بينما تخوض القوى السياسية السودانية في المركز هذه الأيام مفاوضات من أجل الوصول إلى تسوية سياسية تؤسس لمرحلة ما بعد سقوط نظام البشير، تقف القوى السياسية التي تمردت بالسلاح على نظام البشير في دارفور والمنطقتين بعيداً ترقب هذا الجدال دون أن تكون شريكاً فيه.

وتوصلت المفاوضات المشتركة بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير إلى اتفاق شبه نهائي بشأن هياكل الحكم خلال الفترة الانتقالية، فيما ينتظر ان تعلن خلال الساعات المقبلة الاتفاق النهائي حول المرحلة الانتقالية.

وكانت الحركات المتمردة في دارفور أعلنت احتجاجها صراحة على تجاوزها من قبل “نخب المركز” وعدم اشراكها في الترتيب لمرحلة ما بعد سقوط البشير، من خلال المفاوضات الجارية حالياً بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير.

لكن في ذات الوقت ألتزمت الحركة الشعبية لتحرير السودان برئاسة الجنرال عبد العزيز الحلو، التي تقود تمرداً مسلحاً في منطقتي “جبال النوبة والنيل الأزرق” الصمت حيال ما يجري، ولم تعلق على عدم اشراكها في المفاوضات التي تجري في الخرطوم بين العسكر والمدنيين بشأن نقل السلطة إلى حكومة مدنية.

وفي الأثناء أرسلت حركة أخرى مسلحة في منطقتي “النيل الأزرق وجنوب كردفان” برئاسة مالك عقار، وفد منها بقيادة مبارك أردول، إلى الخرطوم للانخراط مع المفاوضين حول نقل السلطة إلى المدنيين وتأسيس حكومة انتقالية تمهد لإجراء انتخابات عامة.

وتقود ثلاث حركات مسلحة في دارفور هي “العدل والمساواة، برئاسة د. جبريل إبراهيم، وتحرير السودان، برئاسة مني أركو مناوي، وجيش تحرير السودان برئاسة عبد الواحد محمد نور” تمرداً مسلحاً منذ العام 2003، ردت عليه حكومة نظام البشير السابق بعنف مفرط خلف إنتهاكات إنسانية فظيعة.

وفي عام 2009 أصدرت محكمة الجنايات الدولية مذكرة أعتقال بحق عمر البشير وثلاثة مسؤولين آخرين بعد اتهامهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في دارفور، حيث تقدر الأمم المتحدة عدد ضحايا دارفور بنحو 300 ألف شخص.

وعقب اندلاع الاحتجاجات السلمية في الخرطوم وعدد من الولايات أعلنت الحركات المتمردة في “دارفور والمنطقتين” دعمها للحراك السلمي وأصدرت قرارات بوقف إطلاق النار وظلت تراقب الأحداث عن كثب.

وبعد الاطاحة بالبشير في 11 ابريل/نيسان الماضي بواسطة الجيش الذي انحاز إلى الشعب وتسلم السلطة، انخرط قادة الاحتجاجات في مفاوضات مع العسكر لأجل نقل السلطة إلى المدنيين.

لكن هذه المفاوضات غاب عنها اي تمثيل لهذه الحركات المسلحة على الرغم ان بعضهم جزء من تحالف “نداء السودان” الموقع على “إعلان الحرية والتغيير”، وهو ما جعل حركتي العدل والمساوة، برئاسة جبريل إبراهيم، وتحرير السودان، برئاسة أركو مناوي، تحتجان على تغيبهما عن المفاوضات مع المجلس العسكري.

بينما أعلن عبد الواحد محمد نور، عدم اعترافه بوثيقة إعلان الحرية والتغيير برمتها، بحجة أنه لم يكن جزءاً منها ولن ينضم لها لأن ذلك يجعل من أنجزوا الوثيقة أُصلاء والآخرين تابعين، حسب قوله.

اتهامات بالإقصاء

يقول المتحدث باسم حركة العدلة والمساواة المتمردة في دارفور، محمد زكريا، لـ “دارفور 24” إن اقصاءً تم في مواجهة فصائل “الجبهة الثورية” ـ تحالف يجمع عدد من المتمردين ـ لحرمانها من المشاركة في المفاوضات الجارية حالياً بين المجلس العسكري الانتقالي، وقوى الحرية والتغيير.

وأضاف “الجبهة الثورية السودانية مكوناً أصيلاً من مكونات اعلان قوى الحرية والتغيير” ولكن حدث إقصاء لها من قبل أطراف في “نداء السودان” من عملية الاتصال بالمجلس العسكري الانتقالي”.

وأوضح زكريا أنه لا بد من عملية تفاوض مع الحركات المسلحة في منابر مختلفة عما يجري في الخرطوم، بغية الوصول لاتفاق سلام يعالج قضايا الحرب والترتيبات الأمنية المتعلقة بدمج القوات وقضايا التعويضات للضحايا ومعالجة ملف النازحين واللاجئين.

وأكد أن قادة الحركات لن يعودوا إلى السودان إلا عن طريق اتفاق سلام، لكن ذلك لا يمنع هذه الحركات من إرسال وفود مقدمة حال توقيع اتفاقات إطارية، بحسب زكريا.

عقبة الجيوش

وزاد “التفاوض عبر الحرية والتغيير لا يلغي التفاوض في ملفات السلام، الحركات لديها جيوش مما يسلتزم ترتيبات أمنية، كذلك ترتيبات عودة النازحين واللاجئين الى مناطقهم الأصلية التي لا يزال تستوطنها مجموعات أخرى مستجلبة”.

وفوق كل ذلك يضيف زكريا قضايا أخرى ينتظر حلها في منبر تفاوضي خاص بينها قضايا “أسرى الحرب، واعمار ما دمرته الحرب، والمحاسبة والعدالة الانتقالية وجبر الضرر والتعويضات، والضمانات الدولية للاتفاق، وتمثيل الحركات في مستويات الحكم المختلفة”.

من جهته حذر مسؤول في حركة تحرير السودان، برئاسة أركو مناوي، من الحلول الجزئية لأزمات السودان لأنه سيكرر تجارب الماضي ويعيد انتاج الأزمة من جديد.

هيمة المركز

وقال مسؤول الاعلام في الحركة، نور الدائم طه، لـ “دارفور 24” إن وقف الحرب يتم من خلال مخاطبة جذور المشكلة السودانية ومعالجة آثارها، موضحاً أن الحركات رفعت السلاح في دارفور من أجل إنهاء الهيمنة المركزية على السودان وموارده وإقامة دولة المواطنة والديمقراطية.

وأضاف “نعتقد اي محاولة للحلول الجزئية لأزمات البلاد ستكرر تجارب الماضي ويعيد انتاج الأزمة من جديد لذلك لا يوجد ديمقراطية بدون سلام ولا سلام بدون بيئة ديمقراطية”.

ودعا طه جميع القوى السياسية لعدم اهدار الفرصة التاريخية واعلاء مصلحة الوطن فوق المصالح الحزبية الضيقة بتحقيق تطلعات الشعب السوداني في السلام عبر توقيع اتفاق شامل مع الأطراف المتحاربة يخاطب خصوصيات الأقاليم المختلفة ووضع ترتيبات تؤسس لمرحلة انتقالية ناجحة ومستقرة.

وشدد طه على أن الحركات المسلحة في دارفور جزء أصيل من ثورة 19 ديسمبر لأنها تمثل تراكم تاريخي لنضالات الشعوب السودانية ضد هيمنة المركز على الدولة السودانية.

لا تجاوز للحركات

لكن بالنسبة للمحلل السياسي المختص في الشأن الدارفوري عبد الله آدم خاطر، فإن غياب الحركات المتمردة من طاولة المفاوضات حالياً لا يعني تجاوزها في المستقبل السياسي، مشيراً إلى أن “السلام” هو أحد أهم شعارات الثورة السودانية.

وقال خاطر لـ “دارفور 24” إن هنالك اتجاه ينادي بتقسيم الفترة الانتقالية لمرحلتين، المرحلة الأولى تخصص لمخاطبة الحركات المتمردة والجلوس معها لتحقيق السلام وتمهيد الطريق امامها لتكون جزءاً من العملية السياسية في الفترة الانتقالية الثانية التي ترتب لإجراء انتخابات عامة.

وأضاف “هذه رؤية محل تفكير المجتمع السياسي السوداني حكومة ومعارضة”.

وأوضح خاطر أن المرحلة الحالية لا تطلب وسيط للتفاوض مع المتمردين ويمكن ان يتم التواصل معهم مباشرة بينما المجتمع الاقليمي والدولي سيقيوم بدور المسهل للعملية.

وهنا يشير خاطر إلى “وثيقة أبوظبي” التي وقعتها بعض القوى المسلحة في الأسابيع الماضية، قائلاً إنها واحدة من الاجتهادات  التي تسعى لأن تكون الحركات جزء من عملية الانتقال السياسي في السودان.