تفاقمت أزمة النفط بالسودان بصورة غير مسبوقة حيث أصبحت السيارات متراصة في صفوف طويلة امام محطات الوقود بالعاصمة الخرطوم، وسط وعود حكومية بحل الأزمة خلال ساعات.

يقول الأمين إبراهيم الرسمي، سائق شاحنة لـ «دارفور 24»، إنه تمكن من تعبئة مركبته بالوقود بعد 6 ساعات من الانتظار امام إحدى محطات الوقود بشارع الستين بالخرطوم.

وبدأت الأزمة منذ اسابيع إثر توقف جزئي بمصفاة النفط الرئيسية بـ «الجيلي» بعد تعذر وصول البترول القادم من حقل هجليج بِفعل انسداد في خط الأنابيب.

وحسب تجمع العاملين في قطاع النفط فإن سبب العطل هو ضخ كميات من النفط غير مطابق للمواصفات التشغيلية عبر خط الأنابيب، مما أدى لسد جزئي في الخط واستوجب معالجات كيميائية وإضافة مضخات مؤقتة لأجل تنظيف الخط من المواد الشمعية المترسبة.

ويغطي الإنتاج المحلي من النفط «70%» من استهلاك البلاد من البنزين، وحوالى «53%» من الجازولين، بينما تلجأ الحكومة لاستيراد النسبة المتبقية من الخارج.

وأكد تجمع العاملين في قطاع النفط أن مصفاة الجيلي بدأت العمل بطاقتها المعتادة يوم الثلاثاء لتغطي 80% من حاجة البلاد من الغاز الطبيعي، 70% من البنزين و50% من الجازولين، بالإضافة للمشتقات المتوفرة في بورتسودان.

رفع الدعم

وأعادة الأزمة موضوع رفع الدعم الحكومي للمشتقات البترولية إلى الواجهة من جديد، حيث اتفق عدد من خبراء الاقتصاد والسياسة، في حديث لـ «دارفور 24»، على حتمية رفع الدعم عن البنزين تحديداً في ظل أزمة الوقود التي تشهدها البلاد حالياً.

وأعتبر الخبراء الحلول التي أعلنها وزير الطاقة والتعدين، عادل علي إبراهيم، لإنهاء الأزمة بأنها مُجرّد «مُسكنات وحلول إسعافية» وعلى الحكومة وحاضنتها السياسية «قوى الحرية والتغيير» اتخاذ قرار رفع الدعم عن الوقود.

وكان وزير الطاقة والتعدين حدد يوم الإثنين حصة معينة للتوزيع تقدر بـ ١٦ لتر «4 جوالين» بقيمة ١٢٠ جنيهاً للمركبات توزع كل يومين للمركبة مع العمل على تحديد بعض المحطات للبيع بسعر تجاري (لم يحدد بعد).

وحدد خطة الوزير أيام «السبت، الاثنين، والأربعاء» للسيارات الخاصة التي تبدأ لوحاتها بأرقام زوجية، وأيام «الأحد، الثلاثاء، والخميس» لأصحاب اللوحات الفردية، على أن تكون الجمعة لعامة المركبات، مع استثناء مركبات النقل العام من تلك الإجراءات.

الرقابة

يقول الخبير الاقتصادي ومدير جامعة البحر الأحمر، بروفيسور حسن بشير، لـ (دارفور 24) إن المشكلة تكمُن في عدم وجود احتياطات من الوقود في السودان لمقابلة أي نقص في حالة حدوث طارئ ليتم تعويضه بالاحتياطي، كما ان نقص موارد النقد الأجنبي فاقم الأزمة.

وأعتبر القرارات التي اتخذت لمعالجة الأزمة بانها تتناسب مع الكميات المحدودة من الوقود، لتخفيف تكدس المركبات أمام الطلمبات على الأقل.

لكنه نصح الحكومة باتخاذ علاجات جذرية عبر توفير احتياطات كبيرة من الوقود وإيجاد المواعين التخزينية الكافية، مع الرقابة الصارمة على الخط الناقل للبترول.

وأشار إلى أن السودان يُعاني مشكلة الموانئ، لأن طاقتها الاستيعابية لا تستطيع استيعاب عدد من البواخر في وقت واحد.

وأضاف “جميعها تمثّل مشاكل في البنية التحتية التي دمرها نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، واستمرت عملية تخريب نظام الإنقاذ المُمنهج للاقتصاد والموارد والبنيات التحتية على مدى ثلاثون عاماً، وبالتالي ومن المؤكد حدوث مثل هذه الأزمات، إضافةً إلى الثورة المضادة التي تعمل بكل طاقتتها وإمكانياتها، وهي تمتلك إمكانيات كبيرة لم يتم المساس بها حتى الآن، وتعمل الآن بكل إمكانياتها لخلق الأزمات وتغذيتها وتعميقها”.

التهريب

من جهته قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة بحري، محمد أحمد شقيلة، لـ (دارفور 24) إن الحلول التي قدمها وزير عادل علي إبراهيم، فيما يلي أزمة الوقود، فهي ما يُسمى بـ(العلاج بالبندول)، وهو لا يمثل حلاً جذرياً لهذه الأزمة.

وأضاف “الحل الجذري وبوضوح هو رفع الدعم بالكامل عن البنزين، على أن يتم الحفاظ على دعم الديزل وغاز الطهي، لأسباب مُبررة، منها أن البنزين يتم تهريبه إلى دول الجوار، كما أن الذين يملكون السيارات لا يتجاوزون «2%» من الشعب، يُمكن أن يتم دعم وقود الديزل باعتبار أن هنالك مصانع ونقل للبضائع، وترحيل، وبالتالي يتم استخدامه لعامة الشعب السوداني”.

ومضى قائلاً: «أكثر من ذلك أن هنال مشكلة أكبر وهي أن مسألة النقل الطارئ أو أصحاب المركبات الخاصة أصبح كثير مِنهُم يسترزقون من خلال عملهم كسائقي أجرة، وهذا يتم من خلال دعم الوقود المدعوم، وأنا لم أعطيك الوقود المدعوم حتى تتربح من ورائه، بل لأجل تقضية أقراضك كخدمة تقدمها لك الدولة، وهذا في نفس الوقت الذي يأخذون الوقود مدعوماً ولا يدفعون ضرائب مقابل لذلك».

الدولة العميقة

إلى ذلك قال القيادي في قوى الحرية والتغيير، نور الدين صلاح، لـ (دارفور 24) إن رفع الدعم سيكون الحل الجذري، مضيفاً “من المفترض أن يتم الرفع بالتوازي مع قرارات مثل هذه يفترض وضع معالجات للآثار السلبية التي ستواجهها الشرائح الضعيفة في المواصلات والسلع”.

وأوضح أن الدولة تتحمل حالياً فوق طاقتها بسبب دعم اللسلع الاستراتيجية من خبز ومشتقات بترولية وأدوية، وأن قرارات وزير الطاقة حول الأزمة تعد مُجرّد مُسكنات وحلول إسعافية.

وتابع “الحكومة وقوى الحرية والتغيير تحتاجان إلى الشجاعة حتى في مخاطبة الشعب بحقيقة الوضع الاقتصادي، لأن الحلول الوقتية لن تقود البلاد إلى الأمام، وتُعيدنا إلى سياسات النظام البائد”.

وأكد نور، أن الدولة العميقة موجودة خارج المؤسسة الرسمية، خاصةً بعد القرارات الآخيرة الخاصة بحل وتفكيك حزب المؤتمر الوطني، ما يجعله يلجأ إلى افتعال الأزمات خصوصاً الاقتصادية.

وأعتبر العطل الذي اصاب أنبوب النفط تقف ورائه الدولة العميقة لجهة أن جميع التفسيرات التي تم تقدمها تؤكد أن العطل ليس طبيعياً، حسب قوله.

وزاد “نحن بحاجة إلى عدم التعامل مع الدولة العميقة باعتبارهم أصحاب، الدولة العميقة يُمكن أن تكون عبارة عن ثقافة، خصوصاً ان بعض القوانين تُقنّن حالات الفساد، كما ان هنالك ممارسات لا علاقة لها بالشفافية التي يفترض أن تكون في الدولة”.

ورهن نور، إمكانية التخلص من الدولة العميقة بالإصلاح المؤسسي والشفافية والتخلي عن المنهجيات السابقة، مضيفاً “يفترض وجود خطط تشغيلية واستراتيجية”.