قبل سبع سنوات من اليوم اختفى البروفيسور السوداني عمر هارون، في ظروف غامضة حيث خرج من منزله ذات مساء لممارسة رياضة المشي عبر “جسر شمبات” بالعاصمة السودانية الخرطوم، لكنه لم يظهر حتى اليوم، ولم يتم التعرف كذلك على الأسباب او الجهات وراء الإختفاء.

بروفيسور هارون هو واحد من عشرات حالات الاختفاء القسري التي حدثت في السودان على مدى الثلاثنين عاماً الماضية خلال حكم الدكتاتور القمعي عمر البشير، وخلفت علامات استفهام عديدة حول دواعي الإختفاء، لكن أصابع الاتهام أشارت إلى السلطات الأمنية في عهد النظام السابق بالوقوف وراء أغلب الحالات.

وفي اليوم العالمي للاختفاء القسري الذي يصادف، 30 اغسطس من كل عام، مع التحولات السياسية في السودان، تأمل عشرات الاسر السودانية عودة مفقوديها المختفين قسريا الى منازلهم.

وظل نظام الدكتاتور عمر البشير الذي اطاحت به ثورة شعبية يوم 11 ابريل الماضي، يرفض بإستمرار انضام السودان لمعاهدتي، الاختفاء القسري ومناهضة التعذيب. وبحسب مراقبون فان السبب في ذلك يعود لتورطه في مثل هذه الجرائم والانتهاكات الحقوقية.

وعمر هارون هو أستاذ بجامعة الخرطوم يدرس علم النفس وهو أحد مؤسسي برنامج الحساب الذهني (اليوسي ماس) بالسودان، ويعد من أنجح الأساتذة الذين أشرفوا على البرنامج وحققوا به مراكز متقدمة على مستوى العالم.

يقول شقيقه علي هارون لـ “دارفور 24” إن أسرته لم تعثر على تفاصيل جديدة بشأن إختفاء بروفيسور عمر هارون، على الرغم من مرور أكثر سبع سنوات على الإختفاء القسري.

وأوضح أن الأسرة ستقوم بتحريك ملف قضية الإختفاء فور تشكيل مؤسسات الحكومة الجديدة، لأنهم على ايمان عميق بأن أبنهم إختفى بفعل فاعل ولم يكن بإرادته.

تماطل السلطات

وأشتكى شقيق المختفي من تماطل السلطات المختصة بالنظام السوداني السابق في متابعة القضية، قائلاً إن ملفها اختفى من إدارة التحقيقات الجنائية بالشرطة السودانية الأمر الذي اضطرهم لعمل ملف جديد.

وأضاف “ملف القضية كان متنقلاً بين التحقيقات الجنائية بالشرطة، والنيابة المختصة، ووزارة العدل، ولكن هذه الجهات أخفته بعد ان تضمن معلومات قيمة تم جمعها من خلال التحريات من شخصيات متعددة”.

وأشار إلى تحركات عديدة قام بها زملاء وطلاب ومحبي عمر هارون للضغط على السلطات السودانية لأجل التحرك في شان القضية والثور على طريق يقود إلى المفقود حيا او ميتا.

وأكد أن شقيقه تعرض في الايام الاخيرة التي سبقت اختفائه لمضايقات عديدة من السلطات ربما كانت وراء الاختفاء.

وأضاف “خلال عهد النظام السابق لم اترك جهة في الدولة لم اذهب الى مقابلتها، ذهبت الى وزير العدل ومفوضية حقوق الإنسان لكنهما لم يتجاوبا مع القضية، والان انتظر ان تتشكل الحكومة الجديدة لابدأ رحلة البحث من جديد”.

ولم يكن بروفيسور عمر هارون، وحده من أثارت قضية اختفائه الحيرة، فهنالك الشاب محمد أحمد صديق، الذي يعمل بالتجارة في سوق السيارات، كانت قصة اختفائه اكثرة حيرة لدى أسرته ومعارفه.

محمد أحمد صديق، ببلغ من العمر 25 عاماً خرج من منزله في مارس 2017 ولم يعد حتى اليوم، تاركاً خلفه طفلاً عمره أربع سنوات وطفلة عمرها خمسة أشهر، وزوجة مكلومة، ووالدة لم يفارق الدمع مقلتيها كلما أتت على ذكر ابنها.

تقول شقيقته علوية احمد الصديق، لـ “دارفور 24” إن شقيقها خرج من المنزل في يوم (6/3/2017) كعادته من المنزل، وتوجه إلى بنك الخرطوم فرع “جبرة”، وكان يحمل معه مبلغ (200) ألف جنيه، قيمة سيارة باعها وحولها إلى شخص أخر، كما كان يحمل معه مبلغاً أخر، لترخيص سيارته وجمركتها”.

وذكرت أن زوجته قامت بالإتصال به عبر الهاتف بعد أن تأخر في الحضور إلى المنزل، لكنه لم يرد على الهاتف وبعد تكرر الاتصال أغلق هاتفه.

وأكدت أن أسرته لم دونت بلاغا بالاختفاء لدى السلطات الشرطية وبعدها تحول إلى إدارة المباحث المركزية لكنها لم تعثر على ما يقود اليه حيا كان ام ميتا.

مفقودو الاعتصام

وبالإضافة إلى عشرات الحالات من الاختفاء القسري في السودان خلال السنوات القليلة السابقة، هنالك مفقودين اختفوا في وقت واحد نتيجة فض إعتصام المحتجين بالقيادة العامة للجيش في يونيو الماضي.

وقد تم العثور على بعض هؤلاء المفقودين هائيمين على وجوههم في الطرقات يعانون من خلل نفسي نتيجة مشاهدتهم عملية فض الاعتصام التي تمت بشكل مروع.

كما تم العثور على جثامين آخرين في مشارح المستشفيات، فيما لا يزال العشرات منهم في عداد المفقودين.

وبدأ تحالف قوى الحرية والتغيير – تحالف سياسي يقف وراءالحكومة الانتقالية – في تحركات لأجل البحث عن المفقودين وإعادتهم الي ذويهم، دشنت تلك التحركات بحملة لرسم صور المفقودين على جدران المنازل بمدن العاصمة السودانية الثلاث.

يقول الناشط الحقوقي، عز الدين عبد الله، لـ “دارفور 24” ان الدولة هي المسؤولة في الآخر عن كل ما يلحق بمواطنيها من إخفاء قسري وفقا للمواثيق العالمية والاقليمية المعنية بحقوق الإنسان.

وأوضح أن الاعلان العالمي لحقوق الانسان وضع الضوابط المشددة على الدول الموقعة عليه والسودان من بينها، بضرورة الالتزام الكامل بحماية حقوق الانسان في قطرها، مضيفاً “وبالتالي من اوجب واجبات الدولة الموقعة علي هذا الاعلان صيانة وحماية حقوق مواطنيها من كافة أشكال الانتهاكات”.

وأشار إلى أن القوانين السودانية من بينها القانون الجنائي والقانون الدولي الانساني نصت وشددت على صيانة هذة الحقوق.

وتابع “يجب إلزاما على الدولة عدم تعريض المواطنين إلى التعذيب والتهجير القسري والاختفاء وعليها ان تكشف عن امكان المحتجزين والافصاح عن مكان احتجازهم فورا دون ابطاء او تأخير”.