أحدثت عملية قمع التظاهرات التي شهدتها العاصمة السودانية الخرطوم، الخميس الماضي، حالة من الربكة في المشهد السياسي للبلاد، داخل الحكومة الانتقالية، خاصةً أنها جاءت في ظل وثيقة دستورية كفلت للجميع حق حرية التظاهر، وهو ما جعل البعض ينبهون إلى أن هنالك خطراً حقيقياً يُهدد ثورة ديسمبر المجيدة أكبر من خطر الدولة العميقة.

وأعلنت وزارة الصحة الاتحادية بالسودان، الخميس الماضي، عن إصابة 51 شخصاً بسبب استخدام العنف المفرط من قوات الشرطة خلال تفريغها لآلاف المحتجين الذين تجمعوا في محيط القصر الرئاسي احتجاجاً على إحالة ضباط بالجيش إلى المعاش، معتبريين إحالتهم بمثابة تصفية لمناصري الثورة داخل الجيش.

حق مشروع

وأكد الفريق شرطة صديق إسماعيل، في تصريح لـ «دارفور 24»، أن المواكب والمسيرات حق مشروع وارد في الوثيقة الدستورية، إلا أن القانون هو الذي يُنظّم هذه الممارسة، وهذه المُهمة أُوكلت للشرطة بموجب قانون الاجراءات الجنائية، والقانون المُتفق عليه يلزم من يرغب في عمل أي تجمع أو مسيرة أو موكب أن يتقدم بطلب إلى الشرطة لمنح الإذن، وهذا ليس بغرض مُصادرة حقه لكنه بغرض التنظيم حتى لا تتعارض مصالح بعض الأشخاص وتحدث احتكاكات.

ورأى الفريق صديق، أن الذين نظموا هذا الموكب رفضوا الحصول على تصديق اعتماداً على الإعلان الدستوري وهو مخالف للقانون لكن بالرغم من ذلك خرجت الشرطة لتنظم هذا الموكب وتحميه وسايرته إلى أن وصل إلى مشارف القصر الجمهوري، وتدخلت الشرطة للحيلولة دون المواطنين والاعتداء على القصر الذي تحرسه القوات المسلحة وقوات الدعم السريع والتي من حقها التصدي إلى أي محاولة تخريب باستخدلم القوة التي تراها، وهو ما نتج عنهُ في النهاية إلى احتكاك بين الشرطة والمواطنين، كما أن الشرطة تعرضت لاعتداء سافر من المواطنين في ممتلكاتهم وأرواحهم ، فأكثر من 60 فرداً من الشرطة أصيبوا بمختلف الرُتب بمجرّد أنهم كانوا ينظموا هذه المسيرة ويحلوا بينها وبين أي احتكاك، وهي أكثر استعداداً لمواجهتهم.

وقال إن الشرطة قامت بما يجب أن تقوم به وفقاً للقانون، وبحضور النيابة العامة في مسرح الأحداث، وهي لم تستخدم إلا ما لم يكفله لها القانون من قوة متاحة، ولم تستخدم أي زخيرة حيّة ولم تُصيب أحداً من النار رغم جسامة الاعتداء على أفرادها، مؤكداً أن الشرطة قامت بواجبها، ومضى قائلاً: إذا كان هنالك أي تجاوز فهذا أمر يحكمه القانون، ولكن ليس باستهداف الشرطة والإساءة لها والتشهير بها كما يحدث الآن.

خطأ الثورة

وعدّ خروج المواكب تضامناً مع الضباط الذين ساندوا ثورة ديسمبر وتمت احالتهم للمعاش، خطلاً، لكونه ضابط في القوات المسلحة، وهنالك قانون ينظم دخول الأفراد إلى القوات المسلحة وخروجهم منها، وإذا كان هنالك تجاوز أو اعتداء على حقهم فيوجد قضاء، ومضى قائلاً: «أنا تعرضت لذلك وأخذنا حقوقنا بموجب القانون»،

وأشار الفريق صديق، والذي يشغل منصب نائب رئيس حزب الأمة الذي يتزعمه الصادق المهدي، إلى أن لجنة التحقيق شابها خطأ كبير جداً من رئيس مجلس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك، لأن النائب العام يعتبر طرفاً أساسياً في هذه العملية، فقد كان موجوداً في مسرح الأحداث، وسبق الأحداث بأصدر بيان أدان خلالها استخدام قوة مفرطة وكأنما هو يُدين الطرف الآخر (الشرطة)، وبالتالي فقد الحيادية، بالإضافة إلى أنه شريك في الذي حدث باعتباره كان موجوداً في مسرح الأحداث، ولذلك فإن الوضع الطبيعي في تشكيل اللجان في مثل هذه الحالات هو للقضاء (قاضي من المحكمة العليا) يتولى التحقيق، وهو الذي يفصل بين الأجهزة التنفيذية، وهو الذي يُلزم النيابة العامة والشرطة.

انتكاسة

وقالت قوى إعلان الحرية والتغيير، الخميس الماضي، إن قوات الشرطة مارست نهجاً قمعياً تجاه الثوار السلميين في مليونية «رد الجميل» ممارسين لحقهم في التعبير والتجمهر، احتجاجاً وتقويماً لمؤسسات السلطة الانتقالية، مُعتبرين مسلك الشرطة في التعدي على الثوار، انتكاسة في مسار الثورة داعيةً للتعامل معها بجدية وحسم، مُطالبةً مجلس الوزراء بمساءلة وزير الداخلية ومدير الشرطة بصورة مستعجلة، كما طالبت مؤسسات السلطة الانتقالية للانتباه للخطر المحدق بالبلاد، محذّرةً من إمكانية استثمار مثل هذه الفرص من قبل المندسين.

وبالمقابل فقد دعا تجمع المهنيين السودانيين، إلى إقالة وزير الداخلية ومدير عام الشرطة، حيثُ تسمح سلطات حمدوك واستنادا لسلطاته التي خولتها له الوثيقة الدستورية وقانون الشرطة بالإقالة الفورية لتلك القيادات.

تطبيق الديمقراطية

بدوره، لفت الخبير العسكري اللواء عبدالرحمن أرباب، في حديثه لـ«دارفور 24»، إلى أنه وبعد ثلاثون عاماً من الحكم غير الديمقراطي لحكومة الانقاذ البائدة للسودان، يأتي حُكم ديمقراطي، زد على ذلك أن الشاباب الحالي الذي يريد ممارسة الحُكم الديمقراطي لم يطبقوا ولم يشاهدوا حُكم الديمقراطية فقط تعلموه نظرياً، وحالياً بدأ الشباب في تطبيقه إلا أن التطبيق ستشوبه أخطاء يجب معالجتها، فمن حق الجميع الاحتجاج والتعبير على شرط ألا يُحدث تخريباً، مع تحديد الزمان والمكان بواسطة الشرطة لتُحافظ بدورها على ممتلكات وأرواح المواطنين وقبلهم القائمين بتلك المواكب.

وقال إن تلك المواكب خرجت لأجل مناصرة ضباط بينهم من ترى أنه «أيقونة الثورة»، مؤكداً في الوقت ذاته أن هنالك حاجة ماسة إلى مجلس تحقيق حول هل كان هنالك إفراط في القوة أم قوة متوازنة كان لابد من استخدامها؟، ومن ثم يُحاسب المخطئ، وعموماً الشباب بحاجة إلى توعية من قيادتهم في التعبير دون إغلاق للشوارع وحرق «اللساتك» لكونها تعود بمشاكل للمتظاهرين وأهلهم وحتى أنفسهم.

وأضاف: أما بخصوص الضابط فإن قانون القوات المسلحة يحدد بقاء الضابط من عدمه، ولا توجد أي جهة أخرى تُحدد، والقوات المسلحة حددت أخطاء الملازم أول مظلي محمد صديق، كما أنه لم يحدث منذ الاستقلال «1959م» أن مجموعة احتجت على إقالة أي عدد، فالقانون واضح للضباط، والذي يعلم أسباب إنزاله للمعاش، وبعد ذلك يُمكن للمتظلّم فهنالك قنوات لإرجاع حقوقك، ويمكن للضباط اللجوء للمحكمة الدستورية، وهنالك ضباط في مناطق العمليات وغيرها ظُلموا إبان حكومة المخلوع عمر البشير، أكثر من محمد صديق، وعموماً نحتاج للتوعية بقانون القوات المسلحة والشرطة والأمن، ليعرف الجميع واجبه ونتجنّب المشاكل وفقد الأرواح، كما يجب توعية الشرطة، وأعود وأقول: «إذا خرجنا الشارع لنطالب بعودة الضابط الفلاني، هل بهذه الطريقة سنمتلك جيش؟، وإذا تمسّكت الحكومة بعودته وأنا كنت رئيساً لمجلس السيادة فسأقدم استقالتي، فالجيش مربوط بالإنضباط، رغم أن البعض يربطه بالخدمة المدنية، فوظيفة الجيش خاصة والتعامل معهُ خاص».

واعتبر أرباب، المطالبة بإقالة وزير الداخلية ومدير عام الشرطة ومدير شرطة ولاية الخرطوم، مطالبة «سياسية»، ومضى قائلاً: «عندما ينتهي التحقيق سيتضح المُخطئ، ومن ثم تحديد من يتم إقالته».