في منتصف نهار يوم الخميس الحادي عشر من ابريل الجاري أصبح الجنرال عوض ابن عوف، على رأس السلطة في السودان، وفي مساء اليوم الثاني بات خارج دائرة الحكم ليحطم بذلك الرقم القياسي للرؤساء الأقل بقاءاً في مناصبهم.

وكان الرقم القياسي للرؤساء السودانيين الأقل بقاءاً في السلطة مسجلاً باسم الرائد هاشم العطا، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً على الرئيس السوداني الأسبق، جعفر نميري، لكن لم يمكث في السلطة أكثر من 3 أيام استعاد بعدها النميري كرسيه السليب.

وجاء الفريق أول عوض محمد أحمد بن عوف، إلى السلطة بعد تصاعد موجة الاحتجاجات الشعبية المطالبة بتنحي الرئيس عمر البشير واسقاط نظام حكمه، ليجد وزير الدفاع مضطراً لإذعة قرارات باقتلاع رأس النظام واعتقاله في مكان لم يحدده، ووضع نفسه على رئاسة المجلس العسكري الانتقالي الذي يحكم السودان لفترة انتقالية مدتها سنتان.

ولكن قرارات وزير الدفاع قوبلت برفض مطلق من الشارع السوداني، حيث سارعت قيادات قوى “إعلان الحرية والتغيير” إلى الوصول إلى ساحة الاعتصامات امام مقر قيادة الجيش وأخبرت المعتصمين بأن القرارات المجلس العسكري مرفوضة جملة وتفصيلاً، وطلبت منهم البقاء في مكان الاعتصام ريثما يرحل ابن عوف كما رحل البشير.

وأدى غالب سكان العاصمة الخرطوم صلاة الجمعة في ساحة الاعتصام يتقدمهم القيادات السياسية المعارضة، التي رفضت مبارحة محيط القيادة العامة للجيش حتى يستجيب المجلس العسكري لمطالب الثورة المتضمنة في اعلان الحرية والتغيير.

الألآف يؤدون صلاة الجمعة في ساحة الاعتصام حول قيادة الجيش

كما خرجت الجماهير في أحياء العاصمة الخرطوم البعيدة عن ساحة الاعتصام إلى الشوارع لمواصلة الاحتجاج رفضاً لقرارات المجلس العسكري، كذلك خرج مواطنو عدد من الولايات بينها شمال كردفان وكسلا وشمال دارفور ووسط دارفور ووصلوا إلى مقرات القوات المسلحة في المدن الرئيسية واعتصموا امامها اسوة باعتصام الخرطوم.

إزاء تلك التطورات لم يجد وزير الدفاع الذي أصبح رئيساً للسودان بعد الانقلاب على البشير، بداً من الانصياع لمطالب الجماهير التي تحاصر مقر اقامته في بيت الضيافة وتهتف بسقوطه مثلما سقط سلفه. وبعد ساعات أطل ابن عوف وهو يجلس على نفس الكرسي الذي إذاع من فوقه بيانه الأول، ليعلن تنحيه عن السلطة وتعيين المفتش العام للجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، بدلاً عنه في رئاسة المجلس العسكري الانتقالي.

وتختلف الملابسات التي وضعت اسمي “ابن عوف وهاشم العطا” في قائمة أقل الرؤساء بقاءاً في السلطة، مع اختلاف نهايات كل منهما. فالأول هو سياسي وعسكري سوداني كان عضو مجلس قيادة الثورة تحت حكم جعفر النميري، الذي وصل إلى الحكم عبر انقلاب عسكري نفذه في 1969، قبل أن ينفذ انقلاباً عليه في 19 يوليو 1971، بمساعدة أعضاء الحزب الشيوعي السوداني الذي كان أحد قادته بهدف الإستيلاء على السلطة.

ولكن انقلاب هاشم العطا لم ينجح سوى 3 أيام، وبعد إفشال محاولة الإنقلاب تم اعتقال هاشم العطا ومحاكمته برفقة قادة الحزب الشيوعي في ما يُعرف بـ “محاكمة الشجرة” التي ترأسها الرئيس جعفر النميري. وتم الحكم على جميع قادة الإنقلاب بالإعدام رمياً بالرصاص. وعلى رأس من تم إعدامهم زعيم الحزب عبد الخالق محجوب، والقائد النقابي الشفيع أحمد الشيخ، والقيادي جوزيف قرنق، والمقدم بابكر النور، والرائد فاروق حمدالله، بالإضافة لهاشم العطا الذي قطع الرصاص جسده، مما تعذر نقل جثمانه لأم درمان.

لكن ابن عوف تنحى عن السلطة وتوارى عن الأنظار، ومن غير المعروف إذا ما ستتم ملاحقته لاحقاً قضائياً لاتهامات ظلت تلاحقه بالتورط في ارتكاب تجاوزات بحقوق الانسان في دارفور ابان عمله بالاستخبارات العسكرية.