الخرطوم ــ دارفور 24

في كل صباح تشرق فيه الشمس على المحتجين السودانيين في ساحة اعتصامهم خارج مقر القيادة العامة للجيش بالخرطوم، يبتكرون وسيلة جديدة للتعبير عن مطلبهم الذي لم يتحقق بعد وهو تسليم السلطة كاملة لحكومة مدنية، وخروج “الكيزان” نهايئاً من مفاصل الدولة السودانية.

فهتاف “مدنية مدنية” يتعالي من مكبرات الصوت ومن الحناجر بشكل يومي فور الفراغ من الإفطار الرمضاني بساحة الاعتصام، للتأكيد على أن المحتجين لن يقبلوا بغير نقل السلطة من العسكر إلى المدنيين.

وهنالك من يقومون بأفعال هي أشبه بالتمثيل الدرامي للدلالة على صعوبة خروج جماعة الحركة الاسلامية السياسية المعروفين محلياً بـ “الكيزان” عن الدولة السودانية، سيما أنهم قد غيروا أشكالهم وذابوا وسط المجتمع مع الاحتفاظ بوضعهم السابق وممارسة مهامهم تحت الظل.

وبعد مرور أكثر من شهر ونصف على اعتصام السودانيين المستمر امام قيادة الجيش في انتظار تحقيق مطالب الثورة التي يتقدمها تسليم السلطة لحكومة مدينة، لا يبدو ان العسكر على إستعداد للاستجابة لهذا المطلب.

فمنذ انحياز الجيش للثورة السودانية والاطاحة بالبشير في 11 أبريل/نيسان السابق، لا زال قادة المجلس العسكري متمسكين بالسلطة رافضين العودة إلى ثكناتهم حسبما يطالب المحتجين.

وانهارت آخر جلسة للمفاوضات بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير ممثل المحتجين دون التوصل لاتفاق حول التمثيل في المجلس السيادي، بعد ان تمسك كل طرف بالحصول على الأغلبية من مقاعده ورئاسته.

ورغم ان الطرفان كانا قد اتفقا في وقت سابق على تشيل الحكومة التنفيذية من قوى الحرية والتغيير كما تحوز ذات القوى على 67% من مقاعد المجلس التشريعي.

المحتجون على أرض الاعتصام ما ان ينتهوا من افطارهم ويؤدون صلاة المغرب حتى ينهضوا في مسيرات احتجاجية تطوف ساحة الاعتصام يرددون هتافات تشدد على أنهم لن يعودوا إلى منزلهم ان لم تسلم السلطة كاملة إلى حكومة مدنية ويتم القصاص من قتلة الشهداء خلال الاحتجاجات.

وبحسب الهتافات فإن الذين قتلوا المحتجين خلال مسيرة الاحتجاجات التي تجاوزت الـ 5 شهور هم جماعة الحركة الاسلامية السياسية المعروفين محلياً بـ “الكيزان”.

وهؤلاء “الكيزان” لا يبدو أنهم سيتنازلون من الحكم بكل سهولة حتى ولو سقط فعلياً نظامهم الذي يرأسه المخلوع عمر البشير منذ 11 أبريل/ نيسان الماضي، فهم كما “الشيطان” الذي يتلبس الانسان ويصعب الفكاك منه بعد ذلك، او كما عبر عن ذلك المحتجين بعدة أشكال ابداعية.

وواحدة من هذه الأشكال بحسب ما رصدته “دارفور 24” قيام بعض المحتجين بحمل إناء صغير يُسمى محلياً بـ “المبخر” عليه جمر من النار يضعون عليه حبات من “الكمون ولبان البخور” وينثرون دخانه وسط المحتجين مع الصياح بـ “أخرج يا كوز، أخرج يا عدو الله”.

وهذه العادة معروفة في السودان يتم استخدامها للإنسان الذي يصيبه مسِ من الجن، لجهة أن دخان “الكمون ولبان البخور” طارد للشيطان بحسب ما هو متعارف عليه وسط السودانيين. كما يستخدم ذات الأمر لطرد السحر.

يقول عمر اسماعيل وهو واحد من الذين يقومون بهذه المهمة بشكل يومي عقب إفطار رمضان لـ “دارفور 24” إن ما يقوم به أمر قد يبدو على سبيل المزاح لكنه يحمل رسالة مهمة جداً وهي ان “الكيزان” هم تماماً مثل الشيطان وان جميع أفعالهم التي ارتكبوها خلال فترة حكمهم تدل على ذلك.

وأضاف “دعنا من أفعالهم البعيدة وانظر قبل أيام هاجمونا هنا بالرصاص وقتلونا في نهار رمضان فهل هذه أفعال بشر”. ودرج كثير من السودانيين على إطلاق اسم “إخوان الشياطين” على “الإخوان المسلمين”.

وتعرض المعتصمون خارج مقر قيادة الجيش في الثامن من رمضان الجاري إلى هجوم مسلح أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 10 أشخاص وجرح المئات لا زالوا يتلقون العلاج بالمستشفيات، وأشارت الاتهامات إلى أن من قام بذلك هم مجموعة من الذين ينتمون إلى النظام السابق.

وفي مكان آخر من ساحة الاعتصام ترى مجموعة من الصبية يلتفون حول أحدهم وقد طلا على وجهه “لحية” مستعارة ووضع أشياء داخل جبته من الامام فبدت بطنه منتفخة، يحمل عصاة بيده ويمشي متبختراً في الأرض، ثم فجأة يسقط عصاه ويزيل لحيته ويهرب.

ويشير تفسير هذا المشهد الذي أتى بشكل عفوي مثل المئات من المشاهد التي يبتكرها المحتجين في ساحة اعتصامهم، إلى وضع “الكيزان” في السودان قبل سقوط البشير، حيث تجدهم يمشون على الأرض مرحاً بلحاهم وبطونهم المنتفخة، ولكن ما ان سقط نظام حكمهم في 11 أبريل/نيسان الماضي حتى بدلوا هيأتهم وهربوا للزوبان وسط المجتمع حيث يصعب تمييزيهم.