نيالا- دارفور24

كل مسامة في جسم الطفلة “لجين” التي تبلغ من العمر 13عاماً تنزف دماً، بسبب اصابتها بمرض شخصه الاطباء بانه مرض سرطان الاطفال، وخضعت الطفلة علاج كيميائي قرر الاطباء ان تكون جلساته بالخرطوم بعد كل ستة أشهر، وقبيل موعد السفر الى الخرطوم توجه والد الطفلة “عثمان الجرح” الى البنك العقاري بنيالا عاصمة جنوب دارفور لسحب المبلغ الذي يمكنهم من السفر الى الخرطوم من حسابه المصرفي، لكنه تفاجأ بأن ما يوجد في حسابه من مبلغ مالي- بضع آلاف من الجنيهات- لا يكفي لشراء تذاكر السفر من نيالا الى الخرطوم رغم انه ادخر بحسابه أكثر من “100” ألف جنيه لمقابلة مطلوبات العلاج الكيميائي المقرر لطفلته، ومن ثم اكتشف عثمان بعد ذلك أن صديقه الموظف بالبنك العقاري “س ح” قد سحب أكثر من 130 ألف جنيه دون علمه الأمر الذي اضطره الى تأجيل سفر طفلته للخرطوم لأجل غير مسمى رغم المعاناة التي تعيشها الطفلة لجين.

مفاجأة العملاء

وقبيل عطلة عيد الأضحى الماضي تفاجأ عدد من العملاء بالبنك العقاري بنيالا بأن حساباتهم تعرضت الي عمليات سحب وتحويلات داخلية منها والي حساب احد موظفي البنك وهو مدير قسم الاستثمار بالبنك، حيث بلغت قيمة المبالغ المحولة- بحسب احد العملاء- حوالي 50 مليون جنيه بجانب تعرض أكثر من 23 فرد من عناصر الدعم السريع العائدين بعد مشاركتهم في قوات التحالف في اليمن الي الاحتيال من ذات الموظف، حيث ظل يقدم الموظف لأفراد الدعم السريع مساعدات باستلام شيكاتهم المصرفية، ليدفع لهم قيمتها نقداً بالأقساط وفق مواعيد يتفقون عليها.

وتعد مدينة نيالا عاصمة جنوب دارفور ثاني أكبر كتلة نقدية بالسودان بعد عاصمة البلاد الخرطوم، بحكم انها تمتاز بأكبر حركة تجارية في البلاد بفضل موقعها الذي يحادد ثلاث من دول الجوار الافريقي “تشاد افريقيا الوسطى وجنوب السودان” وتوجد بها نحو “18” فرع للبنوك التجارية بالسودان وهذا الامر لا يتوفر في بقية مدن السودان ما عدا الخرطوم.

اكتشاف الجريمة

قال احد عملاء البنك العقاري آدم سعدان لدارفور24 وهو احد ضحايا موظف البنك “إنه تم سحب مبلغ “500” الف جنيه من حسابه في الأسبوع الأول من أغسطس، دون علمه، مشيراً الى انه اكتشف ذلك بالصدفة عندما حرر شيكاً لشخص ما بمبلغ 600 جنيه وكان يودع  في حسابه مليون جنيه، اتصل به الشخص ليخبره بأنه ليس لديه المال الكافي لتغطية الشيك، وطلب منه الحضور للبنك، وأضاف لما وصلت البنك حاول الموظف تفادي مقابلتي وجهاً لوجه، لكن ادارة البنك ابلغتني بأن عملية سحب مبلغ 500 من حسابي تمت بتصرف من الموظف الذي تربطني به علاقة اجتماعية، واردف “بأنه حمل ادارة البنك مسئولية هذه العملية” مشيراً الى ان المعلومة انتشرت في مدينة نيالا في الحال، فحضر عشرات العملاء اثناء نقاشه مع ادارة البنك لمراجعة حساباتهم، وبالفعل وجد بعضهم عمليات تعدي على ودائعهم بالسحب دون علمهم، وذكر انه بعد ان ضغطوا على ادارة البنك التزمت الاخيرة بمعالجة الأمر بعد عطلة عيد الاضحى بإعادة الاموال الى اصحابها.

تكرار الجريمة

وشهدت المصارف والبنوك بمدينة نيالا 3 حالات تعدي على الودائع النقدية للعملاء من بواسطة موظفين بالبنوك ففي فبراير من العام 2017م فر ثلاث موظفين بأحد البنوك المعروفة وفي معيتهم مبلغ 5 مليون جنيه من اموال العملاء، وفي حادثة مشابهة اصدر اوقفت ادارة بنك الادخار والتنمية الاجتماعية بنيالا اربعة من موظفيها للتحقيق معهم على خلفية اختفاء ارصدة من حسابات عملاء البنك، وقبل ذلك في حادثة اخرى دون احد العملاء بلاغاً تحت المواد 177 و 123 من القانون الجنائي المتعلقة بخيانة الامانة والتزوير بعد سحب مبالغ مالية من حسابه دون علمه، يخشى مصرفيون ان تفاقم هذه جرائم الاعداء على ودائع العملاء البنوك من حالة عدم الثقة التي تعانيها المصارف منذ اندلاع ازمة السيولة بالبلاد والتي كانت احدي اسباب جروح الثورة السودانية التي اطاحت بحكم الرئيس المخلوع عمر البشير.

لجان للتحقيق والتفتيش

وقال مصدر من داخل البنك المركزي فرع نيالا ان وحدة التفتيش بالبنك المركزي قامت بزيارة الى البنك العقاري للوقوف على حقيقة القضية، وذكر المصدر انه اتضح ان جملة المبالغ التي قام الموظف بتحويلها الى حسابه من حسابات العملاء بلغت “7” مليون جنيه، وليست 50 مليون كما هو متداول في مدينة نيالا- على حد قوله- وذكر ان الادارة المركزية للبنك العقاري بالخرطوم ايضاً ارسلت لجنة لفرع البنك بنيالا لتقصي الحقائق، وافاد بأن اللجنة توصلت بعد اجراء عمليات التفتيش الى ان الموظف قام بتحويل المبالغ عن طريق تزوير توقيعات العملاء، وابان ان اللجنة جلست مع ادارة البنك المركزي فرع نيالا، وعندما قررت فتح بلاغ في الموظف وجدت ان احد العملاء سبقها بفتح البلاغ في شرطة نيالا وسط، وبموجب هذا البلاغ اوقفت سلطات الولاية من داخل البنك العقاري بنيالا الموظف الذي يشغل مدير قسم الاستثمار بالبنك “س هـ ب” فيما افادت مصادر شرطية ان ضحايا موظف البنك دونوا 23 بلاغاً ضد البنك والموظف في مركز شرطة نيالا وسط.

تهديدات الضحايا

وعلمت دارفور24 ان موظف البنك تعرض لمضايقات قبيل عطلة عيد الاضحى المبارك من بعض ضحاياه خاصة من جنود الدعم السريع الذين تسلم منهم شيكات مصرفية بمبالغ كبيرة، وذكرت المصادر ان احدهم انتزع منه مفتاح سيارته مقابل 900 الف جنيه، وقالت المصادر انه لما علم جنود من الدعم السريع بالهزة المالية للموظف واختفائه عن الأنظار تسوّر بعضهم منزله بحي المطار بنيالا وهددوه بالقتل إن لم يسدد لهم اموالهم، مشيرين الى الموظف المتهم اضطر لحظتها الى تسلّيمهم مستندات منزله الذي تم تقييمه بمبلغ 9 مليار جنيه، على أن يمهلوه الى ما بعد عطلة عيد الاضحى ليسدد ما عليه وان فشل يتنازل لهم المنزل.

اسباب اكتشاف الجريمة

قال مقربون من موظف البنك المتهم إن سبب كشف جريمة الموظف انه اشترى شاحنة “ZS” بمبلغ 9 مليون جنيه ،وقام بشحنها بضاعة من الخرطوم وحالت السيول التي جرفت طريق “ام درمان- بارا” دون وصولها نيالا في الوقت المناسب الذي كان يخطط فيه لإنزالها السوق ومن ثم سداد المبالغ التي قام بسحبها من حسابات العملاء، بجانب التزاماته مع جنود الدعم السريع، وذكروا ان عدد ضحايا موظف البنك من عناصر الدعم السريع لا يعلم عددهم احد لجهة ان المعاملات المالية بينهم والموظف كانت تتم على مستوى شخصي خارج العمل المصرفي في المنزل أو السوق وأحياناً على متن سيارته.

الثراء المتسارع

حسب المعلومات التي تحصلت عليها دارفور24 من اقرباء المصرفي “إن مظاهر الثراء هبطت عليه فجاءة، إذ تم تعيينه في البنك العقاري فرع نيالا في العام 2014م ومن تلك الفترة حتى اليوم، امتلك عدة عقارات في نيالا بجانب منزل مبني بطابق، بجانب محطة مياه بمدينة الفردوس بشرق دارفور بكلفة تزيد عن 10 مليون جنيه، وأشارت صادر الموثوقة الي ان الموظف كوّن ثروته عن طريق سحب مبالغ مالية من ودائع رجال الأعمال دون علمهم ويمارس بها اعمال تجارية يحقق منها ارباحاً ومن ثم يعيد المبالغ الى الحسابات التي سحبها منها، وذكرت انه اعتاد على سحب مبالغ من ودائع رجال الاعمال لا يتم كشفها، وأخيراً دخل في تعامل مع أفراد من الدعم السريع بمعاملات ضخمة يسدد التزاماتها في آجال طويلة لذلك استطاع تكوين ثروته خلال الخمس سنوات.

الطفلة لجين تنتظر

في ظل هذه الوضع تظل الطفلة “لجين” في انتظار انفراج الحالة المادية لوالدها لتتمكن من السفر الى الخرطوم لتلقي جرعة العلاج الكيميائي التي قررها لها الاطباء للتخلص من مرض سرطان الاطفال الذي اصابها، وكدر عليها طفولتها، ولا زال يحكم قبضته عليها، في ظل حالة اليأس التي خيمت على أسرتها بسبب فشلها في توفير تكاليف العلاج.