أربعة أشهر مضت على الحدث الذي شكّل علامة فارغة في تاريخ السودان، فكان نقطة سوداء إكتست معها غالبية البيوت بالسواد بعد ان كانت تتهيأ لاستقبال عيد الفطر المبارك، فتحوّل الفرح إلى حزن في (الثالث من يونيو 2019م)، هاجمت قوات بِلباس عسكري المحتجين المعتصمين لأشهر حول القيادة العامة للقوات المسلحة بحثاً عن واقع جديد أفضل مما كان في عهد الإنقاذ، فكان نصيبهم بين قتلٍ وتعذيب وآخرون مفقودين حتى اللحظة.

مضت الأيام، وجاءت الحكومة الإنتقالية، والتي قامت بدورها بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة في الجرائم التي ارتكبت في الأحداث التي شهدتها البلاد، بما فيها فض اعتصام القيادة بالخرطوم، والتي تضم 7 أعضاء بما يشمل: قاضي محكمة عليا (رئيساً)، وممثلاً لوزارة العدل (مقرراً)، وممثلاً لوزارة الدفاع (عضواً)، وممثلاً لوزارة الداخلية (عضواً)، وشخصية قومية مستقلة (عضواً)، ومحاميين مستقلَين (أعضاء).

وتمتلك «اللجنة» جميع سلطات التحقيق الواردة في قانون لجان التحقيق 1954، ويحق لها الاستعانة بمن تراه مناسباً، بما في ذلك الاستعانة بدعم أفريقي وتسلم الشكاوى من الضحايا وأولياء الدم والممثلين القانونيين، وحتى نبش قبور الضحايا وتشريح الجثث إن دعا الأمر، وستكمل اللجنة أعمالها خلال 3 أشهر ويحق لها التمديد لمدة مماثلة إذا اقتضت الضرورة ذلك، كما أن «اللجنة» تعمل باستقلال تام عن أي جهة حكومية أو عدلية أو قانونية.

رغم تشكيل «اللجنة» والتي يرأسها (المحامي نبيل أديب، عثمان محمد عثمان مقرراً، ومن النيابة الجنائية، صهيب عبد اللطيف مقررًا مناوباً)، وعضوية (عصمت عبد الله محمد طه، خالد مهدي، محمد زين الماحي، وأحمد الطاهر النور)، إلا أن هناك حالة من عدم الثقة في الوصول إلى المتورطين في «مجزرة القيادة»، خاصةً وأن هناك اتهامات طالت قادة عسكريين رفيعي المستوى، وأفراد تحت إمرتهم.

المهمة الصعبة

حسابات النجاح والفشل لهذه «اللجنة»، جعلت «دارفور 24» تستنطق العديد من الشخصيات لاستجلاء رؤيتهم، حيث قال خبير قانوني ـ فضّل حب إسمه ـ أن هناك فظائع حدثت خلال الثورة، وتحديداً حول مقر القيادة إلا أن الصورة كانت مبالغة، وأرقام الضحايا لم تكن بذاك الحجم الكبير، وبالتالي فإن مهمة اللجنة ستكون صعبة، إلا أن رئيس اللجنة المحامي نبيل أديب، لا تنقصه الخبرة، كما أنه لن يقبل أن تتأثر سيرته المهنية النظيفة لأجل الإنتصار لجهة على أخرى إلا بالقانون.

وأبلغ الخبير القانوني «دارفور 24» أنه في حال إلتزمت اللجنة بالمهنية ونأت عن الضغوطات السياسية فسيتكشف لها أن عدد ضحايا الثورة ليس بالضخامة التي يُروّج لها، إلا أن ذلك لن يُرضي قوى الحرية والتغيير، وبالتالي سُتهاجم اللجنة، وإذا رضخت اللجنة لتلك الضغوط وإنحازت إلى قوى الحرية والتغيير وخانة ضميرها، وحاولت تجريم بريئين تكون قد خانت مهنيتها.

وحذّر الخبير القانوني، من إستخدام فض الاعتصام ككرت سياسي، ورأى أن قوى الحرية والتغيير، لن تقبل أي لجنة تلتزم المهنية، ونبّه إلى أن صوت المجلس العسكري إنخفض، وأن رئيس المجلس الإنتقالي عبدالفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو «حميدتي» يتعرضون لإبتزاز سياسي، داعياً اللجنة والتي قال إنها أمام تحدي كبير، إلى عدم التأثر بالعواطف.

ونبّه إلى أن قوى الحرية والتغيير واليسار، تعمّدت تصوير ما جرى في القيادة وكأنه مثل الإبادة التي حدثت في رواندا، ولذلك فإنه في حال لم تمضي اللجنة كما يُريد الثوار والسياسيين فإنهم سيرفضون، رغم أن عدد الضحايا ليس بذاك القدر من التضخيم، كما أن الكثير من الصور مفبركة، مستشهداً بأن عدد بيوت العزاء لا تكاد تُذكر لِقلتها.

لا كبير على القانون

من جهته قال القيادي بقوى الحرية والتغيير، والناطق الرسمي باسم حزب البعث العربي الاشتراكي، محمد ضياء الدين، لـ “دارفور 24” إنه لا يُريد أن يستبق الأحداث، كما لا يُريد أن يُضفي رؤية سياسية على أعمال اللجنة، لكونها لجنة قانونية تّم تعيينها لأداء واجب محدد، وأنهم ينتظرون النتائج بغرض الوصل إلى الحقائق مجرّدة وفق آليات قومية مختصة لمحاسبة من يرد أسمائهم ضِمن قائمة الإتهام، وذلك بحسب ما تتوصل إليه اللجنة.

وتمنى محمد ضياء الدين، نجاح لجنة التحقيق، كما تمنى أن تُسرع اللجنة، داعياً في ذات الوقت جميع الاطراف إلى تقديم المعلومات إلى اللجنة للوصول إلى المتورطين في أحداث القيادة.

وردّ القيادي في قوى الحرية والتغيير محمد ضياء الدين، بوضوح حول إمكانية عدم محاسبة قيادات عليا يُتوقع تورطها في «مجزرة القيادة» وغيرها من الاحداث التي صاحب ثورة ديسمبر، قائلاً: “لا كبير على القانون، ومضى قائلاً حتى أعضاء المجلس العسكري وقبل توقيع الوثيقة أكدوا أنهم ليسوا أكبر من القانون، وطالبوا فقط بلجنة مستقلة.

ودعا ضياء، لجنة التحقيق في الجرائم التي ارتكبت خلال الأحداث التي شهدتها البلاد، بما فيها فض اعتصام القيادة بالخرطوم، إلى أن تُباشر مهامها، كما دعا الجهات المختصة إلى تقديم المعلومات للجنة للوصول إلى الحقائق.