تحقيق: دارفور24

الفكرة

في ستينيات القرن الماضي تنبه خبراء المياه عبر دراسة علمية الى ان مدينة نيالا عاصمة جنوب دارفور ستواجه مشكلة في مياه الشرب بسبب نضوب مياه وادي (برلي) الذي يعد المصدر الاساسي لمياه الشرب بالمدينة، واقترحت الدراسة- بحسب وزير التخطيط العمراني الاسبق في تصريحات سابقة ادم ادريس السليك وهو احد معدي الدراسة- مشروعاً لتزويد المدينة بالمياه من حوض البقارة الجوفي الواقع في منطقة قريضة (85) كيلو متر جنوب نيالا، باعتبار ان الوادي الذي تعتمد عليه المدينة مصدر مياه غير آمن، الا ان تلك الدراسة ظلت حبيسة الادراج الى ان تفاقمت المشكلة بمرور الوقت بسبب الانفجار السكاني الذي شهدته المدينة جراء نزوح الآلاف من سكان القرى من جحيم الحرب التي مرت بها دافور خلال السنوات الماضية.

بداية التنفيذ

في العام (2004)م اضطرت الحكومة الى تنفيذ مقترح تزويد المدينة بمياه شرب من حوض البقارة عبر خط ناقل بطول (85) كيلو متر، وبحسب الدراسة الجيولوجية فأن المشروع يمد المدينة بـ (40) ألف متر مكعب من المياه يومياً، وهي كمية كانت كافية لتغطية حاجة المدينة من مياه الشرب في العام (2004)م الا انها اصبحت الآن لا تتجاوز ال(40%) من حاجة المدينة، وابرمت الحكومة السودانية ممثلة في وزارة المالية الاتحادية اول عقد مع الحكومة الصينية ممثلة في الشركة (الصينية العالمية للبناء) (CMIC) لتنفيذ المشروع، بقيمة (50) مليون دولار منها (40) مليون دولار قيمة المواد بينما قيمة التشييد (10) مليون دولار، وكان العقد عبارة عن مقايضة بين الطرفين (تنفيذ المشروع مقابل انتاج نفطي) وبحسب المعلومات المتوفرة لدى ادارة مشروع مياه نيالا من حوض البقارة فإن الشركة الصينية استجلبت كل المعدات الخاصة المشروع واوصلتها الى مدينة نيالا في الفترة من (2004) الى (2007)م، وبدأت في يناير (2008) عملها في توزيع الانابيب على مسار الخط الناقل للمياه، بجانب اجراء الدراسات الخاصة بآبار المياه وانشاء (صبات خرسانية) في (اثنين) من مواقع محطات دفع المياه.

* الخروج المفاجئ للشركة المنفذة

الشركة الصينية اقدمت على سحب مهندسيها وعمالها في مايو 2008م لسبب غير معلن وقالت انهم سيسافرون الى بلدهم لحضور فعاليات اولمبياد (بكين) لكن الشركة لم تعد مرة أخرى ولم تبد سبباً واضحاً لذلك، ونفى مدير مشروع مياه نيالا من حوض البقارة المهندس هرون نوية ما أشيع وقتها بأن الحركات المتمردة كانت السبب وراء خروج الشركة الصينية وقال في ذلك الوقت كان يدير المشروع المهندس (ادم ادريس السليك) وكان يذهب للإشراف على العمل في المشروع برفقة حراسات قوامها عربة من شرطة الاحتياطي المركزي وتنضم إليهم عربة اخرى بها قوة من المتمردين يعملون مع بعض لحراسة الشركة المنفذة للمشروع، وتابع (لكن بعد البحث عن اسباب مغادرة الشركة اتضح لنا ان الشركة تعرضت لضغوطات وتهديد من الادارة الامريكية بالخروج من السوق العالمية حال استمرارها في العمل بالسودان بموجب العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان) وابان نوية انه بعد ان اخلت الشركة طرفها كانت هناك بعض الآليات لم تستجلبها وهي ضمن الاتفاق المبرم بينها والحكومة السودانية عبارة عن (حفارة ولودر) فقامت بإعادة مبالغها التي تقدر ب(13) مليون جنيه لوزارة المالية الاتحادية ومن ثم توقف العمل في المشروع لمدة (5) سنوات الى العام (2013)م

عودة الأمل

وفي العام (2013)م عينت حكومة جنوب دارفور المهندس هرون نوية مديراً للمشروع وبذلت جهداً لإعادة العمل في المشروع مرة أخرى، واشار نوية الى انهم سافروا الى الخرطوم وأجروا بحثاً مكثفاً عن الاوراق والمستندات الخاصة بالمشروع وبعد العثور عليها تمكنوا من اقناع وزارة المالية الاتحادية لطرح عطاء تنفيذ المشروع مرة أخرى في نوفمبر (2013)م وتم فرز العطاءات وتوقيع العقودات في مايو (2014)م حيث وقع عطاء حفر الآبار والاعمال المدنية الى شركة gold style وهي شركة (سودانية، مصرية، اماراتية) بينما وقع عطاء تشييد الخط الناقل للمياه لشركة المنتجات التشيكية وهي شركة (سودانية) اسمت نفسها  بذلك لأنها تستورد منتجات من التشيك، وبدأت الشركتان العمل في ديسمبر (2014)م وتمكنت شركة المنتجات التشيكية من تنفيذ (42) كيلو متر من الخط الناقل من جملة (85) كيلو متر، بينما انجزت شركة gold style  حفر (19) بئر من جملة (20) بئر،

التمويل

واعتمدت الحكومة تمويل المشروع عبر خطابات الضمان، حيث اصدر بنك السودان خطاب الضمان للبنك السوداني الفرنسي الممول لعقد حفر الآبار والاعمال المدنية عبر شركة gold style، كما تم اصدار خطاب ضمان لبنك فيصل الاسلامي الممول لشركة المنتجات التشيكية، على ان يسدد بنك السودان هذه الخطابات في مدة (3) سنوات.

وقال  المهندس نوية انه بموجب خطابي الضمان هذه ما على الشركتين الا العمل واستلام تمويل أي مرحلة يتم انجازها، مبيناً ان ارباح أي من هاتين الشركتين في العقدين بلغت (14%) الامر الذي رفع قيمة التمويل من (97) مليون جنيه الى نحو (130) مليون جنيه، بالإضافة الى حصول الشركتين على اعفاءات ضريبية لمدة عام كامل.

* مواصفات الآبار

برزت معلومات من واحدة من جلسات مجلس الولاية التشريعي مفادها ان الآبار التي تم حفرها لا تتماشى مع العمق الذي تم تحديده بـ (ألف) قدم وفقاً للدراسات الاولية للمشروع، وعند سؤال دارفور24 لمدير مشروع مياه نيالا من حوض البقارة عن مدى صحة هذه المعلومات قال انه بالفعل حددت الدراسات الاولية (ألف) قدم لكن لظروف أمنية تم تحويل مواقع الآبار من شمال مدينة قريضة الى شرقها على بعد (15) كيلو متر مبيناً ان الموقع الجديد عندما اجريت له دراسات جديدة اثبتت ان عمق الآبار يتراوح بين (600-   900) قدم، وتم حفر (19) بئر وتبقت بئر واحدة لم تحفر بعد.

* الامداد الكهربائي للمشروع

مشروع بحجم مشروع مياه مدينة نيالا من حوض البقارة يحتاج الى قدر كافي من الامداد الكهربائي لضخ المياه في الخط الناقل الى المدينة، وتم استجلاب محطة لتوليد (12) ميغاواط لكن الحكومة اضطرت الى صرف النظر عنها لجهة ان تكلفة تشغيلها عالية ومستهلكة للوقود حيث يستهلك الوابور الواحد برميل جازولين في الساعة، لذلك بدأت الحكومة التفكر في انشاء خط ناقل للتيار الكهربائي من نيالا الى حقل السليك بقريضة بطول (85) كيلو متر، ووقع عطاء انشاء الخط للشركة السودانية لتوزيع الكهرباء (الحكومية) وتم توقيع عقد بقيمة (97) مليون جنيه لإنشاء الخط، لكن الشركة لم تبدأ عملها حتى الآن وقال مدير المشروع ان الشركة طالبت بمقدم (10) مليون جنيه قبل بدء العمل، واضاف: لكني لا ادري ان وزارة المالية الاتحادية سددت لها المقدم ام لا.

* المشروع في طاولة الرئاسة

الشركة السودانية لتوزيع الكهرباء قالت في العقد ان انجاز العمل في الخط الناقل للكهرباء لا يتجاوز الثلاثة اشهر حال بدأت فيه، في وقت تحرص فيه حكومة الولاية على بدء العمل في هذه الايام حتى يتسنى لها افتتاحه ضمن مشروعات الدورة المدرسية القومية التي تستضيفها جنوب دارفور نهاية هذا العام، لكن حكومة الولاية اقرت بأن مشروع الكهرباء يحتاج الى دعم سياسي كبير، وقال وزير التخطيط العمراني طه عبد الله حامد ان التحدي امامهم هو كيفية تحريك الشركات المنفذة للمشروع في محاوره المختلفة حتى يتم افتتاحه نهاية هذا العام ضمن مشروعات الدورة المدرسية، واضاف في آخر زيارة لنائب رئيس الجمهورية وضعنا امامه قضية مشروع مياه نيالا من حوض البقارة للتدخل للضغط على الشركات الثلاث لإكمال المشروع.

* تقاعس الشركات

مشروع مياه نيالا من حوض البقارة المقرر افتتاحه في العام 2017م لم يتجاوز العمل فيه حتى الآن نسبة ال(40%) وعزت ادارة المشروع تأخير انشاء المشروع الى تقاعس الشركات المنفذة بجانب تعرض بعض المعدات والآليات الخاصة بالخط الناقل للمياه للسرقة بعد ان تركتها الشركة الصينية في موقع تخزينها جنوب المستشفى السوداني التركي في الفترة من (2008) الى (2013)م، وابان مدير المشروع ان هذه المعدات والآليات تم استجلابها مرة اخرى بواسطة وزارة المالية الاتحادية بكلفة بلغت (100) مليون جنيه، بينما افادت مصادر (دارفور24) ان الآليات تعرضت للسرقة بواسطة رجال الشرطة الذين تم تكليفهم بحراستها، وذكر انهم عندما تم تكليفهم بالحراسة لم يتم تسليمهم الآليات عبر كشوفات وعملية تسليم وتسلم وانما بطريقة (هذه معدات وعليكم حراستها)، وذكر المصدر ان هناك سيارات ووابورات وآليات حفر تمت سرقة اجزاء منها وبيعها كقطع غيار، من جهته أقر مدير شركة المنتجات التشيكية (الطاهر الزين) بأن هناك تأخير في تنفيذ المشروع لكنه عزا ذلك الى عدة اسباب ابرزها ان الشركة وجدت ان (70%) مادة (الرابر) التي تستخدم للربط بين انابيب الخط الناقل قد نفدت صلاحيتها بسبب سوء التخزين، وبعد ان ابلغت الجهة المالكة للمشروع ارسلت فريقاً هندسياً للتقصي وبالفعل اثبت عدم صلاحية مادة (الرابر) فتوقف العمل الى ان تم استيراد المادة واستأنفت الشركة عملها في مارس 2017م، وتوقفت مرة اخرى في يوليو بسبب دخول فصل الخريف، وقال الزين بعد الخريف طرأت مشكلة أخرى وهي الشركة اكتشفت ان تصميم المشروع غير متطابق مع (طبوغرافية) المنطقة، الأمر الذي اضطر الشركة الى التوقف الى حين اجراء تصميم جديد للخط، ومن ثم بدأت الشركة العمل مجدداً في مارس المنصرم لكنه توقف ايضاً بسبب ازمة الوقود التي ضربت البلاد هذه الايام، وابان ان ما تبقى من المشروع لا يتجاوز انجازه الستة اشهر لكنه اشار الى انه في حال معالجة مشكلة الوقود الحالية فإن العمل سيتوقف ايضاً بسبب فصل الخريف المقبل، ما يعني المشروع لن يرى النور قبل مطلع العام 2019م.

وتظل المدينة التي تعد ثاني اكبر مدن السودان في انتظار ان تتدفق إليها مياه مشروع مياه نيالا من حوض البقارة الجوفي الذي طال أمده لأكثر من (13) عشرة عام مع ان الحكومة ظلت تبشر سكان المدينة باقتراب اكتمال المشروع كلما حل فصل الصيف شحت مياه الشرب لدرجة انها اصبحت مهدداً يطل على المدينة سنوياً.