تباينت الرؤى وسط خبراء وأساتذة جامعات حول أبعاد مطالبة الحركة الشعبية ـ قطاع الشمال ـ بقيادة عبدالعزيز الحلو، بحق تقرير المصير وعلمانية الدولة، فبينما اعتبر البعض المطالبة “مساومة سياسية” رأي آخرون أنها جاءت نتاجاً لعدم الثقة التي عانت منها حركات الكفاح المسلح، طيلة ثلاثون عاماً.

واشترطت الحركة الشعبية لتحرير السودان برئاسة عبد العزيز الحلو، حق تقرير المصير للمنطقتين “جنوب كردفان والنيل الأزرق” في حال عدم التوافق على علمانية الدولة، وإلغاء كافة التشريعات والقوانين ذات الصبقة الدينية، وعلى رأسها المتصلة بالشريعة الاسلامية.

وتبرر الحركة الشعبية لمطالبها باقامة دولة علمانية تستبعد قوانين الشريعة الاسلامية بأن أغلب سكان منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق لا يدينون بالإسلام وانما يعتنقون الديانة المسيحية، وهو ما يجعل عدم منطقية اخضاعهم لقوانين اسلامية.

وقال الكاتب والمحلل السياسي عبدالله آدم خاطر، لـ (دارفور 24)، أن المنطلق الأساسي من الدعوة التي أطلقها الحلو، حول حق تقرير المصير، أو علمانية الدولة، هو نتاج لعدم الثقة التاريخية في المركز الحاكم، وبالتالي فإن عملية إعادة بناء السودان في واقع ديمقراطي وبلا مركزية تُعيد للمواطن العادي في الأقاليم حقوقه الدستورية يراها الحلو ضرورية.

ولفت إلى أنه وبناءً على تجربة نظام 30 يونيو البائد بإسم الدين استنذفت قدرات هؤلاء المجموعات وادخلتهم في نزاعات مسلحة وأهانتهم وأزلتهم وكل ذلك بإسم الدين، فإنه لابد من ضمانات أساسية لهذه الحقوق، والتي في تقدير الحلو، تُعتبر المبدأ للعلمانية، حيث طلب من وزير العدل، في وقت سابق تقديم تعريف مناسب للعلمانية بما يتسق والحقوق الدستورية للمواطنين دون الرغبة في التاثير بالدين او الجهوية لإعادة إهانة أو إذلال الناس او استغلال مواردهم.

وقال خاطر، إن هنالك أزمة ثقة متبادلة منذ زمن طويل وتحتاج لفهم مشترك للخروج إلى فضاء جديد متوافق عليه دون ان يكون على حساب ثقافات الناس حتى لو كانت إسلامية، فمثلاً إنسان دارفور يرى ان المركز حتى لو كانوا مسلمين مثلهم لكنه ظالم، وبالتالي يحتاج لترتيبات وضمانات لتحقيق وحدة حقيقية بين جميع السودانيين.

وبشأن أحقيقة المفاوضين من جانب الحكومة والجبهة الثورية، بمناقشة قضية العلمانية وحق تقرير المصير من عدمه، رأى خاطر، أنه يحق لهم مناقشة تلك القضية طالما أنهم مفوضين من جهات سودانية حاكمة أو ساندة للحكم الحالي، حتى ولو على سبيل التوصية من أجل استفتاء حول تلك النقاط، واستدرك قائلاً: «يمكن ترحيل مناقشة هذه القضايا إلى المؤتمر الدستوري، باعتبار أن المؤتمر خطوة لكن مع غياب عدم الثقة يجب أن يتم الآن، باعتبار أن المُضي للمؤتمر الدستوري والثقة متوفرة بين الطرفين يكون الخروج بآفاق جديدة واضحة وأميز وأفضل».

مساومة سياسية

بدوره، قال مدير معهد البحوث والدراسات الإستراتيجية بجامعة أم درمان الإسلامية بروفيسور صلاح الدومة، إن دعوة الحلو، للعلمانية أو حق تقرير المصير، دعوة غير حقيقة، وتمثّل مساومة سياسية، ومضى قائلاً: «عبدالعزيز الحلو ليس شخص صغير في السن، أو مبتدئ في السياسة كي يخطئ هذا الخطأ، لكن طبعاً الحلو يفتكر أن ذلك هو نوع من المساومة السياسية، لكن يُفترض أن يكون من المنظرين للثورة، وبالتالي هو يعرف جيّداً أن هذه الكلام ليس حق للحكومة الانتقالية حتى تمنحه للجبهة الثورية، باعتباره من اختصاصات المؤتمر الدستوري لا الحكومة، وهذه كلام بديهي، وعلى الحلو، أن يجيب على مثل هذه الأسئلة، بدلاً من أن يطرحها على الآخرين كي يعطوه هذه الإجابة».

واستبعد بروفيسور الدومة، في تصريح لـ(دارفور 24)، الموافقة على دعوة الحلو، وشبّه مطالبة الحلو، بمطالبة نائب رئيس المجلس السيادي محمد حمدان (حميدتي)، مؤخراً للإدارة الأهلية بتفويضه لتشكيل حكومة تصريف أعمال، وهو ما عدّهُ الدومة، طلب من شخص لا يملك، باعتبار أن الإدارة الأهلية لا تملك أي صفة حتى تمنحه تفويضاً، كما أن الإدارة الأهلية تمّ حلها بقرار جمهوري من المشير الراحل جعفر النميري، وبعد أن حلّها النميري، لم يأتي أي شخص لإنشاء الإدارة الأهلية، وبالتالي من العبث أن تطلب تفويض من أُناس ليس لديهم أي حق فهو (عطا من لا يملك لِمن لا يستحق)، وهو ما ينطبق حالياً على الحلو، وبالتالي مطالبته ليست في محلّها.

وأشار الدومة، إلى أن الحلو، يمتلك من الوعي السياسي ما فيه الكفاية، تاركاً الحُكم على مطالبة الحلو، بأنها خطأ أو صحيحة بقوله: ملابسات الطلب هي التي تحكي لماذا كان هذا الطلب؟، وبالتالي رسالتي للحلو تعتبر سؤال أكثر من كونها إجابة.

ونوّه الدومة، إلى أن هنالك أعضاء كثيرين داخل الحكومة الانتقالية من أنصار الدولة العلمانية، وجاهروا بذلك، ولكن ذلك لا يفيد شيئاً، لأنه وحتى لو كان علمانياً ويريد دولة علمانية هل يستطيع أن يُعطي الحق للحلو؟.. أشك في ذلك.

ولفت إلى أن التنبأ بمستقبل مفاوضات الحكومة مع الحلو، صعب جداً، لأن الرؤية مختلفة تماماً، والتي تُذكرني بمسرح العبث (مسرح الشخص الواحد)، فالحلو يطالب بشيء مستحيل تحقيقة والمتمثل في العلمانية، وعندما لا يُستجاب لهُ يوقف المفاوضات وهو ما حدث، والوفد الحكومي يطلب من الحلو، حل قواته ودمجها في القوات المسلحة، بينما هنالك حركات أخرى موجودة لم يُطلب منها ذلك، وكان يفترض أخذ تعهد من الحلو، مستقبلاً، بأنه في حال تمّ حل يكون متزامناً مع جميع الحركات في الجبهة الثورية يتم تسريحهم ودمجهم في القوات المسلحة وفقاً للشروط المعروفة.

وتأتي رؤية خاطر والدومة، متزامنةً مع استتئناف جلسات التفاوض في كل المسارات بين الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية غداً الخميس)، بجوبا، والتي كانت وساطة دولة جنوب السودان، قد رفعتها للمشاركة في أعياد الميلاد، حيث سادت الروح الإيجابية بحسب رئيس (الوساطة) الذي قطع بأن المفاوضات تسير بصورة جيدة، وأن الأطراف تناقش بقلب مفتوح، كما أن جلسات التفاوض مع الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو، توصلت إلى جزء من الحلول، مبشراً الشعب السوداني بالوصول إلى سلام.

وظلّت عاصمة دولة جنوب السودان (جوبا)، تستضيف منذ أغسطس الماضي المفاوضات التي تجريها الحكومة الانتقالية مع الحركات المسلحة، لإنهاء الصراع المسلح الدائر في عدة أقاليم داخل السودان، وتركز مفاوضات جوبا على خمسة مسارات، هى: (مسار إقليم دارفور ومسار ولايتي جنوب كردفان، النيل الأزرق، شرق السودان، شمالي السودان، ومسار وسط السودان).

وكانت الحركة الشعبية بقيادة الحلو، وبحسب بيان ممهور بتوقيع ناطقها الرسمي محمود الجاك، أكدت أنها ثابتة على مواقفها التفاوضية ولم تقدم أي تنازل في المواقف المبدئية، بل تصر علي التفاوض في كل القضايا، حيث رأى أن جولة المحادثات التي انطلقت منذ (العاشر من ديسمبر الجاري) لم تسفر حتي اللحظة عن أي تقدم أو نتائج إيجابية تدفع بالمفاوضات إلى الأمام، ولم نحقق أي إختراق يذكر فيما يتعلق بنقاط الخلاف حول إعلان المبادئ، خاصة علمانية الدولة وحق تقرير المصير، ونقلت عن  أعضاء في الوفد الحكومي تأكياداتهم داخل قاعة التفاوض شفاهة رفضهم للدولة الدينية وإيمانهم بالعلمانية إلا أنهم يرفضون إيداع هذا الموقف كتابة.

يُذكر أن الحركة الشعبية ظلّت تقاتل حكومة الإنقاذ البائدة منذ يونيو 2011، في ولايتي جنوب كردفان (جنوب)، والنيل الأزرق (جنوب شرق)، وعانت من انقسامات حادة بعد أن أصدر مجلس التحرير الثوري للحركة، خلال يونيو 2017، قراراً بعزل رئيسها مالك عقار، لتنقسم إلى جناحين، الأول بقيادة الحلو، والثاني بقيادة مالك عقار.

ويُعتبر إحلال السلام في السودان حالياً أحد أبرز الملفات على طاولة رئيس مجلس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، خلال مرحلة انتقالية، بدأت بتاريخ (21 أغسطس2019م)، وتستمر 39 شهرًا تنتهي بإجراء انتخابات، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وتحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، وهو الذي يمثّل قائد الحراك الشعبي.