نيالا- دارفور24

وجدت السيدة كلتوم ادم عبد الرحمن بأنها ليس امامها مناص الا ان تعمل في جمع الحجارة “الحصى” التي تستخدم في تشييد المباني لمنع خطر نزع منزلها الذي يواجهها ضمن آلاف النازحين بمعسكر السريف “8” كيلو متر غربي مدينة نيالا عاصمة جنوب دارفور، الحاجة كلتوم تقول لدارفور24 انها اضطرت لجمع الحصى وبيعها في السوق لتوفر المبلغ المالي الذي فرضته السلطات مقابل ان تحصل على قطعة الارض التي تقطنها كنازحة داخل المعسكر منذ العام 2004م

وقررت السلطات بجنوب دارفور في العام 2017م تخطيط معسكرات النزوح وتحويلها في مدن سكنية ضمن استراتيجية الحكومة لإنهاء النزوح الذي يعد ابرز اوجه الحرب التي مرت بها بدارفور، وتقول كلتوم ان نازحي معسكر السريف رحبوا بفكرة التخطيط، وزار المعسكر والي الولاية- وقتها- ادم الفكي ودشن بداية العمل في التخطيط، الا ان اللجنة المكلفة بالتخطيط فرضت رسوماً على كل النازحين بلغت 1300 جنيه للحصول على قطعة ارض سكنية، وذكرت كلتوم- التي انفصلت عن زوجها منذ سنوات وتعول ابنائها السبعة- ان هذا المبلغ كان باهظاً جداً وقتها وان الكثير من النازحين لم يتمكنوا من توفيره، واوضحت انها اضطرت كغيرها من رصيفاتها من نساء المعسكر الى العمل في جمع “الحصى” والبناء “الطلبة” لمدة خمسة شهور لتوفير المبلغ المطلوب منها لسداد رسوم قطعة الارض السكنية، واشارت الى انها رغم المعاناة التي واجهتها الا انها تمكنت من جمع المبلغ وسددت الرسوم لكنها لم تستلم الاوراق الرسمية لقطعة الارض.

وقال احد مشائخ معسكر السريف موسى يحي ان فكرة تخطيط المعسكر وتحويله الى مدينة سكنية رغم انها وجدت الترحيب من قبل النازحين الا انها تحولت لقضية عانى منها اغلب النازحين، وابان ان هناك أسر باعت كل ما تملك، ونساء خرجن للعمل الشاق لأجل توفير الرسوم المفروضة مقابل القطعة السكنية، مبيناً ان هناك عدة رسوم فرضت على النازحين قبل بدء عملية التخطيط من بينها: “خمسة جنيهات لتسجيل اسماء كل نازحي المعسكر البالغ عددهم “5” آلاف نسمة، وبعد شهر فرضوا على كل شخص مبلغ عشرين جنيه قالوا انها رسوم ايصال، ومن ثم مبلغ “ألف” جنيه رسوم القطعة السكنية، ومبلغ “100” جنيه رسوم خدمات اللجنة، بالإضافة الى مبلغ “200” جنيه رسوم تسليم الارض”

وذكر موسى لدارفور24 انه عندما بدأت اجراءات التخطيط والمساحة واجراءات التسليم واجهت النازحين مشكلة بسبب الفساد الذي مارسته اللجنة المعنية بعملية التخطيط، واوضح انه بعد ان يكمل النازح اجراءات دفع الرسوم يتفاجأ بان قطعة الارض التي يسكن فيها منذ العام 2004م تم تسليمها لشخص آخر من خارج المعسكر، واوضح ان لجنة التخطيط المكونة من بعض شيوخ المعسكر التابعين للنظام السابق وبإشراف احد افراد مفوضية العون الانساني- اتضح لاحقاً انه غير موظف في سجلات المفوضية- استعانت بمهندس من ولاية شرق دارفور يدعى “صدام” في عملية التخطيط رغم ان المعسكر يقع في عاصمة جنوب دارفور، وقامت بهدم مئات من منازل النازحين بحجة انها وقعت في طرق الرئيسية، وعندما جاءت مرحلة التسليم آلت اغلب هذه المنازل التي تم هدها لأشخاص خارج المعسكر وغير نازحين.

ويقول الحاج اسحق عبد البخيت ان منزله مشيد به “5” غرفة “جالوص” تم هدمها بحجة انها وقعت في الطريق لكنه تفاجأ بأن ارض منزله تم تسليمها لرئيس اللجنة وهو كبير مشايخ المعسكر، رغم ان فكرة التخطيط التي وافق عليها نازحو المعسكر كانت قائمة على شرط ان تكون خطة استيعاب بمعنى ان يسلم كل شخص قطعة الارض التي يسكن فيها الا اذا وقعت في طريق رئيسي او مؤسسة عامة او مرفق حكومي فإنه يعوض في موقع آخر، واضاف “لكن اللجنة قامت بتوزيع أكثر من “ألف” منزل لأشخاص من خارج المعسكر في المواقع التي كان يسكنها النازحون، بينما وجد مئات النازحين انفسهم بلا اراض سكنية” وذكر ان اللجنة باعت نحو 1500 منزل من مساحة المعسكر التي قدرت بنحو 2600 منزل،

واوضح الشيخ موسى يحي جبريل ان عضو لجنة التخطيط رئيس المجلس التربوي انتقل من منزله الى مقر روضة اطفال وحولها منزل له، وترك الاطفال يدرسون في الشارع، على الرغم من ان منزله يقع بعيداً عن الروضة، وطالب وزارة التربية والتعليم بالولاية بإعادة الروضة الى مقرها واخراج رئيس المجلس التربوي منه، بينما استولى موظف مفوضية العون الانساني المشرف على المعسكر على 314 قطعة ارض، باع منها 26 قطعة من بينها16 قطعة لشخص يدعى ابوبكر هنو،

وابان عبد البخيت ان النازحين تقدموا بشكوى لحكومة بلدية نيالا في عهد المعتمد السابق محمد العاجب اسماعيل وذكر ان بمجرد تقدمهم بالشكوى هددهم المدير التنفيذي بإعادة رسومهم اليهم وتوزيع قطعهم السكنية لأشخاص آخرين، بينما كان رد المعتمد محمد العاجب بأن اتهمهم بأنهم معارضة ويريدون ان يعرقلوا اجراءات تخطيط المعسكر كما فعل نازحو معسكر “كلمة” الذين رفضوا استراتيجية معالجة قضية النزوح بتخطيط المعسكرات.

وقال النازح محمد عمر سليمان ان بعد اصرارهم على متابعة القضية مع حكومة البلدية، شكل المعتمد السابق محمد العاجب لجنة لمراجعة اجراءات التخطيط، وقال ان اللجنة ظلت تتماطل ولم تزر المعسكر لأكثر من اربعة اشهر من تاريخ تشكيلها، ولفت الى انه في تلك الاثناء بدأت حكومة بلدية نيالا في بيع عدد من القطع السكنية في المعسكر، واضاف عندما ضغطنا على المدير التنفيذي للبلدية اخبرهم بأن هذه الاراضي التي تم بيعها من نصيب البلدية وهي عدد “200” قطعة سكنية، الأمر الذي اعترض عليه النازحون وقاموا بمناهضته، لكنهم لم يجدوا انصافاً من قبل حكومة الوالي الاسبق ادم الفكي- على حد قوله-

وعندما جاء الوالي السابق الفريق احمد علي ابوشنب صعد النازحون قضيتهم إليه بشكوى اوضحوا فيها ملابسات القضية واشاروا الى ان لجنة التخطيط في المعسكر وبلدية نيالا قامتا بعمل وصفوه بأنه خارج الاطار القانوني، من خلال بيع عقودات القطع السكنية لأشخاص خارج المعسكر، وتسليم اطفال قصر قطع سكنية، بالإضافة الى ان مساحة القطعة السكنية في العقد “20×20” متر مربع وعلى الارض “15×20” متر مربع، ونزع حيازة القطع من النازحين وتمليكها لأنفسهم او لأقرباء مسئول مفوضية العون الانساني، وذكرت الشكوى ان مسئول المفوضية امتلك عدد “314” قطعة سكنية داخل المعسكر وبالإضافة الى قطع أخرى لموظفي بلدية نيالا.

واستطرد النازحون في مذكرتهم- التي حصلت دارفور24 على نسخة منها- بانهم تقدموا بشكوى لحكومة البلدية بتاريخ 23 ابريل 2018م طالبوا فيها بتصحيح الاخطاء والتجاوزات التي صاحبت عملية تخطيط المعسكر لكنها لم تستجب، وفي 14 مايو 2018م اوصل النازحون شكوتهم الى والي الولاية ادم الفكي والذي تحدث مع المعتمد الذي بدوره دعا النازحين الى اجتماع في 17 مايو 2018م، واعترف امامهم بالأخطاء التي حدثت وتعهد بإلغاء كل العقودات التي صدرت وشكل لجنة جديدة برئاسة وكيل او النيابة “بابكر جدو” لكنه عاد وألغى اللجنة الجديدة مرة اخرى في 12 يونيو 2018م، وفي 27 يناير خاطب النازحون معتمد البلدية وابلغوه بأن اللجنة الاولى قامت بتسليم عقودات الاراضي ليلاً لأشخاص غير نازحين بالمعسكر بينما تم تسليم بعض النازحين عقودات ليلاً وتحت التهديد في مواقع لم يتم تخطيطها، لتظل القضية عالقة الى ان تغير نظام الحكم، وظل النازحون الى الآن يبحثون عن حقوقهم، مطالبين الوالي العسكري اللواء هاشم خالد بإنصافهم واعادة الحقوق الى اصحابها عبر تشكيل لجنة تحقيق في القضية، وتقديم المتورطين فيها الى المحاكمة.