الجنينة- دارفور24

فتاة في الرابعة عشر من عمرها كست وجهها براءة الاطفال، تخبي وراءها ملامح فتاة أبنوسية جميلة لكن من نظراتها ترسل علامات حزن وندم وخوف، اغتال براءتها ذئب بشري دخل معها في علاقة عاطفية غير متكافئة كانت نتيجتها حمل غير شرعي، وبعد ان شاع خبرها وسط البوادي نقلها والدها الي محكمة الاسرة والطفل القابعة وسط مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور عسى ولعل ان تجد هذه السلطة القضائية حكماً يعيد لهذه الطفلة ما تبقى من كرامتها المعتدى عليها بحسب العادات والتقاليد، لكنها وعندما داهمتها علامات المخاض حاولت التخلص من ما في بطنها وبلا شفقة رمت بفلذة كبدها في دورة المياه وفشلت محاولات اسعافه واصبحت متهمة بالقتل العمدة تنتظر مصيرها المجهول.

* اصل الحكاية

مع الانفتاح الكبير الذي شهده مجتمع ولاية غرب دارفور في ظل تطور وسائل الاتصالات والتكنولوجيا تعددت العلاقات الاجتماعية وتحررت النساء من كثير من القيود المجتمعية التقليدية، لكن مع هذا الانفتاح ظهرت جلياً قضايا كبيرة وخطيرة هزت مجتمع الولاية بأكمله، وهي قضية حمل غير الشرعي للبنات اليافعات “الطفلات” حسب التعريف الدولي للطفلة، ولمدارة العار تسعى اغلبهن وبمساعدة الصديقات، واحياناً بعض من افراد الاسرة للبحث عن سبيل للتخلص من ما في بطن الفتاة، فيلجأون الى الاجهاض بطرق اغلبها تقليدية قادت في كثير من الاحيان الي نتائج كارثية وصلت في بعضها الي موت الفتاة او التسبب في اعاقة دائمة.

* محاولات التخلص من العار

بصعوبة بالغة التقيت بـ “ش، أ”  وهي طفلة في السابعة عشر من عمرها وحكت لدارفور24 قصة صديقتها التي تنتمي لاحدي الاسر العريقة بمدينة الجنينة، وقالت “اخبرتني صديقتي انها حبلى في شهرها الثاني من حبيبها الذي يتبع لاحدي المؤسسات العسكرية لكنه هرب وابدل رقم هاتفه وانقطع التواصل بينهما” واضافت “ان صديقتها تعلم اذا وصل خبرها الي الاسرة سيكون مصيرها الموت لامحالة”

وفي سبيل البحث عن مخرج امن لهذه المصيبة التي نزلت علي صديقتها بدأن البحث عن طريقة للتخلص من الجنين، واشارت الى ان بعض الصديقات دللنهن الي امرأة في العقد الرابع من عمرها تقطن في منزل مجاور لاحدي المدارس، وفي تلك الاثناء تدهورت الحالة الصحية لصديقتها وبدت عليها علامات الوهن، وقالت “في صباح أحد الايام تحركنا صوب ذلك المنزل وقابلنا المرأة التي تم اخبارنا عنها وقابلتنا بحذر شديد وصرامة” واضافت قائلة: وجهت بعض الاسئلة لصديقتي- التي كسى الحزن وجهها وسيطر عليها الخوف- عندك كم شهر..؟ لان الرسوم تزيد كلما زادت شهور الحمل، وعندما اخبرتها صديقتي انها في الشهر الثالث قالت ان عليها ان تدفع مبلغ “3” ألف جنيه مقابل التخلص من الجنين، وذكرت محدثتي ان المرأة اعطت صديقتها ماءً في كباية وأمرتها بتناول ثلاثة حبة من احدي العقاقير الطبية دفعة واحدة وطلبت منهن مغادرة منزلها واردفت “اثناء خروجنا قالت لنا ان الجنين سينزل بعد 24 ساعة، وبالفعل بعد الفترة المحددة دخلت صديقتي في نزيف حاد انتهي بعد اربعة ساعات وانتهت المغامرة”

* فتاة تروي تجربتها

وتحدثت الي دارفور24 فتاة اخرى اخترتها بعناية وجدتها تجلس بالقرب من احدى بائعات الشاي وحكت لي تجربتها مع الاجهاض، وقالت في احد الايام شعرت بإعياء شديد وهبوط وتم نقلي الي المستشفى بصحبة والدتي، واجريت لي فحوصات وعند ظهور نتيجة الفحص، نظر الي الطبيب ملياً وسأل والدتي هل البنت متزوجة..؟ تقول الفتاة: هنا انا تفهمت الامر وعملت اشارة للطبيب وباغته بسؤال حتى لا تفهم والدتي الامر، عندك لي عريس..؟

وقالت الفتاة بعد خروجنا من المستشفى بدأت في البحث عن طريقة آمنة للإجهاض، ودلوني الي امرأة في احد معسكرات النازحين، وقابلتها طلبت مني مبلغ “2000” جنيه مقابل ايجاد الحل، واشارت الي ان هذه المرأة تستخدم عود تجلبه من شجرة صحراوية اسمها العشر- بضم العين- وتنظفه بشكل محدد، وتدخله في مهبل الفتاة بطريقة معينة، وبعد ساعة يبدأ الرحم في الانفتاح ومن ثم يسقط الجنين، ووصفت الفتاة هذه الطريقة بالآمنة

* الاشتراك في الجريمة

وبعد ان كثر الحديث في الآونة الاخيرة عن ان هنالك اطباء وممرضين يقومون بعمليات إجهاض لبعض النسوة بطرق غير رسمية، توجهت الي احد المستوصفات الصحية وقابلت احد الممرضين وقال لي: نعم هنالك بعض الزملاء متورطين في هذه الجرائم لكنها يصعب اثباته.

ويقول احد اخصائيي النساء والتوليد بمستشفى الجنينة إن ظاهرة الاجهاض انتشرت وتعمقت بشكل خطير، لكن لا توجد احصائيات رسمية لهذه الحالات خلال العام او الشهر بسبب ان اغلبها يحدث خارج الاطر الرسمية، وعزا تزايد هذه الظاهرة الي الانفتاح السريع والمفاجئ لمجتمع الجنينة لاسيما للفتيات في الأعمار المبكرة، وقال اغلب الضحايا من الفتيات دون السادسة عشر، وهذا يشير الي ان اغلبهن غرر بهن، وذكر ان اغلب طرق ووسائل الإجهاض التي تلجأ اليها الفتيات تقليدية وبعيدة عن الحقل الطبي، لكنه عاد واشار الي ان بعض القابلات والكوادر الوسيطة والممرضين تحوم حولهم شبهات مساعدة بعض الفتيات علي الاجهاض، وتابع هؤلاء يدخلون مباشرة في هذه الوظائف الطبية بلا تعمق في رسالتها ولا يتقيدون بالقسم المهني كما يحدث عند الاطباء.

* البحث عن الحلول

ومن جانبه يقول الباحث الاجتماعي محمد إبراهيم إن هذه الظاهرة اصبحت تشكل خطراً علي الفتيات لكن رغم ذلك لم يتقبل المجتمع السوداني فكرة الاجهاض الآمن الذي يمكن ان يتم اجراءه في المرافق الصحية، رغم ان الظاهرة تتكرر يومياً ويشترك في بعضها منتسبين للحقل الصحي، وقال ان الضحايا اغلبهن طالبات، ولفت الانتباه في نفس الوقت الي تنامي وتطور عمليات التنظيم وموانع الحمل التي تنتشر في قطاع واسع، وطالب بالاعتراف اولاً بخطورة العلاقات خارج الزواج والبحث بعمق لمعالجات جذرية لقضية راح ضحيتها اعداداً كبيرة من امهات ومواليد وأجنة.