حالة من الترقب تسود الشارع السوداني، وهو يتأهب الثلاثاء المقبلة، لإحياء ذكرى «30 يونيو»، والتي تأتي وسط حالة تباين بين مؤيدين لإحيائها لإكمال أهداف الثورة وتصحيح مسارها، ورافضين لها خِشية أن تستغلها عضوية حزب المؤتمر الوطني «الحاكم سابقا»، وآخرين، لإحداث فوضى تُمهّد الطريق لإسقاط الحكومة الإنتقالية السودانية، وإعادة العسكر إلى سُدّة الحُكم مجدداً.

وستخرج المواكب بالمركز والولايات لمناصرة الحكم المدني ومؤازرة أسر الشهداء، والتي أجبرت المجلس العسكري «المحلول» وقتها على العودة إلى طاولة التفاوض مع قوى الحرية والتغيير، فتوصلا لاتفاق سياسي تقاسما على إثره السُلطة في فترة انتقالية مدتها 39 شهر، كما يحمل نفس التاريخ ذكرى الانقلاب العسكري الذي قاد البشير إلى سُدة الحُكم 1989.

وتأتي مليونية 30 يونيو في ظلّ قبول مُتزايد تحظى به الحكومة السودانية محلياً وعالمياً، عززتها مخرجات «مؤتمر برلين» الذي استضافته ألمانيا ويهدُف لخلق شراكات بين السودان والمجتمع الدولي لتحقيق الاستقرار الاقتصادى ودفع جهود التنمية والتحول الديمقراطى بالبلاد، بالإضافة إلى النجاحات التي تُحققها لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد، في إسترداد أموال الشعب المنهوبة والعقارات الكثيرة التي استحوذت عليها قيادات بارزة في حكومة المخلوع عمر البشير، بِطُرق غير مشروعة.

وشهد الثلاثين من يونيو العام الماضي، أكبر مظاهرات حاشدة يشهدها السودان منذ فض اعتصام القيادة العامة للجيش في الثالث من يونيو 2019، والتي دعت إليها قوى الحرية والتغيير، لإحياء ذكرى الشهداء والمطالبة بتسليم السلطة للمدنيين.

تأييد ودعوات حكومية

خرج عضو مجلس السيادة، محمد الفكي سليمان، أمس «الجمعة»، ليعلن تأييده للمظاهرات المرتقبة، لإستكمال مهام الثورة، ودعم الفترة الانتقالية، والحكومة المدنية، وهيكلة المؤسسة العسكرية.

وعدّ لدى تسلمه مذكرة مطلبية من تنسيقيات لجان المقاومة في 30 يونيو الجاري، المواكب تعبير عن قوة الشعب، والثورة على فرض إرادتها وأجندتها، وتذكير الحكام الذين أتوا إلى المناصب بدماء عزيزة وغالية”.

ورأى أنه عندما يتأخر الحكام أو يرى الشعب أنهم لا يعملون بالصورة المطلوبة يجب أن يذكرهم، ويقومهم باعتباره صاحب الثورة وصانعها، قاطعاً بأن التظاهر ضد الحكومة شيء اتاحته هذه الثورة، وليس منة وإنما انتزعه الثوار عندما أسقطوا حكومة الطاغية.

وفي ذات المنحى، خرج رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، مؤخراً، ليؤكد للمشاركين في «مليونية 30 يونيو» بأن حق التظاهر والتعبير السلمي مكفول، قبل أن يعود ويدعوهم إلى مراعاة الضوابط الصحية لمواجهة فيروس كورونا.

وغرّد عبر حسابه بـ«تويتر»، قائلاً: “ذكرى الثلاثين من يونيو هي ركيزة أساسية في مجرى الثورة وانتصار لكل قيمها بعد أحداث مجزرة فض الاعتصام (3 يونيو 2019) صنعتها التضحيات الجسورة لشباب الثورة”.

وعاد حمدوك، ليؤكد أن على أهمية وحدة قوى الحرية والتغيير والرمزية العالية وأهمية وحدة تجمع المهنيين.

وفي الطرف الآخر المُعارض وتحديداً حزب المؤتمر الوطني «الحاكم سابقا»، فقد نفى على لسان رئيسه المُكلّف إبراهيم غندور، أن يكون قد دعا أعضائه للمشاركة في المليونية، لإسقاط حكومة عبدالله حمدوك، إلا أن البعض عدّ ذلك التصريح مؤشراً لإخلاء «حزب المخلوع» مسؤوليته من أي إنفلات قد يقع.

وبالمُقابل، حذر حزب الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي، من استغلال من أسماهم بـ«الثورة المضادة»، للاحتجاجات المرتقبة، وقال إنه يخشى من استغلال قوى الردة والظلام للتجمعات الشعبية لتحقيق أهدافهم الخبيثة.

واختلفت الأراء داخل حزب المؤتمر السوداني ـ أحد مكونات قوى الحرية والتغيير ـ حول ضرورة تحديد موقف سياسي واضح من الدعوة للمليونية، وتباينت الآراء بين ضرورة الانحياز للشارع والثوار، والخروج برؤية ثالثة توافقية.

أنفاس النظام البائد

أخرجت العديد من المكونات السياسية في البلاد بيانات حددت من خلالها موقفها حيال المشاركة في مواكب 30 يونيو من عدمها، حيثُ عدّ تحالف قوى الإجماع الوطني، مواكب ٣٠ يونيو بمثابة إعادة إعتبار لثورة ديسمبر المجيدة، وتأكيد بأنها قادرة على هزيمة العقبات،ومواجهة بقايا النظام المباد وفلوله الساعية لإلتقاط أنفاسها باستثمار الصعاب التي تواجه حكومة الثورة في ظِلّ هيمنة الدولة العميقة على أداء السلطة الإنتقالية.

ورأى «التحالف»، أنه ورغم حرج الوضع الصحي والسياسي الذي تمر به البلاد، والذي يقتضي مع ذلك التقيد بالضوابط المقررة من السلطات المختصة لمحاربة جائحة كورونا، إلا أن الوضع يقتضي دعم رئيس الوزراء الدكتور عبدالله، وحكومته لتحقيق السلام الشامل، وتطهير الخدمة المدنية والقوات النظامية من عناصر التمكين، وإعادة هيكلة القوات النظامية، مع تقديم رموز النظام الساقط لمحاكمات عادلة وعاجلة.

وأضاف «التحالف»، أنه يُريد من الخروج معالجة تعقيدات الوضع الإقتصادي عبر سياسات رفع الدعم وتحرير سعر الدواء مما إنعكس سلبا على الواقع المعيشي والصحي، ووقف الخروقات الدستورية وتغول السيادي على صلاحيات السلطة التنفيذية، وإعادة المفصولين تعسفياً، وتسمية الولاة المدنيين،والمجلس التشريعي والمفوضيات، وإصلاح المنظومة القضائية والعدلية، مع القصاص للشهداء والكشف عن كافة الإنتهاكات والتجاوزات، بما في ذلك حالات الإختفاء والإستشهاد، وتقديم كافة المتورطين فيها للمحاكمات.

تصحيح الفترة الانتقالية

وتوافق تجمع المهنيين السودانيين، مع «التحالف» بحتمية الخروج لتصحيح مسار الفترة الانتقالية لإنجاز مهام الثورة العاجلة، والوقوف في خندق واحد مع لجان المقاومة في الأحياء وتجمّع أسر شهداء ثورة ديسمبر، حيثُ أطلق «التجمع» وهو أحد أبرز مكونات الحراك الشعبي الاحتجاجي، على مليونية 30 يونيو ، إسم «تصحيح المسار»، لاستكمال مطالب الثورة السودانية.

وتكونت لجان المقاومة، في المدن والقرى السودانية، عقب اندلاع احتجاجات 19 ديسمبر 2018، ولعبت دوراً كبيراً ومؤثرا في إدارة التظاهرات بالأحياء والمدن حتى عزل الرئيس عمر البشير في 11 أبريل 2019.

وجدّد “التجمع”، مطالبه التي تتوافق مع مطالب تحالف قوى الإجماع الوطني، والتي منها ضرورة تصفية كافة الميليشيات وبناء جيش وطني قومي واحد تحت إشراف كامل من مجلس الوزراء المدني، مع تحقيق سلام عادل مستدام يُخاطب جذور الأزمة السودانية عبر مائدة واحدة دون تجزئة، وتصفية الاقتصاد الموازي وولاية وزارة المالية ومجلس الوزراء على كافة موارد الدولة، وخروج المؤسسات العسكرية والأمنية بشكل كامل من أي نشاط استثماري.

استكمال مطالب الثورة

مضى الحزب الشيوعي، في ذات رؤية «التحالف» و«الهنيين»، بأهمية «المليونية» لاستكمال مطالب ثورة ديسمبر، ودعم الحكومة المدنية، وتحقيق العدالة وتحديد الجُناة المتورطين في دماء ضحايا الانتهاكات في السودان وتقديمهم للمحاكمة فورا.

وتمسّك بضرورة نقل السلطة التنفيذية كاملة بكافة مهامها لحكومة الفترة الانتقالية، وإعفاء الولاة العسكريين، وتكليف ولاة مدنيين، وتشكيل المجلس التشريعي ومجالس الولايات والمفوضيات فورا، إنفاذا للوثيقة الدستورية.

ونادى بأهمية استكمال عملية تفكيك النظام السابق خلال فترة زمنية لا تتجاوز الـ3 أشهر، مع إعادة هيكلة القوات النظامية والأمنية، ووقف يد العنف الذي تمارسه قوات الأمن والشرطة.

ودعا الحزب الشيوعي، الحكومة إلى حماية الاحتجاجات والعمل على تحقيق مطالبها للعبور بالفترة الانتقالية وتحقيق الانتقال الديمقراطي والسلام الشامل والتنمية المستدامة.

وفي السياق، أيّد التجمع الإتحادي، قيام المليونية، وقال إنه ينظُر إلى الأصوات المُتخوّفة من إنفلات المواكب وعودة نظام الإنقاذ البائد، بكل تقدير لكونها تنبع من باب الحرص والحذر.

واستدرك: «إلا أننا لو خيرنا ألف مرة لاخترنا جانب شعبنا ألف مرة، وثقتنا فيه بأنه وحده من لديه القدرة عدالة العوج، لذا سنكون يومها في صفوفه و لا إفراط و لا تفريط، مصطحبين معنا كل الاحترازات الصحية».

واعتبر التجمع الاتحادي، المعوقات التي تواجهها الفترة الانتقالية والصعوبات، ثمن لابد من دفعه لعبور الانتقال، باعتبار أنه لا ميلاد بدون مخاض.

وقطع بأن المطالبة بالإسراع في استكمال عملية السلام وإكمال هياكل السلطة المدنية «البرلمان، الولاة، والمفوضيات» هي ثورة بنفسها وبالتالي لا يمكن أن تكون خروجاً على الثورة.

واضاف أن الخروج لمطالبة الحكومة هو في مقامه الأول تعبيراً عن دعمها وإعترافاً بأنها تمثل هذه الثورة، لهذا ننتظر من مؤسساتنا العدلية محاسبة كل من اقترف جرما في حق الشعب وفق القانون لتحقيق شعار الثورة الثالث.

وقال التجمع الاتحادي، إنه ليس غافلاً عما يخطط ويحاك من قبل قوى الظلام والردة لموكب الثلاثين من يونيو، وأضاف: «لكننا نعذر جهلهم وقِلّة إيمانهم بهذا الشعب وفقر اطلاعهم على تاريخه».