذا إرتكبت بشأنها مخالفة لأحكام هذا القانون بالفعل أو اذا إعتبرت كذلك : عند قراءتها مع الفقرة (ز) التي تنص علي :  أى وسيلة للنقل توجد داخل النطاق الجمركي مخالفة بذلك الإجراءات الجمركية المنصوص عليها فى اللوائح .

أثر السيطرة علي الموارد الجديدة

في يناير 2014م قصد منقبون شعبيون  سودانيون عن الذهب  المناطق الحدودية بين دول النيجر و تشاد و ليبيا، مثلوا خليط من أفراد  المجموعتين الزراعية و الرعوية بإقليم دارفور بالإضافة إلي المجموعات السكانية المشتركة بين السودان وتشاد، أعتمدوا علي أجهزة تنقيب بدائية و أدوات حفر يدوية. بتتبع الأسباب التي دفعت  هولاء للبحث عن الذهب في تلك المناطق الحدودية  نجد انها ترتبط بالتحول الذي حدث في  منجم جبل عامر بإقليم شمال دارفور  إلي منطقة مقفولة غير متاح للجميع  التنقيب فيها علي قدم المساواة. و بالنظر إلي  الوضع الراهن بجبل عامر  وفقا لتصريح وزير الداخلية الأسبق عصمت عبدالرحمن بأن هنالك (3000)   أجنبي بالمنجم تجدر الإشارة إلي أن الوجود الأجنبي إرتبط ببداية التوافد الشعبي علي المنجم حيث كشف الصراع المسلح الذي شهده جبل عامر في العام  2013م عن وجود (70.000)[6] منقب من ضمنهم أجانب أجانب من دول غرب أفريقيا و شمالها و بعض دول القرن الإفريقي  يمثلون  40%   [7]من عدد المنقبين اَنذاك، لكن التغيرات في علاقة السيطرة علي المنجم حولته إلي منجم حصري.

المصالح الإقتصادية التي إرتبطت بفرص التنقيب في جبل عامر  أحدثت تحول كبير في العلاقة بين قادة المليشيات و الحكومة السودانية، ففي الوقت الذي حاولت فيه الأخيرة تبني سياسة فرق تسد بين كل من موسي هلال قائد مليشيات إستخبارات الحدود و محمد حمدان دلقو (حميدتي) قائد مليشيات الدعم السريع يبدو أن الرجلين قد إنتبها للدور جيداً، و تعاملا مع الفرقعة الإعلامية بما تستحق من تماهي، لكن التصريحات المتتالية لكلا الرجلين علي خلفية تصريح وزير الداخلية السابق الفريق عصمت عبدالرحمن بنفي وجود أجانب بمنجم جبل عامر كشف عن رأس جبل الجليد أو التحالف الإقتصادي غير المعلن بين الرجلين الذين وحدتهما المصالح الإقتصادية المرتبطة بمورد الذهب الذي يجد سوقاً رائجة بمدينة دبي بدولة الأمارات العربية المتحدة بعد تهريبه عبر الحدود إلي دولة تشاد.

[8] شكلت المنطقة الصحراوية بديلاً لمنجم جبل عامر الذى قلت فيه القيود علي المنقبين وفي تطور لم يكن في الحسبان  وجد المنقبون الشعبيون أنفسهم أمام إغراء أفراد من دول النيجر و بنين و نيجيريا يعرضون مقايضة الذهب الخام بسيارات الدفع الرباعي من ماركة  التايوتا  (جي اكس آر) ، ولم يمض وقت طويل سرعان ما بدأ تجار  أخرين يتوافدون علي المنطقة من مدن الكفرة و إجدابيا و تازروبو في الجنوب الليبي حيث ينتمون إلي  إثنية  التوبو الليبية االتي ترتبط بعلائق إثنية مع مجموعة القرعان التي تقطن دولة تشاد.

يمكن إستجلاء دوافع عمليات المقايضة من جانب المنقبين بأنها هدفت للحصول علي وسائل حركة تمكنهم من التحرك في نطاق واسع داخل  المنطقة الصحراوية، و جاءت قيمة أولي تلك التعاملات بمقايضة كيلو من الذهب الخام مقابل سيارة تايوتا دبل كابينه موديل 2013 العام، كيلو و ربع  من الذهب الخام مقابل للسيارات اللاندكروز موديل العام 2013 ، كيلو ونصف  من الذهب الخام مقابل سيارات اللاندكوزر من موديلات العام 2015 [9] .

المقايضة و الموارد الجديدة

طريقة المقايضة التي تعتبر إحدي سمات الإقتصاد البدائي وجدت طريقها إلي الإنتشار لسبب أخر  لكونها الأجدر في الحفاظ علي قيمة الذهب في منطقة صحراوية مفتوحة الحدود بين عده دول ترتفع فيها درجة الخطورة الأمنية، أفرزت تلك المقايضات بداية لما يمكن تسميته بالبورصة الشعبية لأسعار الذهب، ليتم تقدير كيلو الذهب عند المقايضة ب  35.000 جنيهاً سودانيا مقارنةً بأسواق الذهب الخام غير الرسمية بالفاشر و شمال دارفور  التي شكلت مركزاً لوكلاء الشركات المتعاملة في الذهب في الخرطوم بينما بلغ سعر الكيلو في الخرطوم 40.000جنيهاً سودانياً   .

تجدر الإشارة أن تلك العمليات التي كانت تتم بين بين المنقبين و أطراف أخري  تقترب في ماهيتها إلي فلسفة غسيل الأموال التي تمر بمراحل تعمل علي إخفاء مصدرها الحقيقي، بالرغم من عدم وجود ما يشير إلي ذلك لكن يظل غموض مصدر تلك السيارات  يثير السؤال حول علاقة الأمر بغسيل الأموال، مع الأخذ في الإعتبار أن إجراءات التقنيين القانونية تمثل المرحلة الأخيرة من تلك العملية.

المعارضة التشادية  ومقايضةالسيارات مقابل الذهب

أخذت ظاهرة المقايضة في الإنتعاش حين بدأت المعارضة التشادية التي تتخذ من منطقة جبل تبيستي مقراً لها عرض أعداد كبيرة من سيارات اللاندروز  ذات الدفع الرباعي للمقايضة بالذهب و حيناً  كان يتم سداد القيمة بالدينار الليبي، و يرجح أحد المصادر بأن مصدر ها هي جماعة بوكو حرام  التي كانت تحاول توسيع نفوذها في تلك المنطقة، الأمر الذي جعل تلك السيارات تعرف علي نطاق شعبي واسع لاحقاً بأسم  ( البوكو حرام) بعد عبورها إلي الحدود السودانية فرارااً من الحملة العسكرية التشادية[10] التي أستهدفت المنقبين في تلك المناطق من ملاك السيارات ماركة اللاندكروزر علي خلفية  عمليات المقايضة الأولي

.شجع التواجد الكبير للمنقبين الشعبيين تجار من دولتي السودان وتشاد علي التعامل في المواد الغذائية التي يتم إستيرادها من السودان لتعبر إلي داخل الحدود التشادية ثم إلي  مناطق التنقيب عن الذهب ، يقول   ( حسين)[11] أحد التجار السودانيين بأن الأمر مجزي  لكنه بدأ يتأثر بالسياسات الإقتصادية للحكومة السودانية و إنخفاض سعر الجنية السوداني مقابل الدولار مما جعله يمكك عن التعامل في تلك السلع منذ نوفمبر 2016م

التعامل  التجاري افي السيارات

فرض إزدياد عدد السيارات الورادة إلي السودان عبر أقليم شمال دارفور من الجماهيرية الليبية سؤالاً عن مصدر تلك السيارات، لـتأتي الأجابة بعد مقابلات مع بعض الموردين  الليبين و السودانيين بأن الأمر نتاج لتطور سيطرة جماعة خليفة حفتر  و مجموعات مسلحة أخري علي حقول النفط الليبية،علي سبيل المثال  في حالة السيارات الكورية تأتي سفن محملة بها لتعود وهي محملة بالنفط الليبي، تُرحل السيارات مباشرة من المواني إلي مدينة الكفرة الليبية و من ثم إلي السودان عبر  مدخلي المالحة و الطينة بإقليم شمال دارفور، تبلغ المسافة من الكفرة إلي المالحة حوالي 1000 كليو متراً تستغرق الرحلة ما بين 3 إلي 5 أيام وفقا لحالة الشحانات التي تحمل فيها السيارات، كما تبلغ المسافة بين المالحة ومدينة مليط النقطة الجمركية الرسمية وفقاً لخرطة بوابات الجمارك السودانية حوالي 40 كيلو متراً، لتقطع من هناك مسافة 70 كيلو متراً لتصل إلي مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور.

تقنين الملكية  و دور السلطات السودانية

خلفية : في يوليو 2015م قننت الحكومة السودانية بمدينة نيالا بجنوب دارفور وضعية ما يقارب 3000 سيارة شملت تلك الواردة عبر الحدود أو تلك التي يقودها افراد من مليشيات الدعم السريع أو إستخبارات الحدود، مثل التي أستولت عليها المليشيات التي شاركت في تنصيب الرئيس ديوجيه في العام 2013م رئيسا لإفريقيا الوسطي [12] دون لوحات داخل المدن عبر أستخراج شهادة الوارد التي تصدرها اللجنة الجمركية التي أوفدت لتلك المهمة و التي كانت تتطلب إحضار إقرار مشفوع باليمين من المحكمة فحواه أن مقدم الطلب هو المالك الأوحد للسيارة، ومن ثم تباشر إستلام الرسوم التي بلغت  نسب متفاوتة حسب القيمة التقديرية،تم منح أفراد المليشيات ميزة تفضيلية  تمثلت دفع 10% من القيمة التقديرية بينما حددت قيمة 25% للاَخرين.

في 14 فبراير 2014م أشارت  شرطة ولاية جنوب دارفور 1117 سيارة جرى تهريبها من إفريقيا الوسطى وتشاد وأخرى تم اغتنامها من المعارك التي دارت بين الحكومة والحركات المسلحة في دارفور وحينها قال مدير شرطة الولاية اللواء احمد عثمان محمد ان السيارات كانت مهددا أمنيا حيث أنها تجوب المدينة بلا ترخيص.

 وجاءت إجراءات  تقنين اللوحات لهذه السيارات إستثناء من السياسة العامة لحكومة السودان التي تضع ضوبط معينة تتعلق  بإستيراد السيارات المستعملة حيث نص قرار مجلس الوزراء رقم (274) لسنة 2010م بشأن حظر استيراد العربات المستعملة  يشمل الإستثناء (يقتصر استثناء استيراد السيارات المستعملة على أربع شرائح هي: الدبلوماسيين والمبعوثين والمعارين والمغتربون العائدين نهائياً للبلاد)  الإجراءات التي تمت في العام 2015م التى أعقبت حالة الطواري التيىأعلنت في  15 يوليو 2015م بمدينة نيالا بولاية جنوب دارفور تحت زريعة ضبط الحالة الأمنية.

تقنين الوضع القانوني

في نوفمبر 2016م صدر قرار من الرئيس السودانى عمر حسن أحمد البشير قضي بتشكيل لجان جمركية في كل مدن الفاشر و الطينة بولاية  شمال و مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور، و مدينة زالنجي بولاية وسط دارفور– غربي السودان، باشرت تلك اللجان أعمالها حيث بلغ العدد الكلي للسيارات ( البوكو حرام ) التي عبرت الي الحدود السودانية وفقاً للحصر الرسمي للجنة بحوالي (10000) (عشرة الف سيارة ).

حيث  تم فرض رسوم جمركية بلغت( 160.000 )جنية سوداني للسيارة ماركة تايوتا هايلوكس موديل 2014، سيارات اللاندكروز بلغت قيمة جماركها (280.000) جنية سوداني، فيما بلغت جمارك السيارات كورية الصنع من ماركة أتوز( 22.000) جنية سوداني، فرضت الولايات المعنية رسوم ضربيبة و أخري أدارية للمحليات تراوحت بين (9.000) إلي (13.000) جنية حسب موديل و قيمة جمارك السيارة  وتقدر  جملة السيارات الواردة إلي الحدود السودانية (20.000 )سيارة حتي مارس 2017م.

لوحات مرورية مؤقتة

في البدء تم فرض حظر علي حركة السيارات البوكو حرام خارج اقليم شمال دارفور، بأن تم إصدار لوحات محلية صنعت من الحديد و كتبت عليها  أرقام بخط اليد بلغت تكلفة إيجار اللوحة 1000 جنية سوداني شهرياً و هي تحصل من قبل شرطة المرور دون الإيصال الرسمي الإلكتروني رقم (15)، و تم تصنيع اللوحات التي بلغت (10000) لوحة موقتة  بواسطة أحد المكاتب الفنية الخاصة لصالح شرطة مرور شمال دارفور، و في مخالفة لقانون الجمارك السوداني تم فرض حظر علي ملاك السيارات بعد إكمال إجراءات تخليصها الجمركي و سداد الرسوم المختلفة  و إستلام شهادة الوارد  بمنع ترخيصها خارج دائرة شرطة مرور إقليم شمال دارفور، لتجاوز تلك العقبة أصبح الملاك يتقدمون بطلبات لشرطة المرور بشمال دارفور لإسقاط اللوحات الخاصة بها و تسليمها ومن ثم إستلام ما يفيد بذلك الأمر الذي يتيح لهم ترخيصها في أي من أقاليم السودان الأخري،  تبلغ تكلفة إسقاط اللوحات ما يقدر ب( 9.000 )جنية سوداني.

[13]

الاجراءات الجمركية

تعتبر مدينة المالحة تعتبر أحدي المحليات الإدارية لولاية شمال دارفور، كما اشرنا إلي أنها اصبحت أحدي نقاط العبور إلي الأراضي السودانية للسيارات، لم تكن بها في السابق محطة جمركية وفقا لقانون الجمارك السوداني، تحولت لتصبح مركزاً تجاريا هاماً، بل قفز أسمها إلي خارطة المعرفة لكثير من السودانيين، وبتقصي الأسباب فقد إكتسبت تلك الميزة نتيجة لجهود الإدارة العشائرية التي تدخلت عبر مليشياتها التي تم تسكينها تحت مظلة شرطة الإحتياطي المركزي الشرطية لتامين وصول السيارات عبر الطريق الصحراوي إلي  الحدود السودانية و عزز من ذلك دور رئيس الإدارة الإهلية لأثنية الميدوب الذي يحظي بلقب الملك بتنظيم إنسياب حركة السيارات بالإضافة إلي إشرافه علي ضمانة الحالة الأمنية، إزاء ذلك تدخلت محلية المالحة بالإضافة إلي الإدارة الأهلية إلي فرض رسوم بلغت( 2.000) [14]جنية سوداني علي السياراة بمجرد عبورها الحدود السودانية إلي داخل إختصاص محلية المالحة و جميع هذه الرسوم تحصل غياب الإيصال الرسمي المعمول به و غياب أورنيك 15 الإلكتروني[15] الذي دخل حيز التعامل الرسمي  في 15 فبراير 2018.

كنتاج لتحول المالحة لمنفذ بري لسيارات البوكو حرام إنخرط العديد من سكانها في سوق السيارات ليصبح بعضهم بعد وقت وجيز موردين و اَخرين حازوا ثقة الموردين الليبين ليصبحوا وكلاء عنهم في داخل الحدود السودانية، كما إنخرط أخرون في   إمتلاك الروافع التي تقوم بإنزال السيارات الواردة من الشاحنات.

العلاقة بين الموردين الليبين و الوكلاء السودانيين فيما يتعلق بتحول الأموال ضرب عليها سياجاً من السرية لكن وفقاً لبعض  الإفادات أن التحويلات المالية تأخذ مساراً من شمال دارفور إلي العاصمة السودانية الخرطوم ومنها إلي الموردين.

الأجراءات التقشفية التي ظلت تتخذها الحكومة السودانية بشكل معلن كما في العام 2013-2016م أو بشكل غير معلن في الزيادة المستمرة في سعر تذكرة المواصلات في بعض مدن السودان بسبب  رفع الدعم عن المحروقات بلغ سعر برميل وقود البنزين الوارد من العاصمة السودانية إلي مدينة الفاشر التي تقدر المسافة بينهما ب1200 كليو متراً مبلغ 1300 جنيه سوداني، مع إنتعاش سوق سيارات البوكو حرام سرعان ما إنتبه المستوردون إلي التعامل في الوقود وهو الأمر الذي لم يعره الكثيرين إنتباها حتي الوقت الراهن في ظل الإنشغال بسوق  الجماهيرية الليبية 600 جنية سوداني بمحلية المالحة[16].

 

[17]

تحصيل الرسوم الجمركية بالجنية السوداني بدلاً من الدولار الأمريكي :

قبل ظاهرة سيارات البوكو حرام ظلت السيارات  تستورد عبر ميناء بورتسودان  بولاية البحر الأحمر – شرقي السودان من قبل بواسطة شركات و افراد  من المستوردين  يتمتعون بأوضاع قانونية تتسق و القوانيين و اللوائح علي سبيل المثال الحصول علي الرخص و السجلات الضريبية و الإلتزام بغيرها من الرسوم والضوابط التي ترتبط بسنة الصنع، حيث يتقدم المتعاملين في الحصول علي الدولار الجمركي من بنك السودان المركزي بقيمة بلغت أنذاك 6.8 جنية سوداني للدولار الأمريكي في الوقت الذي بلغ فيه سعر الدولار في السوق الموازية بين 16 إلي 19 جنية سوداني

ظاهرة سياراة البوكو حرام شكلت إنحرافاً للإستغناء من الدولار الجمركي للسيارات حيث أنها أصبحت تباع بالجنية السوداني بينما تفرض عليها السلطات رسوم جمركية و ضرائب ورسوم أخري خارج الأطر القانونية مما يمكن الإشارة إلي انها شكلت مورداُ مالياُ رخيص التكلفة.

بقراءة لراهن الحال لاسواق السيارات بالعاصمة السودانية الخرطوم نجد أن الأمر إنعكس في إنخفاض أسعار السيارات بنسبة وصلت إلي ما يقارب في بعض الأحيان 30-35% من اسعارها السابقة حال إستيرادها عبر ميناء بورتسودان. تلك التطورات دفعت بعض الشركات الكبري و التجار من مختلف مدن السودان يوفدون وكلاء إلي الفاشر لشراء السيارات لترحيلها للبيع في مناطق أخري كالخرطوم ووسط الجزيرة التي عزف مغتربوها من إستيراد السيارات عبر ميناء بورتسودان كما في السابق.

أنعكس الوجود الكبير للمتعاملين في السيارات من مدن السودان المختلفة في إنتعاش للإقتصاد المحلي لمدن دارفور مثل الفاشر  في الجانب المرتبط  بالخدمات اليومية من الأكل والشرب و الحركة و إيجارات المساكن، بالإضافة إلي أن بعض السكان المحليين أصبحوا يستغلون ممتلكاتهم العقارية كمواقف للسيارات المعروضة للبيع أو تلك التي في إنتظرا إكمال إجراءاتها الجمركية و الترخيص بأجرة يومية نتيجة لإزدحام شوارع مدينة الفاشر بالسيارات حتي أصبح من العسير الحصول علي موقف لها.

إستخدام الأوامر المحلية للتحصيل المالي

في مقام سابق تعرضنا للوحات المؤقتة التي تصدرها أحد البيوت التجارية الخاصة لصالح شرطة مرور شمال دارفور  لتظل محكمة العوائد الخاصة كجهة إختصاص للنظر في مخالفات عدم الحصول علي اللوحات الموقته، و فقاُ لذلك تقضي الإدانة أمام تلك المحكمة بعقوبة الغرامة و التي دابت علي توقيع عقوبة ثابتة بلغت 3000 جنيه سوداني كغرامة مع عقوبة بديلة السجن لمدة شهر في حالة عدم الدفع، كما اشرنا أن قيمة تلك اللوحات لا يقابلها إيصال رسمى رقم 15 الإلكتروني المعمول به في الدولة.

 الحكومة المحلية لولاية شمال دارفور

لائحة المعاملات المالية و المحاسبية التي تخضع لها التعاملات في الدولة ظلت هي الضابط للتعاملات التي تكون فيها الحكومة طرفاً، ففي حالة الشراء أو التخلص بالبيع يتم الأمر عبر الإعلان الذي يصدر  طبقاً  لإجراءات تقوم بها الجهات المختصة وفقاً لدراسة الحالة سواء في التخلص أو الشراء ، و تظل وزارة المالية هي صاحبة الإختصاص الاصيل في الإشراف علي تلك الإجرءات التي  تفرض مراعاة ضوابط القانون و الشفافية، لكن برزت بولاية شمال دارفور تصرف بعض المرافق الحكومية في  سياراتها و إستبدالها بأخري من السوق المحلية من سيارات البوكو حرام، كما ظل بعض قادة الإدارات الأهلية يحظون بالإعفاءات الجمركية للسيارات التي يحصلون عليها من السوق المحلية أو كعطاءات من قبل الحكومة المحلية.

مضاربون مجهولي المصادر المالية

ظاهريا بدأت السيطرة علي التضارب في السوق لبعض القادة من الرتب الوسيطة  المنتمين إلي مليشيات قوات الدعم السريع و إستخبارات حرس الحدود بالإضافة إلي بعض قادة حركة العدل والمساواة التي وقعت علي إتفاق  سلام مع الحكومة السودانية إلي جانب بعض قادة أفراد حركة تحرير السودان – جناح مني مناوي التي اَثرت البقاء داخل السودان تحت مظلة بنود إتفاق أبوجا 2006 م علي سوق سيارات البوكو حرام و ذلك عبر إستغلال نفوذهم العسكري لحماية السيارات في حركتها المختلفة و تكملة إجراءاتها و تفادي دفع المخالفات المرورى.

لكن ظل المتعاملون الأساسيون في سوق البوكو حرام مشترين سودانيين يحملون اوراق ثبوتية تحمل صفات( موظف عمومي) أو ( أعمال حره ) ، قادمون من بعض ولايات السودان  كالخرطوم و سنار وفقاً للاوراق الثبويتة، عددهم ما يقارب ( 25 )  يقومون بالشراء بين 20-25 سيارة من الشاحنات التي تبلغ قيمتها 70000 جنيه، والسيارات ماركة تايوتا 350000 جنيه، ومقطورات الشاحنات التي تبلغ 400000 جنيه، يقوموا بحفظها داخل القيادة الغربية مقر الفرقة السادسة العسكرية التابعة للقوات المسلحة، مقر إقامتهم ليست بالفنادق بالمدينة بل بإستراحات ضباط القوات المسلحة بالفاشر و يرافقهم في حركتهم ضباط من القوات المسلحة تحت غطاء الامن، ظلت حركتهم تتكرر بشكل متواتر الي الفاشر حيث يقومون بشراء السيارات و ترحيلها للخرطوم دون أن يواجهو اية مشاكل، بالنظر الي ترددهم على الفاشر  بلغت متوسط رحلاتهم [18](7) رحلات لكل منهم الي تاريخ اغسطس 2017م حيث ظلوا يقومون بالشراء بالرغم من القرار الجمهوري الذي اوقف ذلك .

 

التوصيات :

  • علي السلطات السودانية عدم تشجيع المضاربة في إقتصاد الحرب لدول الجوار.
  • علي السلطات السودانية الالتزام بقانون الجمارك السوداني الذي يحدد طرق الاستيراد وضوابط التعامل وفقا للقانون.
  • علي وزارة العدل السودانية فتح تحقيق عاجل وشفاف حول الاجرءات المحاسبية التي ارتبطت بالاجراءات و الاموال التي تحصلت عليها الحكومة الولائية لشمال دارفور ، و شرطة مرور ولاية شمال دارفور و تقديم  من يثبت تورطهم للمحاكمة العادلة
  • علي الحكومة السودانية الاعلان بشفافية عن طرق التحويل المالية من السودان والي ليبيا و الجهات المستفيدة منه في ظل ارتباط تلك الموارد بدولة تشهد صراع مسلح .

[1] – تصريح للراحل الدكتور حسن عبدلله الترابي – اليوتيوب

[2] – تم الإعلان عن سيايت تقشفية أخذت في  رفع الدعم عن السلع ثم المحروقات و في 2016م تراجعت الحكومة عن التحرير الكلي لسعر الدولار الأجنبي

[3] – وزير الداخلية الأسبق عصمت عبدالرحمن ، يعلن عن وجود 3000 أجنبي بمنجم جبل عامر بإقليم شمال دارفور

[4]  – روسيا تحمى تجارة الذهب الملطخ بالدم : مليشيا موسى هلال تحصل على (54) مليون دولار سنوياً ، صحيفة حريات الالكترونية 6 ابريل 2016

[5]  قانون الجمارك السوداني المواد 118 ، 189، 190

[6]  حصاد البارود – مليشيات الجنجويد في دارفور ، محمد بدوي ، دار اوراق للنشر ، القهرة يناير 2016 صفحة

[7]  المصدر السابق

[8] Tibesti mountains  Google

[9] مقابلات مع معدنيين فضلوا حجب أسماءهم ، مارس 2017م

[10] – إلي جانب المتعاملين من أفراد المعارضة التشادية، بدأ في العام 2016م إرتياد فاعلين جدد من دول النيجر و بنين يمكن تصنيفهم بالتجار حيث كانوا  يحضرون سيارات جديدة الصنع لسوق المقايضة، تبعا لتلك التطورات و إتساع نطاق التعامل دشنت الحكومة التشادية حملتها العسكرية الثانية  بقوات برية و جوية أستخدمت فيها طائرات الهليكوبتر  تحت الإشراف المباشر للرئيس التشادي إدريس دبي  إستهدفت بعض المنقبين من أصحاب  سيارات الدفع حيث تمكنت من مصادرة ما يقارب (700) سيارة ماركة لاندكروز  أقتيد أصحباها إلي منطقة كلاييت بشرق تشاد رهن الإعتقال لما يقارب  الثلاثة أشهر قبل أطلاق سراحهم وترحيل السودانيين إلي منطقة الطينة التشادية الحدودية التي يفصلها مجري مائي من الطينة السودانية في الحدود بين البلدين، تجدر الإشارة هنا إلي أن الحملة لم تستهدف المنقبين من ملاك السيارات ماركة تايوتا هايلوكس،  هنالك فريق ثالث تمكنوا من  الفرار بسياراتهم إلي داخل الحدود السودانية و الليبية.

إستطاعت الحملات العسكرية التي دشنتها الحكومة التشادية تجفيف أسواق المقايضة في المنطقة الصحراوية ، ليشهد شهر يناير 2016م تحولاً جغرافياً  ونوعياً لسوق السيارات إلي داخل الحدودالسودانية من الجماهيرية الليبية بواسطة متعاملين يحملون الجنسية الليبية، فبدأت منطقة المالحة السودانية الحدودية و معبر الطينة الجمركي بولاية شمال دارفور تستقبلان سيارات من مختلف الموديلات و الماركات حيث شكلت أغلبها سيارت تم صنعها في الأعوام (2010-2015)، في هذه المرحلة حلت العملة السودانية بديلاً للذهب الأمر الذي قاد إلي إزدهار النشاط التجاري ليدفع ذلك المتعاملين الليبين إلي التعاون مع وكلاء سودانيون لينوبوا عنهم في عمليات البيع، لاحقاً تحول نشاط بعضهم للإستيراد.

[11] -سوداني من اصول مشتركة ( سودانية تشادية) قصد تشاد للعمل في التجارة فظل يحصل علي المواد الغذائية من السودان لبيعها في مناطق المعدنيين الشعبيين

[12]  في 13 يوليو 2013 م قتل قائد المليشيا محمد عبدالله شرارة” دكروم ” بمدينة نيالا بولاية جنوب دارفور بعد صدام مسلح بين قوته و قوه من جهاز الامن والمخابرات الوطني ، مصدر موثوق رجح سبب مقتله رفضه تسليم  جهاز الامن ز المخابرات بنيالا سيارة مصفحة كان قد استولي عليها من القصر الرئاسي بافريقيا الوسطي اثناء مشاركته في تنصب الرئيس الحالي ديوجيه رئيسا لها بعد ان حملته المليشيات من مدينة نيالا حيث كان يشغل قنصلا لافريقيا الوسطي بها ، وكانت الحملة يقادة موسي السميح .