الخرطوم- دارفور24
تحفّظ الخبيران الاقتصاديان بروفيسور عصام الدين عبدالوهاب “بوب”، وبروفيسور حسن بشير، على إجازة مجلسي السيادة والوزراء، لموازنة العام 2020 (المُعدلة)، مع أرجأ قرار رفع الدعم عن المحروقات لمؤتمر اقتصادي يحدد لاحقاً.
وبلغت جملة إيرادات الموازنة التي تم إجازتها بصورتها النهائية مساء (الأحد)، 568.3 مليار جنيه والمصروفات، 16.10 مليار جنيه، مصروفات التنمية 58 مليار جنيه، والعجز الكلي 73 مليار جنيه من الناتج المحلي للإيرادات.
وتضاعفت ميزانية الصحة ثلاثة مرات، وقفز التعليم إلى 60 مليار، وتضاعفت الحماية الاجتماعية إلى 74 مليار جنيه، بينما انخفض الدفاع من 9% إلى 7%.
وأبقت الميزانية على دعم القمح وغاز الطبخ وخدمات الصحة والتعليم والتنمية المستدامة وتوفير 250 ألف فرصة عمل خلال العام 2020م، مع زيادة الإيرادات الداخلية ومكافحة التهريب وزيادة الإنتاج ومراجعة الشركات الحكومية واسترداد الأموال المنهوبة، ومضاعفة المرتبات بزيادة 100%، واعتماد مجانية التعليم والعلاج في المستشفيات الحكومية، وتقديم الدعم الاجتماعي المباشر.
وأعلن المجلس المركزي لقوى إعلان الحرية والتغير، السبت الماضي، عن إرجاء الإصلاحات الاقتصادية المتعلقة برفع الدعم لمدة ثلاثة أشهر بعد جلوسه مع مجلس الوزراء بحضور رئيس المجلس الدكتور عبد الله حمدوك، وذلك بهدف خلق توافق سياسي واجتماعي أكبر حول الموازنة، مع إجراء حوار مجتمعي ومؤتمر اقتصادي لا يتجاوز مارس المُقبل، لحسم القضايا المتعلّقة بالإصلاحات الاقتصادية.
روشتة إقتصادية
وقلل استاذ الاقتصاد بجامعة النيلين بروفيسور عصام الدين عبدالوهاب “بوب”، في حديث لدارفور24 من دعم الأصدقاء للميزانية والتي قال إن غالبيتها دعمهم يذهب مصاريف إدارية مما يجعل متبقي دعمهم قليل يكاد لا يُذكر، ناصحاً حكومة الثورة بعدم إنتهاج سياسة “علي محمود” وزير المالية إبان حقبة الإنقاذ البائدة الذي قال إنه جرّب السياسات الاقتصادية على الشعب بما يشبه نهج “الوداعية” ـ على حد تعبيره ـ، منبهاً في الوقت ذاته إلى أن القرار الخاطئ للطبيب يقتل مريض واحد، والقرار الاقتصادي الخاطئ يقتل أمة كاملة، وتساءل عن أموال السعوديين والإماراتيين وفي أي شي تم توظيفها؟ وكم يبلغ إنتاج الذهب والنفط؟.
وحذّر “بوب” حكومة ثورة ديسمبر المجيدة، من إتباع سياسة البنك الدولي والمتمثّلة في التكيف الهيكلي والذي يعتمد على الرأسمالية المتوحشة “العندو عندو والماعندو يموت من الجوع” منبهاً إلى ان سياسة “الصدمة” فشلت في أمريكا رغم بنيتها التحتية والاقتصادية وقطاعاته القوية، مما يجعل من المستحيل بمكان نجاحها في السودان في ظل انهيار اقتصاده، وغياب قطاعات الاقتصادات الحقيقية بسبب تدمير حكومة الإنقاذ البائدة لكل شيء، عاداً الميزانية الحالية بأنها مجرّد علاج بالصدمة، فقط أعطوها اسم الدلع “رفع الدعم”، حالياً أو مستقبلاً، والشعب لن يستحملها، خاصةً أن السودان يعيش في حالة مجاعة مستترة.
وقال الخبير الاقتصادي المعروف “بوب” إن أول خطوة يجب على الحكومة وتحديداً وزير المالية إبراهيم البدوي إتخاذها هي إسترداد جميع الثروات القومية أولاً، ومصادرة كل الذهب والشركات بما فيها شركات البترول، ووضع رصيد، والضغط على قيادات النظام البائد لإعادة الأموال التي نهبوها، إلا أنه رأى أن تعامل الحكومة الحالية لن يُعيد شيئاً “ولن يُقدّم أو يؤخر”.
ومضى قائلاً: “لو كنت وزيراً للمالية لملأت بنك السودان المركزي الذهب، وراجعت إنتاج البترول، والشركات الوهمية، وأنهيت عملية التصدير بطريقة غير قانونية للمواشي إلى مصر، وأدخلته الصمغ العربي تحت الحماية والتحكم الحكومي، مع البدء في تأهيل المشاريع المروية لأنه لا حل بلا إنتاج».
الشفافية ومصفوفة اقتصاد كلي
وأكّد بوب، أن جميع ميزانية 2020 والأموال التي تتحدث عنها الحكومة لن تكفي لشهرين، باعتبار أنه ينبغي كأول خطوة في أي ميزانية عمل المصفوفة للاقتصاد الكلي، وذلك بإحضار جميع المدخلات ومن ثمّ تحديد المخرجات، فالموارد هي المدخلات، وقبل رفع الدعم عن المحروقات يجب على الحكومة أولاً مراجعة نسبة إنتاج السودان من البترول، وكمية المستورد بالأرقام، لأن الحديث الإنشائي عن رفع الدعم الآن وطباعة الورق “رب رب” هو ذات نهج حكومة الإنقاذ البائدة.
ونصح الخبير بوب، الحكومة بأهمية الشفافية لضمان نجاحها خلال الفترة الانتقالية، مستشهداً بنفي فرنسا بأنها أعفت السودان من الديون، على عكس ما كان رُوّج له داخلياً، ونّوه إلى أن رفع الحظر عن السودان يأتي وفقاً لثلاثة قوانين في الكونجرس، ويتم بقوانين مضادة، وليس في يد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، كما أن عملية رفع الحظر تحتاج لسنوات، مستسشهداً بالحرب في دارفور والتي قال إنها بدأت في العام 2001م، والقوانين داخل الكونجرس أجيزت في 2009م، رغم وجود مجازر وقتل وصور مبشعة، وبالتالي أخذت سنوات طويلة، وهو ما سينطبق على رفع الحظر.
موازنة إسعافية مؤقتة
في السياق، رأى الخبير الاقتصادي ومدير جامعة البحر الأحمر بروفيسور حسن بشير، أن الوضع الاقتصادي السوداني لا يحتمل قرارات مثل قرار رفع الدعم، لكونه قرار مُدمر بكل المقاييس الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية، لكونه غير مسنود بأي معطيات لها علاقة بالواقع.
وقال إنه يجب أن تكون هنالك مدفوعات تحويلية وهي الجوانب المتعلقة بشبكة الضمان الاجتماعي، لافتاً إلى أن هنالك سلع وخدمات لا يمكن توفرها عن طريق العرض والطلب، زد على ذلك أن الحكومة عاجزة حتى الآن عن حل مشكلة المواصلات، فكيف يتم رفع الدعم!.
وأشار في تصريح خصّ به “دارفور24” إلى أن القرار جاء نتيجةً لإملاءات من مؤسسات التمويل الدولية، إلا أن السودان غير جاهز تماماً لرفع الدعم خلال الفترة التي جرى تحديدها مؤخراً، وبالتالي فإن إلغائه يُعتبر قراراً صائباً وسليماً، كما أن هنالك خيارات أخرى تم وضعها في البرامج الإسعافية ورُفعت للحكومة، زد على ذلك أنه وخلال الثلاثة أشهر المقبلة ستحدث نقاشات اقتصادية مكثفة حول البدائل الممكنة.
ونبّه الخبير حسن، إلى أن هنالك مشاكل كثيرة في الموازنة، مبيناً أن 53% من مصادر موارد الموازنة منح وإعانات من الأصدقاء وهو ما عدّهُ “تعويلاً أكثر من اللزوم”، وهي غير مضمونة تماماً، ويفترض أساساً في البداية أن تكون هنالك موازنة إسعافية مؤقتة لفترة زمنية قصيرة حتى تتم معالجة العقبات، والتي منها رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، واستقطاب الودائع من المغتربين، وخلق قيمة مضافة لبعض الصادرات خاصةً الزراعية والحيوانية، إضافةً إلى الصمغ العربي، وغيرها من الحلول التي تعمل قيمة مضافة وتدعم الاقتصاد، ومضى قائلاً: «ولكن إذ كان بلد معاقب وموضوع في قائمة الدول الراعية للإرهاب كيف يستطيع رفع الدعم عن المحروقات؟ وتحرير سعر الجنيه السوداني؟، ومعدلات تضخم تصل حوالي 60%!! وهو ما يعني أن معدل التضخم سيصبح 160%، وبالتالي لا معنى لقرار رفع الدعم الذي تمّ إرجائه».
ورأى الخبير الاقتصادي، أن الموقف الأوربي تجاه السودان إيجابي وأقرب للواقع على عكس الأمريكي بشأن دعم الحكومة الإنتقالية، ومضى قائلاً: «طبعاً أي دولة تدخل في دهاليز الكونجرس من الصعوبة خروجها بسهولة، ففيها مشاكل كثيرة»، كما أن المؤتمر الاقتصادي الذي سيُعقد ستكون حدوده محصورة في تقديم مقترحات وتوصيات وخُطط وسيناريوهات.
هيكلة الدولة
واتفق حسن بشير، مع رئيس حزب المؤتمر السوداني والقيادي البارز في قوى إعلان الحرية والتغيير المهندس عمر الدقير، حيث دعا الآخير الحكومة إلى الإسراع بوضع يدها على كل الشركات والتي قال إن العديد منها خارج ولاية المال العام حالياً.
واقترح حسن بشير، على الحكومة تسريع عملية إعادة هيكلة الدولة، مشيراً إلى أن هنالك مؤسسات كثيرة تابعة للقوات المسلحة والأمن، والنظام القديم لم تتم حتى اللحظة هيكلتها، ويتم الصرف عليها، ويفترض على الحكومة وضع يدها عليها، بجانب استرداد الأموال المنهوبة، وترشيد الإنفاق، خاصةً الانفاق على الأمن والدفاع والجهاز الحكومي، منبهاً إلى أن الولايات السودانية ومحلياتها كُلٍ في حالها حتى اليوم، مما يتوجب سرعة إعادة الهيكلة، وعموماً يفترض إعادة هيكلة نظام الحكم في السودان، مستشهداً بوجود 19 ولاية وهو ما اعتبره استزافاً كبيراً جداً للموارد.
وبشان التعليم والصحة فقد قطع بشير، بأنها من الضروريات، والتي لا يستطيع الغالبية الحصول عليها ما لم تكُن مجانية، وبالتالي مشكلة الصحة والتعليم لا تُحل عن طريق السوق وحتى في الدول الغنية مالم تكون هنالك شبكات ضمان اجتماعي، وإعانات نقدية، ولذلك فإن التعليم الأساسي بمقابل يعني ان عدداً كبيراً من الاطفال سيكونون خارج المدارس، وكذلك لن يتلقى عدد كبير من المرضى العلاج.