طفل لا يتجاوز عمره 14عاماً يحضن حذاء، ويبكي بصوت عالي، لم يلفت انتباهي، لمظنة إنه تحت تأثير مخدر يسمى (الدقة منو) وما أكثر انتشار المخدرات في مناجم سنقو للتعدين عن الذهب، ولاحقا اتضح انه يبكي على شقيقه الذي انهارت عليه بئر طولها أكثر من 40 متراً ولم يترك سوى حذائه الذي يحتضنه شقيقه الباكي.

ويواجه المعدنون عن الذهب في مناجم منطقة سنقو، التابعة لولاية جنوب دارفور، مخاطر كبيرة تصل الى الموت داخل الآبار والإصابة بالأمراض القاتلة، حسب ما جولة “دارفور 24” داخل المنجم.

ويعيش المعدنون في بيئة صحية متردية لانتشار فضلات الإنسان بالقرب من المساكن واختلاطها بماء الوديان التي يشربون منها، بجانب استخدام مادتي الزئبق والسيانيد لاستخلاص الذهب مع آثارهما على الإنسان والبيئة.

ويتعرّض المعدنين للإصابة مثل قطع الأطراف او جراح عميقة بفعل الآليات التي يستخدمونها في التنقيب، وانهيار الآبار من وقت لآخر على رؤوسهم في عمق 50 متر تحت الأرض لتصبح الآبار مقابر لهم.

وأكد معدنون “لدارفور 24” أن آخر حادثة انهيار بئر راح ضحيتها ثلاثة أشخاص في منجم “ضرابة”. مشيرين إلى أن هنالك مخاطر تتمثل في عصابات النهب المنتشرة ما بين منطقة “غبيبيش وايلبو”.

تتبع المنطقة إدارياً لمحلية الردوم التابعة لولاية جنوب دارفور على بعد 286 كليو متر عن مدينة نيالا، وتعتبر جزء مهم من محمية الردوم الاتحادية أو حظيرة الردوم.

وتقع منطقة سنقو في أقصى الطرف الغربي لجنوب دارفور على المثلث الحدودي بين دول السودان ودولة جنوب السودان وأفريقيا الوسطى.

وحتى وقت قريب كانت المنطقة عبارة عن قرية لا يتجاوز عدد منازلها نحو 20 منزلاً، لا تعترف بوجودها على الخريطة جغرافية المناهج، بينما يعترف بوجودها أصحاب مزراع المخدرات التي لا تبعد عنها كثيراً.

وتحولت المنطقة اليوم إلى مدينة تكتظ بالسكان بعد ظهور الذهب في أكثر من ثلاثين منجم تحيط بالمنطقة، أشهرها مناجم “أغبش، سرفاية، كسرة، جمانة، ضرابة”، كما ظهرت مناجم جديدة سميت بأسماء مكتشفيها مثل “منجم ود نيالا ود الفاشر، الفلاتي، الكلكلة، بنقو”. وتتضم هذه المناجم عشرات الآلاف من المعدنيين.

يقول المعدن الأهلي بمنجم سرفاية، الحاج الهادي، “لدارفور24” إن المعدنين يواجهون مخاطر كثيرة في الحصول على الذهب، من خلال تتبع خط الذهب في الآبار الى عمق 50 متر تحت الأرض، حيث يصعب التنفس الطبيعي داخل البئر وتتم الاستعانة في توفير الأوكسجين بواسطة مروحة تعمل بواسطة وابور مولد كهربائي على سطح الأرض.

وأضاف “إذا تعطل الوابور سيموت الشخص داخل البئر في الحال لانعدام التنفس، كلما زاد عمق البئر يجعل أرضها هشه قد تنهار بفعل الحفر، بالإضافة إلى قرب الآبار يجعلها قابلة للانهيار، مضيفا “لذلك يكثر الانهيارات في المنجم ليموت العشرات من المعدنين في الأسبوع”.

كما يصاب المعدنون الذين يعملون في طواحين استخلاص الذهب الهوائية بأمراض الصدر بسبب الغبار الناتج من عملية طحن الحجارة. وتابع “ومن المخاطر على ظهر الأرض وجود ثعابين قاتلة، هذه الثعابين خطورتها تكمن في إنها تنتقم في حال قتل معدن لأحدها، فيمكن لها أن تهاجم المسكن لذا لجأنا الي تفادي قتلها، إذا صادف معدن ثعبان على الطريق يتركه يعبر دون أن يلسمه وبهذه الطريقة قللنا من مهاجمة الثعبان”.

وأضاف “لا يمر اسبوع دون أن تنهار بئر تنقيب على معدنيين وفي منجم ضرابة قبل اسبوع انهارت بئر على ثلاثة اشخاص ماتوا في الحاصل” وقدّر الحاج إعداد القتلى في الشهر بسبب انهيار الآبار او لدغات الثعابين ما بيت 10 الى 20 شخص في الشهر .

وتعاني المنطقة كذلك من العطش وخاصة في امتداد خطوط المناجم لبعد أماكن الماء، وتباع جركانة الماء بمائة جنيه، الأمر الذي يجعل أهل المناجم البعيدة يستغنون عن غسيل الملابس والاستحمام.

ولاحظ مندوب “دارفور 24” وجود مشاكل صحية من خلال غياب المراكز الصحية، مع وجود تجار أدوية يبيعونها بلا روشتات وبأسعار خرافية مثل شريط البنادول (أربعة حبات) بنحو 30 جنيه.