قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم الأربعاء إن الحكومة الانتقالية السودانية لم تُحقّق العدالة بعد للضحايا والأسر، بعد عام من مقتل أكثر من 120 شخصا وإصابة المئات وإساءة معاملتهم في هجوم عنيف على المتظاهرين في الخرطوم.

وفي الساعات الأولى من 3 يونيو 2019، طوقّت قوات الأمن مقر الاعتصام امام قيادة الجيش وفضّت المحتجين بعنف، وأطلقت الذخيرة الحية مباشرة على المتظاهرين، وقتلت وجرحت العشرات، وعرّضت آخرين للضرب المبرح والاغتصاب والاعتداء الجنسي والإذلال وغيرها من الانتهاكات.

وينتظر ان تقدم لجنة التحقيق المستقلة برئاسة نبيل أديب، نتائجها إلى النائب العام في الأسابيع المقبلة، بعد شهور من التحقيق في أحداث فض الاعتصام.

وطالبت “هيومن رايتس ووتش” السلطات بأن تضمن نشر النتائج وتزويد النيابة العامة بالموارد اللازمة لمتابعتها، بما فيه توجيه الاتهامات إلى المسؤولين في أعلى المستويات.

وقالت جيهان هنري، مديرة قسم شرق أفريقيا في “هيومن رايتس ووتش: “بعد مضي عام، تلقى ضحايا الحملة الدموية الكثير من الوعود لكنهم لم يروا بعد أي شكل للمساءلة، ينبغي نشر التقرير النهائي للجنة التحقيق علنا لضمان الشفافية الكاملة، يتعيّن على مكتب النائب العام ملاحقة المسؤولين، حتى لو كانوا أعضاء في المجلس السيادي الحاكم”.

وقالت هيومن رايتس ووتش إن بحثا أجرته في أغسطس 2019، أكد أن 120 شخصا على الأقل قُتلوا وأصيب أكثر من 900 بين 3 و18 يونيو.

وأكدت أن الجرائم والانتهاكات المرتكبة أثناء الحملة قد توصف بأنها جرائم ضد الإنسانية لأنها جزء من ممارسة حكومية طويلة الأمد في استخدام القوة المفرطة، بما فيها القوة القاتلة ضد المتظاهرين العُزّل.

وفي سبتمبر الماضي أنشأت السلطات السودانية لجنة تحقيق في الأحداث قائلة إن النائب العام العام سيكون قادرا على استخدام الأدلة والنتائج في المحاكمات الجنائية.

وواجهت لجنة التحقيق في فض الاعتصام انتقادات واسعة لبطء وتيرتها وافتقارها إلى اشفافية والاستقلالية، كما أدى افتقارها إلى الخبرة في مجال العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي إلى ادعاءات بأنه لا يمكن لضحايا العنف الجندري الوصول إلى اللجنة، وأنها تفتقر إلى الموارد لتقديم حماية الشهود أو الحفاظ على الأدلة بما يتماشى مع المعايير الدولية.

وقالت سعدية سيف الدين، الناطقة باسم جمعية أسر الضحايا لـ “هيومن رايتس ووتش”: “بعد عام، ما زالت العدالة متأخّرة ومعلّقة، لا نريد أن يضيع دم شهدائنا عبثا، نريد العدالة لهم لتكون ركيزة بلادنا الجديدة، حيث لا ينبغي أن تحدث مثل هذه الانتهاكات مرة أخرى”.

وذكرت المنظمة أن مصادر وشهادات متعددة أكدت أن “قوات الدعم السريع” قادت الهجمات القاتلة على المتظاهرين في 3 يونيو والأيام التالية.

وقال نبيل أديب، رئيس لجنة التحقيق التي عينتها الحكومة، لوسائل الإعلام إن اللجنة ستقدم تقريرا إلى النائب العام بعد رفع القيود المتصلة بفيروس “كورونا”.

قالت هيومن رايتس ووتش إن التقرير الذي طال انتظاره وإجراءات المتابعة التي سيتخذها النائب العام ينبغي أن تكون شفافة وعلنية، وينبغي أن ينظر النائب العام فيما إذا كانت الجرائم المرتكبة قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية وما إذا كان يمكن تحميل القادة المسؤولون في ذلك الوقت المسؤولية الجنائية.

وأضافت “على النائب العام، في حدود صلاحياته بموجب قانون النيابة العامة لسنة 2017، مراجعة نتائج لجنة التحقيق، مسترشدا بأفضل الممارسات الدولية والإقليمية في التحقيق في الجرائم الخطيرة وملاحقتها، إذا لزم الأمر، عليه أن يوجّه المدعين العامين لاتخاذ أي خطوات ضرورية أخرى، مثل جمع أدلة إضافية واستجواب واتهام مزيد من المشتبه فيهم”.

وأوضحت هيومن رايتس ووتش إن المرحلة الانتقالية في السودان لا تزال هشة، مع تقدم ضئيل أو معدوم في إنشاء اللجان المتصورة لإصلاح القوانين، أو العدالة الانتقالية، أو حقوق الإنسان، أو تعيين المجلس التشريعي أو حكام الولايات، مؤكة أن الوضع الاقتصادي الرديء في البلاد والتأخيرات والمخاطر التي يفرضها فيروس كورونا تزيد من عرقلة الجداول الزمنية للمرحلة الانتقالية.

أعلن مكتب النائب العام عن تحقيقات في جرائم خلال فترة حكم البشير، لكنه ركّز علنا على الجرائم الاقتصادية، التي حوكم بموجبها البشير بالسجن عامين في منشأة لإعادة التأهيل. لم يقاضِ المكتب أي حالات لانتهاكات لحقوق الإنسان خلال النظام السابق.

واقترحت هيومن رايتس ووتش أن تنظر السلطات السودانية في إنشاء كيان مستقل لمحاكمة هذه الجرائم الخطيرة، بينما اقترحت أسر الضحايا و”منظمة العفو الدولية” وحدات تحقيق متخصصة ومحاكم مدنية متخصصة.

وقالت هيومن رايتس ووتش إن مثل هذه الوحدات والمحاكم يمكن أن تتعامل مع الانتهاكات السابقة الأخرى، بالإضافة إلى تلك التي ارتكبت في 3 يونيو، وعلى الجهات المانحة التعامل مع الحكومة السودانية بشأن أفضل نظام للمساءلة وتقديم الدعم المالي والتقني المطلوب.

وأضافت جهان هنري “لا تزال العدالة اختبارا حقيقيا لمدى نجاح ثورة السودان. التقاعس عن توفير العدالة قد يعني خيانة لتضحيات المحتجين ومطالبهم، على الحكومة الانتقالية أن تعطي الأولوية للمساءلة الهادفة والشفافة على أعلى المستويات”.