سلمى سليمان، واحدة من الفتيات السودانيات اللائي تعرضت أسرهن للتهجير القسري من مناطقهن بشمال دارفور ـ غرب السودان ـ إلى مخيمات النازحين، كما تعرضت في شخصها إلى أنواع مختلفة من العنف “لفظياً وجسدياً” لكنها تمكنت من مواصلة تعليمها وتخرجت في جامعة السودان بالخرطوم.

وتضع سلمى اليوم كل تركيزها في العمل على إنهاء الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة في مناطق النزاعات، حيث أسست مع أخريات منظمة بأسم “نساء الهامش” تحث على ضرورة تحقيق السلام الذي يفتح الطريق نحو إنهاء العنف ضد النساء.

وتتطلع كل النساء بمناطق النزاعات بالسودان إلى إسكات البنادق بتحقيق السلام الشامل، الذي يُنهي حقبة طويلة من العنف والانتهاكات التي تعرضن لها وأودت بحياة بعضهن فيما عاشت أخريات بعاهات نفسية.

وتنوعت مصادر العنف ضد المرأة في مناطق النزاعات بالسودان خلال سنوات النزاع، فبعضها كان يمارس بواسطة أجهزة الدولة وقوانينها وأخرى بواسطة المجتمع وعاداته التي تقلل من قيمة النساء مقارنة بالرجال.

ودعت نساء ممن تعرضن للعنف خلال العهد الماضي في حديث لـ “دارفور 24” بمناسبة اليوم العالمي لإنهاء العنف ضد المرأة، إلى ضرورة تحقيق السلام الشامل وإنهاء الحروبات في مناطق النزاعات لأن ذلك يقود إلى القضاء على كافة أنواع الإنتهاكات ضد المرأة.

وطالبت النساء بتغيير القوانين التي وضعها النظام السابق للحد من حرية المرأة، بجانب تغيير مناهج التربية والتنشيئة التي تمييز بين الذكر والأنثى.

كما أكد خبراء أن تحقيق السلام الشامل في مناطق النزاعات يشكل حماية كُبرى للنساء من خلال إختفاء أدوات العنف الجسدي واللفظي كما يعطي مجال لإنتشار دولة القانون، ويفتح آفاق لتحقيق العدالة للائي تعرضن لانتهاك ويجبر ضررهن.

تقول سلمى سليمان، لـ “دارفور 24” إن المرأة في مناطق النزاعات بالسودان ظلت تتعرض لأنواع مختلفة من العنف الجسدي الذي وصل إلى حد القتل بواسطة مليشيات مسلحة مدعومة من النظام السابق، إضافة إلى العنف المجتمعي المبني على عادات سالبة.

وقالت إن كثير من النساء في مناطق النزاعات بدارفور ظلن يتعرضن لعنف مستمر من التحرش والاغتصاب وهي اقصى أنواع العنف لأنها تخلف آثار نفسية عميقة لدى المرأة قد تنتهي بها إلى المرض النفسي.

وأضافت “المرأة التي تتعرض للاغتصاب يلفظها المجتمع ولا تجد جهة تدعمها نفسياً لتجاوز الأزمة ولذلك يظل العنف مستمراً في داخلها مدى الحياة”.

وتابعت “المرأة في مناطق النزاعات فوق تعرضها لاغتصابات وتحرش من قبل المليشيات المسلحة، فهي تعيش وسط مجتمع ذكوري سلطوي يضع النساء دائما تحت وصابة الرجل”.

تربية خاطئة

وتؤكد سلمى سليمان أن العادات المجتمعية والمناهج التربوية في مؤسسات التعليم تحمل كثير المفاهيم الخاطئة التي ترسخ للعنف ضد النساء، كما تجعل المرأة نفسها تتقبل الوضعية التي اختيرت لها في المستقبل.

وللقضاء على كافة اشكال العنف والتمييز ضد المرأة ترى سلمى أن تتضمن تنشئة الأطفال على المستوى الرسمي والمجتمعي على العدالة والمساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات، على ان يكون هنالك تمييز إيجابي للمرأة حسب الظروف التي تمر بها.

وأضافت “طالما تمت تنشئت الأطفال على المساواة بين الجنسين سيكون مستقبلهم خالي من المعاناة ولن تتعرض المرأة لأي أنواع من العنف، لأن كثير من تلك الاضهاد خصوصاً في مناطق النزاعات تعود أسبابه للتنشية منذ الصغر”.

ودعت النساء إلى عدم السكوت على الانتهاكات التي يتعرضن لها خوفاً من المجتمع، قائلة إن على النساء إن تواجه العنف بمنتهى الجرأة ويتحدثن عن ما يواجهن من تحرش دون خوف من ردة فعل المجتمع.

وأشارت سلمى إلى أن النظام السابق كان يمارس العنف ضد المرأة  بكافة أشكاله حيث شرع بعض القوانين خصيصاً لقمع النساء مثل قانون النظام العام الذي ينتهك حقوقهن في العمل والحرية.

وأضافت “شخصياً عانيت كثيراً من الاعتقال والضرب والتعذيب بواسطة هذه القوانين، وهي كانت واحدة من مصادر العنف ضد المرأة، لكن اليوم بعد التغيير يجب أن يكون لدينا آليات لوقف العنف من خلال التوعية المكثفة مثل تخصيص أيام لمناهضة التحرش والاغتصابات وكل انواع العنف الممارس ضد المرأة”.

كما دعت سلمى إلى رفع وعي المرأة لتكون جزءاً من الحملات التي تنتظم لمناهضة العنف الممارس ضدها.

وأوضحت أن الثورة التي شهدها السودان لم تكن فقط لتغيير النظام السياسي وإنما ثورة وعي تهدف لتغيير المفاهيم التي تمييز بين النوع، قائلة كثير من الأنشطة نظمت عقب سقوط النظام لمناهضة أنواع العنف ضد المرأة.

وذكرت أن الفترة المقبلة ستشهد أنشطة متعددة لمناهضة العنف ضد المرأة، لكن الأمل سيكون معقوداً على المرأة نفسها بأن يرتفع وعيها.

عنف النظام السابق

إكرام حمزة، تخرجت في كلية الحقوق من جامعة النيلين بالخرطوم، تنحدر من ولاية غرب دارفور تحكي لـ “دارفور 24” تفاصيل أنواع العنف الذي تعرضت له خلال فترة النظام الحاكم السابق حتى كادت ان تفقد حياتها على أيدي رجال الأمن.

وقالت إنها ظلت عرضة للاعتقال والتعذيب من رجال أمن النظام السابق بسبب نشاطها في مناهضة العنف الذي تتعرض له النساء في دارفور.

وأضافت “في عام 2015 تعرضت للضرب من أفراد بجهاز الأمن وتم نقلي إلى المستشفى متأثرة بالإصابات لكنهم لاحقوني هناك وحقنوني بمادة لا أعرفها مما تسبب لي في تسمم كاد ان يقلتني”.

وأشارت إكرام إلى أنها تعرضت مرة أخرى إلى الاعتقال خلال حملة توعوية بالخرطوم حيث تم ضربها بواسطة باب سيارة لأفراد الأمن حتى سقطت على الأرض ليتم أخذها إلى مباني المعتقلات.

وتابعت “كما تعرضت للضرب من قبل خمسة أشخاص أعرف أحدهم وهو كادر عنف يتبع لحزب المؤتمر الوطني، وحينما أغُمى علي جات إحدى زميلاتي تسمى سعدية الشيخ كدوك، وارتمت فوقي لتمنع عني الضرب، وقد تعرضت هي لضرب مماثل”.

وأشارت إلى أن العنف في دارفور يبدأ من الأسرة والمجتمع من خلال تفضيل الذكور على النساء في كل شيء، كما تتعرض المرأة لعنف الختان وزواج القاصرات.

وأضافت “كنتُ شاهدة على إحدى حالات الزواج التي تمت بغير رضا وحينما رفضت الفتاة الزوج جاء اخوتها وأوثقوا يديها ورجليها ليقوم زوجها باغتصابها”.

وذكرت أن العنف في المجتمع يختلف وتتعدد أنواعه من منطقة لأخرى وفقاً للثقافات المجتمعية، حيث تتعرض الزوجة في بعض مناطق دارفور للضرب من الرجل ثم تذهب لتعمل في الزراعة وحينما يأتي الحصاد يقوم الرجل بأخذ العائد المالي وقد يذهب ليتزوج به مرة أخرى.

وتابعت “بهذه الطريقة حُرمت نساء من التعليم ووصل الأمر في بعض النساء إلى حد الانتحار بسبب قسوة الاضهاد المجتمعي الذي تعرضن له”.

وتشير إكرام حمزة إلى ضرورة تكثيف الحملات التوعوية في مختلف المجتمعات للخروج من أزمة العنف الذي تلاقيه المرأة، وتدعو إلى توقيع معاهدات ومواثيق مجتمعية لتشجيع إنهاء العنف المجتمعي ضد المرأة، لجهة أن القوانين وحدها لا تكفي.

تحقيق السلام

من جهته يقول الدكتور عباس التجاني، مدير مركز “سلام ميديا” المهتم بالسلام وإنهاء العنف في مناطق النزاعات، لـ “دارفور 24” إن العنف لا ينتهي ببساطة لدى المرأة التي تتعرض له لأن آثاره النفسية تمتد لفترات طويلة خصوصاً في الجانب النفسي.

وأضاف “العنف الجسدي يمكن يتم الحد منه بواسطة القوانيين، لكن ذلك مربوط بتحقيق السلام لأنه واحد من أدوات الحماية الرئيسية للمرأة في مناطق النزاعات”.

وأوضح أن السلام يحقق للنساء حماية أكبر من خلال إختفاء أدوات العنف الجسدي واللفظي ويعطي مجال لإنتشار دولة القانون في مناطق النزاعات، كما يفتح آفاق لتحقيق العدالة للائي تعرضن لانتهاك ويجبر ضررهن.

ودعا عباس التجاني المنظمات الدولية العاملة في مناطق النزاعات ووثقت لأشكال العنف لمنح التقارير والوثائق ومناطق الرصد لمؤسسات العدالة التي تنشأ بالسودان لانصاف اللائي تعرضن للعنف.

وشدد على أن مناهضة العنف ضد المرأة في مناطق النزاعات بالسودان يجب ان لا يكون موسمياً فقط بل يجب ان يكون مستمراً حتى ان يتحقق السلام الشامل ويتم وضع دستور دائم يحفظ حقوق المرأة بالتساوي كإنسان.

وقال “النساء في المعسكرات وصاحبات المهن الهامشية بالمدن هي واحدة من منتوج ظاهرة العنف في السودان ان كان سياسياً او نتيجة لغياب دولة القانون، وهو أمر يجب ان ينتهي بتحقيق سلام شامل”.

ومنذ سقوط نظام المخلوع عمر البشير نتيجة ثورة شعبية عارمة في 11 أبريل الماضي، بدأت تظهر ملامح تحقيق السلام في مناطق النزاعات.

وتم تضمين إجراءات السلام في الوثيقة الدستورية الحاكمة خلال الفترة الانتقالية التي مدتها 3 سنوات ونصف السنة، حيث اقرت تخصيص فترة الـ 6 شهور الأولى منها إلى تحقيق السلام من خلال التفاوض مع القوى المسلحة في مناطق النازعات.

ووقعت الحكومة الانتقالية في أكتوبر الماضي اتفاقيات سياسية مع الحركات المسلحة في دارفور ومنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، تمهدان إلى توقع الاتفاق النهائي للسلام خلال الجولة المقبلة من المفاوضات.