حقل من الألغام يتعين على محمد عيسى عليو، اجتيازه ليعبر بسلام إلى كرسي الحاكم في ولاية شرق دارفور، بعد ان اختير له بواسطة رئيس الوزراء ضمن حكام الولايات المدنيين، حيث ان أكبر تلك الألغام التي تعترض طريقه هي رفض قوى الثورة له مما يعني أنه سيحكم بلا حاضنة سياسية.

وفور إعلان “عليو” حاكما على الولاية المأزومة سارعت قوى الحرية والتغيير بولاية شرق دارفور إلى إعلان رفضها له، ودشنت حملة شعبية قوامها المخاطبات الجماهيرية بالأسواق وأماكن التجمعات لاستنفار المواطنين وحضهم على رفض الوالي الجديد.

يقول عضو تجمع المهنيين بشرق دارفور، خليفة كوشيب، “لدارفور 24” إن الوالي الجديد مرفوض من قبل قوى الثورة بالولاية، لأنه لم يكن من ضمن خياراتها التي قدمتها للمجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير في الخرطوم.

وأوضح أن المركز مارس وصاية غير مقبولة على الولاية ولا تتماشى مع عهد الثورة والتغيير، مضيفاً “قدمنا قائمة بأسماء المرشحين لحكم الولاية لم يكن من بينهم محمد عيسى عليو، ولكن تفاجأنا باختياره من رئيس الوزراء دون حتى التشاور معنا”.

واعتبر كوشيب أن الوالي الجديد حال الاستمرار في فرضه من المركز دون الاستماع لرأي أهل الولاية فلن يستطيع أن يعمل أو ينظر في أي الملفات المعقدة التي تحتاج إلى حل، لأن رفضه من قبل قوى الثورة هو أبرز العقبات التي ستواجهه ولن يستطيع أن يحكم بلا حاضنة سياسية.

محمد عيسي عليو، من موليد أبناء ولاية شرق دارفور، وهو أحد رجالات الإدارة الأهلية لقبيلة الرزيقات حيث كان رئيسا لشورى القبيلة.

سياسياً ينتمي “عليو” لحزب الأمة القومي، قبل أن يتم فصله مع مجموعة التيار العام بقيادة آدم مادبو، التي اعترضت على نتائج المؤتمر العام للحزب في عام ٢٠٠٩، وبعد ذلك آثر الدخول للعمل العام من بوابة المجتمع المدني، حيث شارك باسم “المجتمع المدني الدارفوري” في الحوار الوطني الذي دعا له الرئيس المخلوع، عمر البشير، في عام ٢٠١٤.

ولاحقا شكل مع أحزاب إسلامية بينها المؤتمر الشعبي وحركة الإصلاح الآن برئاسة غازي صلاح الدين، تحالف “الاصطفاف الوطني” وهو تحالف يرفض إسقاط نظام البشير ويتبنى مشروع الحوار الوطني بديلا لدعوات قوى المعارضة التي تكتلت لاحقا في تحالف “إعلان الحرية والتغيير”.

وعقب نجاح الانتفاضة الشعبية في إسقاط البشير وافول نجم المؤتمر الوطني وبروز قوى جديدة إلى الساحة، اصطف “عليو” إلى جانب “حميدتي” قائد قوات الدعم السريع الذي برز ساعتها بقوة في المشهد السياسي وأصبح أقوى الرجال في حقبة ما بعد البشير.

وبحسب مصادر تحدثت “لدارفور 24” فإن عليو وحتى قبيل اختياره واليا على شرق دارفور كان يعمل مستشارا لقائد قوات الدعم السريع، ويرجح أن يكون تقديمه لحمدوك تم بواسطة “حميدتي” خصوصا وأن قوى الحرية والتغيير بالولاية تبرأت من ترشيحه، كما أنه لم يكن ضمن قائمة حزب الأمة القومي للولاة التي قدمت لحمدوك.

وحسب المصادر فإن رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، طلب من قوى الحرية والتغيير، التنازل من بعض الولايات بينها شرق دارفور ليقوم هو بتعيين ولاة عليها، وأضافت “الحكومة تحدثت مع مكونات الولاية الاجتماعية” المعاليا البرقد” لأخذ رأيهم في” عليو” وقد وافقوا عليه، كل ذلك جرى بتدبير” حميدتي” وموافقة الصادق المهدي”.

صراعات

أن تمكن “عليو” من تجاوز ترس رفض الحاضنة السياسية له في الولاية، فسيجد نفسه محاطا بسلسلة من الصراعات ذات الطابع الاجتماعي كاثقل تركة خلفها النظام البائد في البلاد، حيث شهدت ولاية شرق دارفور أحد أكثر الصراعات القبلية دموية في دارفور، تلك التي وقعت بين قبيلتي “الرزيقات والمعاليا” وخلفت مئات القتلى والجرحى.

يتوجب على “عليو” كأول حاكم مدني في عهد الثورة تطهير هذه الجراحات التي لم يعمل النظام الباىد على مداواتها بصورة شافية حتى أدركته رياح الثورة فاذهبته إلى مزابل التاريخ.

وكانت قبيلة المعاليا قد أصدرت بيانا مطولا قبيل ساعات من إعلان حمدوك أسماء الولاة المعينين، دعت فيه إلى إلغاء ولاية شرق دارفور برمتها باعتبار ان نشأتها لم تكن بصورة علمية وإنما أتت وفق محاصصة قبلية، وإلى حين إلغاء الولاية يجب معاملتها كمنطقة مأزومة وتعيين حاكم عليها من خارج أبناء الولاية.

كما أظهر بيان المعاليا توجساً من قوات الدعم السريع وقياداتها حيث سبق واتهمتها بالمشاركة في القتال الذي وقع في مناطقها خصوصاً الهجوم على مدينة ابوكارنكا 2015.

لكل ذلك سيجد محمد عيسى عليو، الحاكم الجديد لولاية شرق دارفور، سلسلة من “المتاريس” ويتعين عليه إزالتها برفق من طريقه، لجهة ان اي عنف سيولد الانفجار في ولاية يكاد لا تجد بقعة في جغرافيتها إلا وبها بقايا حريق.