روى أسرى الحرب الذين أفرج عنهم الخميس لـ “دارفور 24” أحداثا مأساوية صاحبت فترة أسرهم بواسطة قوات نظام البشير، وصلت إلى حد التصفية الجسدية لبعض رفاقهم، إضافة إلى التعذيب بواسطة التجويع والبرودة المنخفضة مما تسبب في وفاة البعض وإصابة آخرين بامراض سوء التغذية.

وأبدى الأسرى المُفرج عنهم تفاؤلهم بمستقبل واعد السودان، مؤكدين استعدادهم للعمل مع شركاء الفترة الانتقالية في المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير لمعالجة المظالم التي دفعتهم لحمل السلاح وبناء وطن يسع الجميع.

وأفرجت السلطات السودانية يوم الخميس عن 235 أسيرا يتبعون لحركة تحرير السودان بقيادة مني اركو مناوي، وحركة تحرير السودان – المجلس الانتقالي، بعد أكثر من سنتين قضوها في سجن الهدى بام درمان.

وجرى اعتقال الأسرى في مايو 2017 خلال معارك مع قوات نظام البشير بمناطق متفرقة من شرق وجنوب دارفور، وكان ينتظر تقديمهم إلى محاكمات قد تنتهي باعدامهم لكنهم خرجوا بعد سقوط نظام البشير بثورة شعبية انحازت لها القوات المسلحة في أبريل الماضي.

انتهاكات إنسانية

وكشف رئيس حركة تحرير السودان ـ المجلس الإنتقالي، نمر عبد الرحمن، لـ “دارفور 24” عن أحداث مأساوية صاحبت فترة أسرهم بواسطة قوات نظام البشير، قائلاً ان 4 من رفاقه تمت تصفيتهم بعد أسرهم أحياء، كما تم تعذيبهم بشكل قاس داخل السجن الحربي بالخرطوم.

وأضاف “كان يتم تعذيبنا بالتجويع حيث لا نمنح سوى قطعتين خبز خلال اليوم كما يتم وضعنا داخل غرف تنخفض فيها درجة الحرارة إلى الصفر، وكان نتيجة هذا التعذيب وفاة 4 من رفاقنا، وإصابة أكثر من 70 آخرين بمرض الدرن الناتج عن سوء التغذية”.

وقال إن نظام المؤتمر الوطني كان يتعامل معهم كأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، وكان يتحداهم بمواجهته بالسلاح إذا اردوا أخذ حقوقهم، مردفاً “وهو ما دفعنا لحمل السلاح بعد انسداد الأفق امامنا”.

من جهته قال محمد حسين أدروب، المتحدث باسم حركة تحرير السودان، برئاسة مناوي، لـ “دارفور 24” إنه وقع في الأسر في اليوم الثاني للمعارك التي خاضوها مع قوات نظام البشير، في مايو 2017 بدارفور.

وأوضح أنه تعرض لمعاملة قاسية لحظة الأسر كانت تصل إلى التصفية الجسدية لو لا تدخل أحد الضباط الذي تعرف عليه وطلب تسليمه له حياً في مدينة “نيالا”حاضرة جنوب دارفور.

وذكر أنه مع رفاقه مكثوا نحو 6 شهور بين معتقلات جهاز الأمن والسجن الحربي في الخرطوم، تعرضوا خلالها لصنوف من التعذيب الجسدي والمعنوي، قبل تحويلهم إلى سجن الهدى بام درمان.

وأضاف “ستة شهور لم تدخل الفرشاة إلى أسناننا ولم يسمحوا لنا بالحمام، وملابسنا التي دخلنا بها تمزقت على أجسادنا.. كنا نقضي حوائجنا من فوق شباك الغرفة التي نحتجز بها”.

التغيير

التغيير الذي حدث في السودان كان نتيجة ارتفاع نسبة الوعي لدى الشعب بأن النظام السابق هو عدو الجميع وليس فقط متمردي دارفور الذين ثاروا عليه بالسلاح قبل خمسة عشر عاماً.

وأضاف “لو كان هذا الوعي موجوداً في عام 2003 لما احتجنا لحمل السلاح، حينما قاتلنا نظام المؤتمر الوطني بالسلاح كان الكثيرون يعتبرون ما يجري شأنا جزئيا، ولكن بعد اكتمال الوعي عرف السودانيون ان المؤتمر الوطني هو عدو كل الشعب وليس حركة تحرير السودان فقط”.

التفاوض والسلام

وفيما يتعلق بعملية التفاوض حول ملف الحرب لأجل تحقيق السلام خلال الفترة الانتقالية، يرى نمر ان فترة الستة شهور المحددة لتحقيق السلام غير كافية لمناقشة جذور الأزمة ومعالجتها.

ونص الاتفاق الذي تم الجمعة بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير، على تخصيص فترة 6 شهور للتواصل مع الحركات المسلحة في دارفور ومنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، للتوقيع على اتفاقيات سلام تمهد الطريق لمشاركتهم في الحكومة الانتقالية.

ويرى نمر أن تحقيق السلام من خلال مخاطبة جذور الأزمة ومعالجة الترتيبات الأمنية لمقاتلي الحركات عملية شاقة تحتاج إلى وقت أطول من الـ 6 شهور الموضوعة، مضيفاً “ينبغي ان تتم مخاطبة الأزمة بشكل كامل دون تجزئتها”.

وأشار إلى أن الحرب تسببت في تهجير ونزوح السكان من قراهم الأصلية ما يتطلب إعادتهم وتعويضهم وتأمينهم حتى يتمكنوا من المشاركة في الانتخابات التي تعقب الفترة الانتقالية، قائلاً “ليس من الاخلاق اقامة انتخابات ونصف أهل البلد نازحين ولاجئين”.

واقترح نمر زيادة سقف الـ 6 شهور متى تطلب الأمر، كما يمكن زيادة الفترة الانتقالية نفسها من 3 سنوات إلى 5 سنوات متى احتاجت الأطراف لذلك.

وأضاف “التغيير الذي حدث في السودان أمر ممتاز لكن مناطق الحرب تحتاج إلى وضع خاص لأن قضاياهم تختلف عن قضايا المركز، كان هنالك هدف واحد مشترك وهو اسقاط نظام البشير وقد تحقق هذا، لكن الوضع في مناطق الحرب يختلف عن الخرطوم ويحتاج إلى تمييز ايجابي”.

الاتفاق

وحول الاتفاق الذي تم بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير قال ان فيه استعجال من الطرفين، حيث كان من الأفضل انتظار مشاركة الجميع من القوى المسلحة وقوى أخرى لم تكن جزءا من نظام البشير في التفاوض والنقاش قبل التوقيع على الوثيقة النهائية.

وأضاف “كان يجب ان نتحاور جميعنا ونصل لاجابة حول القضايا الكلية المطروحة ومن ثم يتم تشكيل الحكومة، لكن بعد اليوم سيكون رفقاء الأمس في قوى الحرية والتغيير هم الطرف الثاني لنا في طاولة المفاوضات وهذا شيء مؤسف”.

وحول التمثيل في الحكومة يقول نمر “حكومة الكفاءات سيكون فيها ظلم لبعض المناطق، لأنه ونتيجة للظلم الذي يمارس في السودان منذ الاستقلال جعل الكفاءات المطلوبة تنحصر في مناطق محددة وهو ما يكون مدخلاً للظلم مجدداً، لذلك الكفاءات يجب ان تراعي التمثيل الجغرافي للسودان”.