منذ العاشرة صباح اليوم الجمعة يجري رئيس أركان الجيش الأثيوبي مباحثات مكثفة في العاصمة السودانية الخرطوم، مع قيادة الحكومة الانتقالية وقيادات الجيش السوداني، بعد توترات أمنية وحشود عسكرية على الحدود بين البلدين.

وابتدر رئيس أركان الجيش الأثيوبي مباحثاته بلقاء مع نظيره السوداني، ثم لقاء ثاني مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وينتظر ان يلتقي رئيس مجلس السيادة، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، مساء اليوم.

ويشهد شرق السودان خصوصاً الشريط الحدودي مع أثيوبيا عند مناطق “دوكة والقلابات والفشقة” هذه الأيام توترات أمنية في أعقاب نشر الجيش السوداني لفرقة عسكرية قوامها لواء في المنطقة، وذلك بعد تزايد هجمات العصابات المسلحة المسماه “الشفتة” الأثيوبية.

وفي مارس الماضي فقد الجيش السوداني إثنان من جنوده في اشتباكات مسلحة مع عصابات الشفتة الأثيوبية في المنطقة، بعد مهاجمة العصابات لقرية (شرق العطبراوي) داخل الحدود السودانية وقيامها بسرقة عدد من الأبقار، بحسب بيان للجيش يومها.

وقام رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، يوم الأربعاء برفقة عدد من قادة الجيش ومدير جهاز المخابرات العامة، بزيارة مفاجئة إلى منطقة دوكة الحدودية، وتفقد القوات المنتشرة هناك، وظهر البرهان وسط القوات مرتدياً البزة العسكرية، مما أثار المخاوف من وقوع خطوات تصعيدية في المنطقة.

لكن الصحفي المختص في شأن شرق السودان، صالح عمار، يقلل من احتمال وجود تصعيد عسكري مع أثيوبيا لجهة أنه لا يوجد تهديد كبير على أرض الواقع يستدعي التصعيد حسب متابعته، ويضيف “ومع ذلك زيارة البرهان وهو يرتدي البزة العسكرية كان مفاجئة بالنسبة لي”.

وقال عمار لـ (دارفور 24) إن صراع الحدود مع اثيوبيا ليس بالشيء الجديد فهو صراع تاريخي يعود لمئات السنين ويستحق من الحكومة السودانية ان توليه اهتمام أكبر، مشيراً إلى أن الحكومات السابقة لم تتعامل معه بالأهمية المطلوبة على الرغم من عظم الأحداث التي وقعت على الأرض هناك.

وأشار إلى احتلال اثيوبيا لمئات الألاف من الأفدنة الزراعية الخصبة في مناطق سودانية إضافة إلى قتل عصابات الشفتة لعشرات المزارعين والرعاة السودانيين، مضيفاً “هذا ملف يستحق أهمية كبرى”.

وأكد عمار أن المفاجأة في أن التصعيد الحالي جاء بدون تسلسل لوقوع أحداث على الأرض، مردفاً “ملف الحدود لابد ان يتم التعامل معه برؤية واضحة واستراتيجية تركز على إعادة كل الأراضي الزراعية المحتلة وفي نفس الوقت الاحتفاظ بعلاقة جيدة مع اثيوبيا”.

ويستبعد صالح عمار أن ترد أثيوبيا بتصعيد مواز من خلال نشر قوات عسكرية على الحدود مما يساهم في تأجيج الوضع على الأرض، مضيفاً “اثيوبيا دولة قدر عالى من الذكاء السياسي وما أظن تمشي على حرب مع السودان، اتوقع ان تتبع كل الأساليب السياسية لتفادي اي مواجهة عسكرية مع السودان”.

قال رئيس المجلس السيادي في السودان، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، إن القوات المسلحة لن تتراجع عن حماية حدود البلاد كما انها لن تسمح بالتعدي على الأراضي السودانية.

وقال البرهان في بيان، نشره الإعلام العسكري عقب زيارته لمنطقة (دوكة) “لا تراجع عن حماية حدود السودان، ولن نسمح بالتعدي على أراضينا”، مؤكداً أن القوات المسلحة جاهرة لحماية البلاد وحراسة حدودها، وهذا واجبها المقدس الذي لن تفرط فيه أبدًا. وأشار البيان إلى البرهان تلقى تنويرا بمقري قيادة الفرقة الثانية مشاة وقيادة اللواء السادس مشاة؛ عن الأوضاع الأمنية بالبلاد.

وكان الجيش السوداني بدأ يوم 28 مارس الماضي نشر لواء وتمكن من عبور نهر عطبرة متوغلاً في منطقة “الفشقة الصغرى” منتشراً حتى منطقة “خور حرة” على الحدود الدولية مع أثيوبيا.

وقال المتحدث باسم الجيش السوداني، العميد ركن عامر محمد الحسن، إن نشر القوات الذي تم مؤخراً في المنطقة يعود لحفظ الأمن ويقع ايضاً ضمن الاجراءات الاحترازية التي اتخذتها حكومة السودان في مجابهة جائحة فايروس كورونا المستجد. وأضاف الحسن، في تصريح صحفي  يومها أن “نشر القوات أيضا لتأمين المنطقة من النزاعات التي تحدث بين المزارعين عند بداية التحضير للموسم الزراعي”.

يقول الخبير المختص في شؤون النزاعات الحدودية، الدكتور عباس التجاني، لـ (دارفور 24) إن التصعيد الحالي سيجبر دولتي السودان وأثيوبيا على الذهاب بجدية إلى ترسيم الحدود بين البلدين، لجهة أنه الخيار الأوحد لتفادي اي مواجهات عسكرية.

وأوضح أن قضية أراضي الفشقة ليس بالجديدة ووصلت اليوم لاحتلال العصابات الاثيوبية نحو مليون فدان داخل الأراضي السودانية الخصبة، موضحاً أن الجانب الأثيوبي لا يرغب في اكمال عملية ترسيم الحدود على نحو ما بدأ خلال افترة الماضية.

وأضاف “اثيوبيا تارة تستخدم أساليب عاطفية بأن السودان دولة شقيقة لا تؤثر قضايا الحدود في العلاقات، لكن في الواقع المزارعين الاثيوبيين مستفيدين من هذه الوضعية”.

ويستبعد التجاني وقوع اي مواجهات عسكرية بين السودان واثيوبيا لجهة أن تداعياته ستكون مكلفة جداً على منطقة الاقليم كلها، مضيفاً “سيذهب الطرفان إلى عملية ترسيم الحدود ولا خيار أو نشر قوات محايدة بين الطرفين”.

ويتعدي المزارعون الاثيوبيين بصورة يومية على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية السودانية، وحسب أخر احصائية للمزارعين هناك فان التمدد في منطقة الفشقة الصغري وحدها تجاوز الـ (90%) من الاراضي الخصبة، يصاحب ذلك نشاط محموم لتجارة المخدرات والبشر وتهريب السلاح.  وحسب السكان المحليون فإن إنعدام الأمن وخلو المنطقة من نقاط القوات النظامية أستحالت معه لبؤر إجرامية بمسافة “250” كيلو متر هي الحدود المشتركة بين السودان واثيوبيا.

وحسب إحصائية غير رسمية فإن الاراضي المغتصبة بواسطة الاثيوبيين وصلت لحوالي مليون وثمانمائة ألف فدان، تتوزع في مناطق “الفشقة الكبرى، الفشقة الصغرى، جنوب القضارف “الصعيد”، ومنطقة حظيرة الدندر”.

كما ان مناطق مثل “تاية” السودانية و”أم دبلو” تحولت لمدن اثيوبية بعد طرد المواطنين والمزارعين التجار في هجمات الاثيوبيين عليهم، فيما يشير مبارك النور لإنشاء قرى اثيوبية داخل الحدود السودانية مثل قرية “قطر آن – سفاري- برخت”.