نصف ساعة من التوتر والقلق والأحاديث الجانبية، قضاها المهتمين بمحاكمة الرئيس المخلوع عمر البشير، داخل قاعة محاكمته بمعهد العلوم القضائية شرق الخرطوم، حيث إعتاد الحضور طوال (11) جلسة سابقة على إدخال البشير لقفص الإتهام المخصص له عند التاسعة وخمس وخمسون دقيقة على أن يدلف قاضي المحكمة للقاعة وإعلان إنطلاق الجلسة عند العاشرة وهذا ما لم يحدث.

وتسبب هذه التأخير في قلق وتوتر داخل القاعة بجانب أحاديث جانبية حول دواعي تأخر بداية الجلسة، قبل أن تحسم السلطات الجدل باحضار المتهم لقاعة المحكمة عند الساعة العاشرة والنصف.

نصف ساعة تجول خلالها شقيق البشير وسط أقاربه كأنما ينقل لهم دواعي تأخير دخول المتهم لقاعة المحكمة، وبدأت أحاديث تدور وسط القاعة، قبل أن يحسمها قاضي المحكمة د. الصادق عبدالرحمن الفكي، بإعتذار متأسفاً للتأخير وأرجع ذلك لأمر طارئ حاول دون بداية الجلسة في موعدها المحدد.

رسائل في بريد الإعلام

على نحو مفاجئ وقبل أن يدون قاضي محكمة الإستئناف د. الصادق عبدالرحمن الفكي، الحضور من هيئتي الإتهام والدفاع، بعث برسائل شديدة اللهجة لوسائل الإعلام (المقروءة/المسموعة/والمرئية/بجانب وسائل التواصل الإجتماعي).

وقال القاضي أن المحكمة منظومة إجرائية تستصحب وتستوعب جميع القوانين بما فيها قوانين (الشرطة/شرطة السجون/النيابة/بجانب قانون السلطة القضائية).

وشدد قاضي المحكمة على أن ظهور المتهم عمر البشير في إحدى المستشفيات طلباً للإستشفاء لا يعتبر إخلالاً بالقانون إنما حق قانوني يعطي المتهم بالسجن سواء إن كان محكوماً أو بالإنتظار الحق في الإستشفاء في كل مرافق الدولة العلاجية.

وطالب قاضي المحكمة مندوبي وسائل الإعلام المختلفة بالإطلاع على جميع القوانين، وعدم قصر ثقافتهم القانونية على قانون الصحافة والمطبوعات الصحفية، كما طالب قاضي المحكمة مندوبي وسائل الإعلام المختلفة بأخذ الحيطة والحذر والبعد عن نيران الفتنة والإثارة أكثر مما يقتضي الأمر في تناول إجراءات المحاكمة.

إجراءات أمام البرهان

وكشف قاضي المحكمة، عن تلقيه إفادة من ديوان المراجعة القومي، تفيد بأن شاهد الدفاع الطاهر عبدالقيوم تغيب عن المثول امام المحكمة في جلسة إكتوبر الماضي لإرتباطه بعمل يخص الدولة بروسيا، بجانب تغيبه عن المثول امام المحكمة اليوم لتواجده بدولة جنوب أفريقيا أيضاً لأعمال تخص الدولة، ومن المنتظر أن يصل البلاد اليوم السبت، منوهاً الى أن الإفاده لم تحدد زمن وصوله للبلاد.

وأشار قاضي محكمة الإستئناف الصادق عبدالرحمن الفكي، إلى أن المحكمة سبق وأن أصدرت أمر بالقبض على مدير ديوان المراجع العام الطاهر عبدالقيوم وفتح إجراءات قانونية في مواجهته تحت نص الماده (98) من القانون الجنائي لتغيبه عن المثول امام المحكمة والإدلاء بإفادته، الا أنه وحسب نص الماده (46أ) من قانون المراجع القومي التي كفلت حصانة للشاهد وإشترطت أخذ إذن مسبق من رئيس الجمهورية لتحريك إجراءات قانونية في مواجهة مدير ديوان المراجع العام.

ولفت قاضي المحكمة بأنهم بدورهم قاموا بوضع طلب إذن برفع الحصانة عن الطاهر عبدالقيوم أمام رئيس مجلس السيادة الإنتقالي عبدالفتاح البرهان، لمنحهم الإذن بتحريك الإجراءات في مواجهة مدير ديوان المراجع القومي، إستناداً على الوثيقة الدستورية التي نصت على عدم تحريك أي إجراءات قانونية في مواجهة مدير ديوان المراجع العام الا بإذن مسبق من رئيس الجمهورية بالتشاور مع وزير العدل.

ونوهت المحكمة الى أن رئيس الجمهورية يتولى مهامه الآن رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح الرهان، عليه وضعت المحكمة خطاباً بمنحها الإذن بتحريك إجراءات في مواجهة المراجع العام.

ومثل أمام المحكمة أمس مدير المكتب التنفيذي للمراجع العام، ووضع أمام المحكمة خطاب تفويض من مدير الديوان بالإنابة، وجاء فيه بأن مدير ديوان المراجع العام الطاهر عبد القيوم في جلسة 26 من إكتوبر الماضي تغيب عن المثول امام المحكمة لأسباب تتعلق بتواجده خارج البلاد لظروف تتعلق بعمل الدولة. كما برر الخطاب غياب الشاهد عن جلسة اليوم كذلك لتواجده بدولة جنوب أفريقيا أيضاً لأعمال تتعلق بالدولة.

ووضعت المحكمة الخطاب بمحضر المحاكمة وحددت جلسة 16 من الشهر الجاري لتكملة إجراءات القبض على المراجع وإحضاره امام المحكمة لسماعة طالما أن الدفاع متمسك بسماع إفاداته بالإسم.

تأثير على العدالة

وقبل أن تعلن المحكمة قفل محضرها ورفع الجلسة، نهض المتحدث بإسم هيئة الدفاع المحامي المعروف هاشم أبوبكر الجعلي، من مقعده مخاطباً المحكمة بأن لديه عدد من الطلبات المقتضبة بصدد تقديمها للمحكمة شفاهة.

وإبتدر ممثل الدفاع بتقديم صحيفة ورقية يومية للمحكمة، وقال إنها أوردت في عددها اليوم السبت خبراً كان عنوانها الرئيسي بـ (توقعات بإدانة الرئيس المخلوع بالثراء الحرام) كما حددت الصحيفة في تفاصيل خبرها موعد النطق بالحكم في القضية.

وقالت “إن المحكمة ستنطق بالحكم خلال إسبوعين بعد سماع آخر شهود الدفاع”، وشدد ممثل الدفاع في طلبه للمحكمة بأن التناول السياسي للقضية من شأنه أن يؤثر على العدلة والشهود وقضية دفاعه.

ولفت هاشم أبوبكر الجعلي للمحكمة إلأى أنهم سبق وأن تعرضوا لعدوان من النيابة والآن يتعرضون لعدوان الإعلام ملتمساً من المحكمة أخذ العلم مع إتخاذ أشد الإجراءات القانونية حيال ذلك ، وطلب محامي الدفاع من المحكمة ، حماية المتهم البشير وهيئة الدفاع عنه من التأثير القانوني من قبل وسائل الإعلام.

طلب زيارة ومعاينة

وفي طلبه الثاني إلتمس المتحدث بإسم هيئة الدفاع عن الرئيس الأسبق البشير من المحكمة، إجراء معاينة للموقع الذي ضبطت بداخله المبالغ المالية المضبوطات في الدعوى الجنائية، وإستند الدفاع في طلبه على الماده (58) من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م بجانب الماده (61) من قانون الإثبات لسنة 1994م. وبرر محامي الدفاع طلبه للمحكمة بإجراء زيارة ميدانية لموقع ضبط المبالغ المالية ببيت الضيافة بالقيادة العامة لقوات الشعب المسلحة، عقب إطلاعة على محضر المحاكمة الإسبوع الماضي ووجد على صدر إحدى صفحات المحضر ورود عبارة (داخل منزله) فيما يتعلق بمكان ضبط المبالغ المالية.

كما أشار الدفاع الى أنه أيضاً وجد على صدر صفحة (76) من محضر المحاكمة وبداخل إستمارة توجيه التهمة، وقد دون قاضي المحكمة عليها أيضاً ذات العباره ، مطالباً المحكمة بزيارة موقع ضبط المعروضات حتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود والحقيقة وقطع الطريق امام أي شكوك.

وفي طلبه الثالث قدم محامي الدفاع نسختين باللغتيين (العربية الإنجليزية) من تقرير أعده مندوب الأمم المتحدة الخاص لحقوق الإنسان، أبان زيارته للبلاد ووقوفه على آثار الحصار الإقتصادي المفروض على البلاد والتحويلات المالية من والى السودان وأثر ذلك على الوضع الإقتصادي في السودان.

ووضع محامي الدفاع النسختين من التقرير أمام المحكمة وطالب بإعتمادهما مستندات دفاع لا سيما وأن السودان عضواً بهيئة الأمم المتحدة ويتمتع مندوبيها بكل يمكنهم من أداء مهامهم ووظائفهم حسب نص الماده (102) من ميثاق الأمم المتحدة.

وحدد الدفاع عن البشير بالأرقام صفحة (13) من التقرير هي ما تعنيهم بالتحديد من التقرير.

تعطيل الإجراءات

فيما رد ممثل الإتهام وكيل النيابة العامة ياسر بشير بخاري على طلب الدفاع المتعلق بزيارة موقع ضبط المبالغ المعروضات ببيت الضيافة، معتبراً أن المعاينة والزيارة من سلطات المحكمة التقديرية حسب نص الماده (58) من قانون الإجراءات الجنائية وهو أمر متروك للمحكمة وتقديراتها.

واعتبر طلب الدفاع يستشف من خلاله محاولة تعطيل الإجراءات، وفيما يتعلق بتقرير مندوب الأمم المتحدة شدد ممثل الإتهام بأنها لا علاقة لها بالدعوى محل الإجراءات وأمر الإطلاع عليها والعلم القضائي بها متروك لسلطات المحكمة.

ونوه الى أنهم في هيئة الإتهام لا يعلمون محتوى التقرير المقدم امام المحكمة ولا علاقة له باجراءات المحكمة ملتمساً من المحكمة رفض الطلب وإبعاد التقرير.

فيما عقب المتحدث بإسم هيئة الدفاع قائلاً “رئيس هيئة الإتهام عقب بأنه لا يعلم محتوى تقرير مبعوث الأمم المتحدة المقدم أمام المحكمة، بينما نحن في الدفاع نعلم تماماً ما يحتويه التقرير من بينات ووثائق، لا سيما وأن وثائق الأمم المتحدة جزء من قوانين البلاد طالما إنها عضواً فيها”.

قاضي المحكمة د. الصادق عبدالرحمن الفكي، إبتدر جلسته قبل تدوين الحضور من أطراف الدعوى الجنائية عن الإعلام، ومن ثم عاد وختم جلسة المحكمة الثانية عشر  أيضاً بالحديث عن الإعلام أكثر إستفاضة ووضوح.

وإتفق قاضي المحكمة على ما جاء في طلب هيئة الدفاع عن البشير، لافتاً الي أنه تحدث مراراً وتكراراً بأن محكمة الرئيس الأسبق عمر البشير ذات طابع خاص في كآفة إجراءاتها.

وخاطب الإعلام قائلاً “يا ناس الإعلام إذا أردتم تغطية أي واقعة أو حدث ما فإن القضائية لا تعمل في جزيرة معزولة عن بقيت القوانين واللوائح السارية والمعمول بها في البلاد”، نافياً تحديد المحكمة أي موعد لقرارها في مواجهة البشير بعد والمحكمة لا زالت تواصل جلساتها في سماع بينات الشهود.

لبس البشير

وكشف قاضي المحكمة عن لقط بوسائل الاعلام ووسائل التواصل الإجتماعي يتحدث عن المتهم إرتداء المتهم لبشير (جلابية تارة وبدلة تارة أخرى)، لافتاً الى أنه يتحدث عن محاكمة عادلة دون إخضاع شخص لقاعدة ظنية أو حقد أو إستخفاف إنما إنسان سوداني مجرد.

وشدد قاضي المحكمة بأن عمره المهني تجاوز العشرون عاماً على منصات القضاء لم يحدث أن طالب أي متهم بإرتداء بدله أوخلافها، مؤكداً أن سلطات السجون هي التي خول لها القانون أن تحدد ما يرتديه النزيل بطرفها سواء إن كان محكوماً أوقيد المحاكمة”منتظر” وهي وحدها تحدد ماذا يأكل وما يلبس طالما لم تتم إدانته بأي جريمة.

ونوه قاضي المحكمة الى أن سلطة القضاء على السجون رقابية فقط بينما شرطة السجون وقوانينها هي وحدها من تحدد ماذا يرتدي المتهمين المحجوزين بطرفها متى ما إلتزمت بتوفير اللبس له.

وحول حق الإستشفاء أكد قاضي المحكمة أنه حق مكفول بالقانون طالما نبحث عن العدالة حسب ما رسمها المشرع وقواعد الإثبات تراعي الحفاظ على النزيل سواء إن كان محكوماً أو محبوس.

ولفت إلى أن المتهم كان في يوم من الأيام رئيساً للجمهورية، لذلك يختلف خروجة من السجن عن الأشخاص العاديين، مضيفاً “فقد يتم إخراج المتهم البشير من السجن وتصحبه جيوش جراره بغرض توفير الحماية حفاظاً على سير الإجراءات”.

وأكد القاضي أنهم أعطوا الإعلام الحق الكامل في حضور الجلسات وتغطية وقائع المحاكمة إلا أنه في الوقت ذاته جدد معاناتهم مع الإعلام، مطالباً مندوبي وسائل الإعلام بالبعد من التحليل ورددها ثلاث (التحليل التحليل التحليل) الذي يؤثر على سير العدالة على حد قوله.

توجيهات الدفاع

ولم يتوقف قاضي المحكمة عن لوم وسائل الإعلام فقط ، كما وجه أيضا هيئة الدفاع عن البشير وقال “إن كان هنالك توجية حسب ما طلب الدفاع لوسائل الإعلام فالدفاع أيضاً أولى بذلك التوجيه خاصةً وسبق أن إستخدمت هيئة الدفاع منصة المحكمة للإدلاء بتصريحات لوسائل الإعلام، وهي تعلم أن المنصة للعدالة وتستخدم فقط في سماع البينات للوصول للعدالة”.

فيما أرجأ قاضي المحكمة الفصل في طلبات الدفاع التي تتعلق بزيارة بيت الضيافة مقر ضبط المبالغ ـ معروضات البلاغ ـ والقرار حول قبول تقرير مبعوث الأمم المتحدة من عدمه.

وحددت المحكمة جلسة 16 من الشهر الجاري للفصل في الطلبات ومن ثم سماع آخر شهود الدفاع مدير ديوان الراجع العام، وأرجع قاضي المحكمة الى إلغاء جلسة السبت المقبل لموافقتها ليلة ختام الإحتفال بمولد المصطفى صلى الله عليه وسلم، منوهاً الي أنه لا يرغب في تعكير هذه المناسبة بالمحاكم.