تباينت الرؤى لدى سياسيون وأكاديميون، حول أبعاد المواكب التي أعلن تجمع المهنيين السودانيين، إطلاقها ابتداءً من شهر فبراير المقبل، لاستكمال هياكل السلطة الانتقالية واستحقاقات التحول الديمقراطي، فمنهم من رأى أنها بمثابة تضييق للخناق على الحكومة الانتقالية مما يجعل عملية السلام في مواجهة مباشرة مع المناصب، وبين من رأى أن تلك المواكب تعمل على دعم وتسريع استكمال بناء مؤسسات الحكم المدني.

وأوشكت الفترة الانتقالية، على إكمال نِصف عام، ولم يتشكّل بعد المجلس التشريعي ولا حكومة الولايات، والمفوضيات التي أقرتها الوثيقة الدستورية، وذلك بسبب عدم الوصول إلى سلام مع الحركات المسلحة في دارفور ومنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، والتي اشترطت عدم تشكيل تلك المؤسسات قبل التوقيع على إتفاق سلام.

وأعلن تجمع المهنيين السودانيين عن إطلاق حملة شعبية قوامها مواكب التظاهرات والوقفات الاحتجاجية لاستكمال هياكل السلطة الانتقالية واستحقاقات التحول الديمقراطي، ابتداءا من شهر فبراير المقبل.

إعلان جوبا

أعاد أستاذ العلوم السياسية بجامعة بحري محمد أحمد شقيلة، الذاكرة تجمع المهنيين، ما نص عليه إعلان جوبا صراحةً على تأجيل تعيين الولاة، وإتمام هياكل السلطة الانتقالية إلى حين التوصل إلى سلام شامل، والذي من شأنه إنجاح الفترة الانتقالية والثورة التي من شعاراتها السلام، وليس المناصب السياسية.

وخاطب الداعيين لتلك المواكب، قائلاً : “السلام مُقدّم على ذلك، والمُربك أكثر في هذا الاتجاه أن تجمع المهنيين ومن خلفه أحزاب قوى الحرية والتغيير، دعوا إلى مسيرة لاحقة تدعو إلى السلام ودعمه، وكأنما يضعون السلام في المرتبة الثانية رُغم أنه أول أهداف الثورة».

وقال شقيلة، في حديث خصّ به (دارفور 24)، إن الإعلان عن تلك المواكب مُجرّد محاولات من قوى الحرية والتغيير، لايجاد منفذ لهُم في السلطة بعد عجزهم عن القيام بأي محاصصات من خلال ضغط الثوار في مجلسي السيادة والوزراء، حيث رأى أن «التغيير» وقعت في خطأ فادح حين أعلنت تأجيل المجلس التشريعي إلى ما بعد تكوين مجلسي السيادة والوزراء، وذلك باعتبار أن النظام هو في الأساس برلماني، زد على ذلك أن البرلمان (المجلس التشريعي) كان ينبغي أن يتم تكوينه أولاً باعتباره الأساس في ظل نظام برلماني كما هو في الوثيقة الدستورية.

ورأى أن دعوة تجمع المهنيين، لتلك المواكب تعتبر محاولة منهُم لتدارك الأمر، وقد كانوا يريدون أن تكون الحكومة الانتقالية حاضنة لهُم إلا أن الحكومة عملت في إطار مستقل، وأن الذي بينها وبين قوى الحرية والتغيير، المهام الـ 16 التي وضعتها الوثيقة الدستورية، وبالتالي حاولوا الدخول عبر مدخل الولايات باعتبار أن هذا يُمكنهم من الحصول على مواقع في السلطة، كما أنهم يريدون (خنق) رئيس مجلس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك، وحكومته الانتقالية من خلال سيطرتهم على الولايات، وبالتالي عندما توقع حركات الكفاح المسلح على السلام تُبح (قوى الحرية والتغيير) سيطرت على هذه الولايات.

مرحلة بناء لا مناصب

أكّد شقيلة، أن مواكب المهنيين المزمع إنطلاقتها الأسبوع المُقبل لا تخدم ولا تصُب في مصلحة السلام، والمرحلة الانتقالية التي من أجلها سقط الشهداء، ومضى قائلاً: ” الشهداء لم يموتوا لأجل أن تنال أحزاب مناصب سياسية.. المرحلة الحالية مرحلة بناء وطن وليست مرحلة مناصب.. نحنُ في وطن هش يُريد أن يتم بناءه من جديد”.

ومضى متساءلاً: «في ظل هذه الظروف الأمنية الحرجة كيف لمدنيين يُمكنهم أن يحكموا الولايات؟»، كما أن الأحزاب السياسية لم تُرضي بعد الشعب ولم تستوعب المرحلة، زد على ذلك أن من ضِمن خُطط عناصر نظام الإنقاذ البائد بزعامة المخلوع عمر البشير، خلال الفترة الحالية، خلق بؤر توتر في الولايات مثلما الحال في بورتسودان والقضارف وأبيي وزالنجي، مما يطرح سؤالأً مفاده: «هل يستطيع حاكم مدني أن يتعامل مع مثل هذه الأشياء؟»، وهُم الذين حاولوا القيام بذلك، خلال أحداث التمرد الآخيرة، حتى على مستوى الخرطوم، ولذلك فإن الفترة الحالية عصيبة تحتاج إلى عمل أمني، والأولوية في الولايات للأمن مثلما أن الأولوية في جميع السودان هي لـ(السلام والحرية والعدالة)، وهو ما قامت لأجله الثورة.

واستبعد الأستاذ بجامعة بحري، وقوع اشتباكات بين عناصر النظام البائد، ومواكب الحرية والتغيير، باعتبار أن الأمر لا صلة لهُ بعناصر النظام البائد، متوقعاً في ذات الوقت فشل تلك المواكب لأن لجان المقاومة وُهم الثوار الحقيقيين الذين قادوا الثورة مع السلام وضد هذه المواكب.

وختم شقيلة حديثه، قائلاً: « بحكم أنني أكاديمي ومتابع وباحث، فإن الرأي العام يسير في اتجاه السلام وعدم تعيين الولاة، ولذلك ستكون هذه المسيرات باهتة جداً، وسيكون هنالك خطأ كبير من قوى الحرية والتغيير، ويُمكن أن تحدث بعض الخلافات التي لن ترتقي إلى مسألة المصادمات بين «التغيير»، ولجان المقاومة من الثوار خاصةً في مناطق النزاعات لأن في ذلك نوع من الابتزاز الكبير بالنسبة لهُم فالشعب يبحث عن السلام وآخرين يبحثون عن السلطة، وهو لن يكون صداماً مباشراً لكن ستكون هنالك نقطة فاصلة لانفصام كامل بين قوى الحرية والتغيير، ولجان المقاومة، خاصةً في تلك المناطق، فالعلاقة واضحة أنها متوترة بشكل عام بين «التغيير»، ولجان المقاومة من الثوار وتحديداً عندما حاولت «التغيير» تكييف هذه اللجان وهو الأمر الذي رفضته لجان الثوار بوعي عالي منها».

قلق الشارع

بدوره، اتفق القيادي في قوى الحرية والتغيير، ونائب الأمين السياسي لحزب المؤتمر السوداني نور صلاح، مع ما ذهب إليه شقيلة، مع اختلاف مفردة التوصيف لتلك المواكب بينهما، فـ(شقيلة)، قال إنها بمثابة (خنق) لحكومة حمدوك، بينما رأى (نور) أنها (تسريع) لإكمال بناء مؤسسات الحكم المدني على المستوى التنفيذي أو التشريعي.

ورأى نور، في تصريح لـ(دارفور 24)، أن مواكب فبراير، تصُب في إطار عملية الدعم لاستكمال بناء مؤسسات الحكم المدني سواءً على المستوى التنفيذي أو التشريعي، كما رأى أن هنالك حالة قلق على المستوى الجماهيري بسب تطاول الفترة الزمنية لإنهاء ملف المجلس التشريعي والولاة، وبالتالي فإن المواكب تُعتبر رسالة إيجابية في صندوق الحكومة على مستواها السيادي والتنفيذي أن الشارع يُريد التعجيل بحسم هذه الملفات، ولذلك فالدعوى للمواكب بمثابة دعم للوثيقة الدستورية والشروع في إنفاذ ما تبقى منها، للمُضي في الطريق الصحيح الذي نأمله جميعاً.

وقال إن ملف السلام لا يمضي بالشكل السريع المأمول خصوصاً على مستوى المناطق الملتهبة (دارفور والمنطقتين)، رُغم أن هنالك اتفاقات إطارية إلا أن الطريق لا يزال طويلاً بالنسبة للجبهة الثورية وحتى على مستوى الحركة الشعبية لتحرير السودان، ناهيك عن حركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد نور، وفي النهاية هنالك اتصالات مستمرة بين قوى الحرية والتغيير، والحكومة الانتقالية، متوقعاً تجاوز هذه المرحلة خلال فترة قصيرة.

 

المواكب والسلام

قلل نور، من احتمالات أن تنسف تلك المواكب، مفاوضات السلام السلام بجوبا، كاشفاً عن اتصالات جارية مع الحركات المسلحة، ولكن في نفس الوقت هنالك قضايا مُلحة مُرتبطة بمستويات الحُكم الولائية وما دون الولائية، وهي مؤثرة في معاش الناس، كما أن هنالك قضايا ذات طابع أمني واقتصادي وخدمي، وجميعها مرتبطة بمستويات الحُكم، وفي النهاية فإن الولاة سيكونون مكلفين فقد وليسوا مُعينين بشكل دائم، حتى التوصل إلى اتفاق سلام شامل يتراضى حوله جميع السودانيون، وهي الرسالة التي أكد نور، أنهم أوصلوها إلى قادة الكفاح المُسلح، والتي وجدت استجابة معقولة من بعضهم.

وبشأن الجهاز التشريعي، قال نور، إن أمامهم عدد كبير من القوانين التي تحتاج إلى عملية إصلاح، كما أنها مرتبطة بتحقيق أهداف كثيرة موجودة على مستوى إعلان قوى الحرية والتغيير، وتم وضعه في إطاره الدستوري بعد التوقيع على الوثيقة الدستورية، وهذا لا يعني أنهم متجاوزين لعملية السلام بقدر ما أنهُم يريدون أن تمضي جميع القضايا في مسارات متوازية مع بعضها.

وأكد نور، وجود توافق بشأن المواكب، قائلاً: «بحسب إعلان أمس الأول (الاثنين)، فقد خرجت الدعوة باسم لجنة العمل الميداني بقوى الحرية والتغيير، وهي إحدى اللجان التنفيذية التابعة لـ(التحالف)، وبالتالي فإن جميع مكونات التحالف موجودة وتُعبّر عنها حتى لو كان هنالك اعتراض يظل الصوت الأرجح هو الصوت الذي يُعبّر عن غالب الإرادة الكُلية».

واستبعد نور، حدوث اشتباكات، متوقعاً في ذات الوقت أن يكون للجنة العمل الميداني اتصالاتها مع الجهات المختصة، وتحديداً وزارة الداخلية بحيث يتم تنظيم المسارات الخاصة بالمواكب، كما توقع أن يتم خلال اليوم (الأربعاء)، إعلانه بشكل تفصيلي، باعتبار أن الهدف من الموكب ليس رسالة احتجاج بقدر ما أنهُ مطالبة بتسريع ملف بناء مؤسسات الحُكم المدني.

وتوقع حدوث استجابة متباينة وأن تمضي الأمور بسلام خلال المواكب مع تفاعل وتعاطي إيجابي، مع وجود نوع من اللقط بسبب أن الدعوى للمواكب صادرة من الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية وحتى للمؤسسة السيادية.

وأشار إلى أن قوى الحرية والتغيير، استطاعت أن تتوافق على أسماء الولاة الـ(18) وسيتم الإعلان عنهم قريباً بعد تسميتهم من الدكتور عبدالله حمدوك، والتصديق عليهم من مجلس السيادة، مع تبقي تفاصيل صغيرة متعلقة بالمجلس التشريعي، متوقعاً أن تصل قوى الحرية والتغيير إلى توافق حولها بنهاية الأسبوع.