بعد اسبوع من اندلاع النزاع بين قبيلتي الفلاتة والرزيقات الذي راح ضحيته أكثر من 40 قتيل من عدة مناطق بالولاية، حملت الحكومة الطرفين على التوقيع على وثيقة لوقف العدائيات على خلفية الاستجابة السريعة لقوات الدعم السريع عبر متحرك استعادة الحق الذي نشر قوات قوامها 500 عربة قتالية بقيادة الفريق عبد الرحيم دقلو قائد ثاني الدعم السريع لوقف اعمال القتل والنهب التي مارسها مسلحون من عدة قبائل على نطاق واسع بالولاية مستغلين الانفلات الأمني الذي خلفه النزاع.

* انطلاقة الشرارة

وبحسب شهود عيان تحدثوا لدارفور24 فان شرارة النزاع اندلعت بقرية صغيرة شمال مدينة تلس بسبب اتهام مجموعة من شباب قبيلة الفلاتة ثلاثة شبان من قبيلة الرزيقات كانوا عائدين من سوق احدي القرى في ساعات الليل بمحاولة تنفيذ جريمة سرقة بالمنطقة، ومن ثم اقتادوهم الى اعيان القرية بعد ان ابرحوهم ضرباً، وذكر الشهود ان في اليوم الثاني جاء اهالي قبيلة الرزيقات لإطلاق سراح ابنائهم وفي اثناء الجلوس مع اعيان القرية من قبيلة الفلاتة، اطلقت مجموعة مسلحة النار بكثافة على الطرفين ما اسفر عن مقتل عدد منهم، فتطورت المشكلة الى هجوم على بادية الفلاتة بعدد من المناطق وتمت عمليات نهب واسعة للمواشي.

* قتل ونهب

ويقول الحاج ابراهيم من منطقة ابوجابرة بالقرب من مدينة قريضة حوالي 70 كيلو متر من عاصمة الولاية نيالا، ان سكان القرية تفاجأوا بهجوم لمسلحين يمتطون سيارات الدفع الرباعي والجمال فقتلوا 9 اشخاص نهبوا آلاف الابقار وفروا بها، واوضح ناظر الفلاتة يوسف السماني ان مسلحين من عدة قبائل استغلوا الحادثة وانتشار بوادي قبيلة الفلاتة بجميع ارجاء الولاية وقاموا بعمليات نهب واسعة لمواشي الفلاتة، وقال الناظر “لو كانت لي سلطة على جمع اهلي في منطقة واحدة حتى لا يتعرضوا مجدداً لمثل هذا الاعتداء لجمعتهم” منبهاً الى ان قبيلته تعد واحدة من اغنى القبائل الرعوية بالسودان ويمتد نشاطها الرعوي الى دول الجوار، وذكر ان الاموال والممتلكات التي تم نهبها تقدر بعشرات الآلاف من رؤوس المواشي.

* تصريحات متضاربة

لطبيعة هذا النزاع واختلافه عن كل الصراعات القبلية التي شهدتها دارفور طيلة تاريخ القتال القبلي بدارفور، بتركيزه على نهب المواشي، وفي توقيت واحد وفي عدة مناطق جاءت تصريحات الحكومة متضاربة باتهام والي الولاية اللواء هاشم خالد عدد سبعة قبائل بالضلوع في قتال قبيلة الفلاتة، وبرر اتهامه بوجود عداءات قديمة بين هذه القبائل وقبيلة الفلاتة- على حد زعمه- لكن هذه التصريحات وجدت انتقادات واسعة من مجتمع الولاية، واصدرت عدد من القبائل بيانات تنفي ضلوعها في النزاع، بينما برأ ممثل اصحاب المواشي المنهوبة اثناء مخاطبته حشداً من المواطنين واعيان قبائل الفلاتة والرزيقات وبني هلبة والقمر بمحلية كتيلا بحضور قائد متحرك قوات الدعم السريع الفريق عبد الرحيم حمدان دقلو ووالي جنوب دارفور برأ القبائل من جريمة نهب مواشيهم، وقال ان المواشي التي استعادتها قبيلة بني هلبة والتي تقدر بنحو 10 آلاف رأس هي كانت في حماية مسلحي بني هلبة في منطقة، وابان ان عشرات الأسر فرت بمواشيها الى محلية عد الفرسان بحثاً عن الأمان واستقبلهم سكان المنطقة ووفروا لهم الحماية من المسلحين الذي يلاحقونهم، ودخل المسلحون في اشتباك مع اهالي المنطقة ادى الى مقتل شخص من اصحاب المواشي، وفي تصريحات لاحقة اتهم قائد ثاني الدعم السريع ووالي جنوب دارفور طرفاً ثالثاً- لم يفصحا عنه- بإشعال نار الفتنة بين الفلاتة والرزيقات.

* متحرك استعادة الحق

وفي المقابل كثف متحرك “اعادة الحق” ملاحقة المسلحين الذين نهبوا المواشي وتفرقوا في ارجاء واسعة من الولاية وتمكنت القوات من اعادة ما يقارب “5” ألف رأس تم نهبها من منطقة ابوجابرة والبوادي المجاورة لها، بالاضافة استعادة “100” رأس اخرى تم نهبها من منطقتي “حجير تونو وسانية دليبة” التي شهدت هجوم راح ضحيته نحو 4 اشخاص من رعاة قبيلة الفلاتة، وقال والي جنوب دارفور ان القوات تمكنت من استرداد ابقار من مناطق محلية نتيقة في الحدود مع ولاية شرق دارفور، واخرى من محلية الوحدة الحدودية مع ولاية شمال دارفور، بالاضافة الى ضبط نحو 200 رأس بمنطقة بلبل تمسبكو 50 كيلو متر غربي مدينة نيالا، لكن قيادة قبيلة الفلاتة تؤكد ان ما تمت استعادته ليس سوى جزء ضئيل من المواشي التي تم نهبها.

* بلاغات كاذبة

وطالبت قوات الدعم السريع من الاهالي الذين تعرضت مواشيهم لعمليات النهب بالتبليغ الفوري حال معرفة الاماكن التي تتواجد فيها مواشيهم، وفي ذلك يقول الضابط المسئول عن تلقي البلاغات بمقر قيادة الدعم السريع في نيالا انهم يتلقون في اليوم عدة بلاغات، ويتم الاستجابة لها بصورة فورية، بإرسال قوات كافية الى الموقع الذي يرد إليهم في البلاغ لاستعادة المواشي والقبض على المتفلتين الذي قاموا بعملية النهب، لكنه ذكر ان هناك بلاغات كاذبة او غير دقيقة المعلومات تسببت لهم في ارهاق كبير، حيث يتم ارسال القوات الى الموقع المحدد ولم تجد المواشي المبلغ عنها، وتضطر القوات الى اجراء عمليات تمشيط واسعة لمسافات طويلة لكنها تفشل في الوصول الى المواشي.

* اربع مهام

ويقول الفريق عبد الرحيم دقلو قائد ثاني الدعم السريع الذي يقود متحرك “استعادة الحق” من رئاسة محلية تلس ان قوات المتحرك تبلغ 500 سيارة قتالية تم نشرها بجميع ارجاء الولاية للقيام بمهام اعادة الاموال المنهوبة الى اصحابها، واعادة الاستقرار الامني والطمأنينة لمواطني الولاية خاصة المناطق التي شهدت النزاع، والقبض على المتورطين في الاحداث ونهب الاموال، وتقديمهم الى محاكمات فورية، فضلاً عن جمع السلاح من ايدي المواطنين، وذكر دقلو انه سيبقى في تلس وان المتحرك لن ينهي مهمته الا بعد ان يكمل كل مهامه.

* جمع السلاح

وتمثل قضية انتشار السلاح في ايدي المواطنين أكبر تحدياً يواجه الحكومة، وواحدة من الاسباب التي تقود الى اندلاع النزاعات المسلحة بين القبائل لأبسط الاسباب، حيث تمتلك بعض القبائل بدارفور ترسانة اسلحة بكل انواعها الثقيلة والخفيفة والمتوسطة، وتعهد قائد ثاني الدعم السريع الفريق عبد الرحيم دقلو بجمع السلاح من جميع القبائل بذات الجدية التي تعاملت بها قوات الدعم السريع مع النزاع بين الرزيقات والفلاتة، وقال مخاطباً اعيان عدد من القبائل في لقاء جماهيري بمدينة نيالا “انا اتفهم انكم غير مرتاحين لجمع السلاح، وخائفين يتم جمعه من بعض القبائل ويترك لدى قبائل اخرى” واضاف “اوعدكم ان الحملة ستشمل كل القبائل وقواتنا ستهجم على كل القبائل في توقيت واحد” واردف “ان اردتم جمع السلاح بالتي هي احسن او بالتي هي اخشن” وقطع عبد الرحيم بأنه لولا ثورة ديسمبر وانشغال الدعم السريع بتغيير النظام الذي تزامن مع انطلاقة حملة جمع السلاح لما تركت قطعة سلاح في ايدي المواطنين.

* وقف العدائيات

في الاثناء جرت مساعي اهلية بواسطة لجنة مشتركة من اعيان قبيلتي الفلاتة والرزيقات بالخرطوم، دفع بها عضو مجلس السيادة الفريق اول ممد حمدان دقلو وزعماء الادارة الاهلية بالولاية، توصلت الى اتفاق لوقف العدائيات بين الطرفين، ونص الاتفاق علي وقف كافة الاعمال العدائية فوراً في كل الجهات، وتأمين حياة المواطنين كافة، وتكثيف الجهود الرامية لرد الاموال المنهوبة، وملاحقة المتورطين في تفجير النزاع والقبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة، كما نص الاتفاق على مطالب منها: صيانة موارد المياه التي تأثرت بالنزاع، وحفر مصادر مياه شرب جديدة بصورة عاجلة، لتوفير المياه للمجموعات الكبيرة التي اضطرت الى إخلاء “مصايفها” بسبب هذا النزاع.