مكجر- دارفور24
ابراهيم هرون “62سنة” وهو أحد الناجين من حرب الابادة الجماعية بدارفور يقول لدارفور24 كنت أرقد على فراش المرض أكابد آلام الملاريا فاذا بي اسمع صرخات اهل المنطقة، وأصوات رصاص وصهيل خيول، والغبار يعم ارجاء القرية، فقمت مفزوعاً، والمشهد كأنه يوم القيامة، الكل كان مفزوعاً ولا يدرون ماذا يحدث، واين يذهبون، فهربت دون اي سابق انذار من منطقة “بندسي” الي ان وصلت قرية “جقمة الشرقية” التي تبعد نحو 20 كيلو متر غرباً، وعند وصولنا وجدناها هي الاخري وقع الهجوم عليها، وهرب سكانها نحو منطقة مكجر، التي تبعد عن “جقمة” 45 كيلو متر، لكننا وجدنا جثث “6” اشخاص، وهرب السكان باتجاه منطقة “مكجر” ليجد العشرات حتفهم في السهول والغابات والوديان، ويقبروا في مقابر جماعية فكانت اكبر جريمة عرفها تاريخ السودان، وقادت الى ان يصبح رأس النظام البائد مطارداً من قبل المحكمة الجنائية الدولية رفقة علي كوشيب وأحمد هرون وعدد من قادة نظام الانقاذ.

ملابس أحد ضحايا الابادة

وتقع مناطق “مكجر وبندسي وجقمة الشرقية وكدوم ودليج” جنوب غرب مدينة زالنجي عاصمة وسط دارفور في ما تعرف بمناطق “وادي صالح” وهي التي شهدت أكبر جرائم الحرب التي شنها نظام الانقاذ على المواطنين بدارفور في الفترة من 2003- 2007م قبيل اصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني وقتها عمر البشير ووزير دفاعه الجنرال عبد الرحيم محمد حسين، ووزير الدولة بوزارة الداخلية أحمد هرون بالاضافة الى زعيم المليشيات الحكومية علي كوشيب الذي قاد عمليات القتل والتنكيل بنفسه.

ويروي محمد عبدالله عبدالكريم من قرية “جقمة الشرقية” التي تقع بين محليتي “بندسي ومكجر” لدارفور24 بأنه نزح بعد حريق قريته في العام في يوم الجمعة الساعة الثالثة ظهراً  2003م اثر هجوم على القرية بعدد ست عربات دفع رباعي واعداد كبيرة من الخيول والجمال، وقال “كنا في صلاة الجمعة اثناء الهجوم على القرية، فقتل عدد من اهلنا، ونزح الجميع نساء واطفال وكبار سن ورجال الي اماكن متفرقة، بعضنا فر الى مناطق “مكجر، وكلمة والحميدية، وقارسيلا، ودليج” ونحن هربنا بعد ان احرق كوشيب قريتنا، الي قرية “كدوم” سيراً على الاقدام، رغم وعورة الطريق.
* تمدد الابادة والحريق
 ويقول يعقوب موسي الذي يبلغ من العمر “46” عاما في السابع عشر من مارس من العام 2003م هجمت مليشيا الجنجويد التي كان يقودها “علي كوشيب” على قريتنا “جقمة الشرقية” وامطروها بوابل من رصاص الاسلحة الثقيلة، وكانوا يستغلون السيارات والخيول والجمال، وذكر ان القوات كانت تقتل حتى الأطفال في عمر السبع سنوات، في مشهد حرب ضروس، لا نعلم سببها، فهربنا من ذلك الجحيم، لاننا كنا عزل والهجوم علينا كان باسلحة ثقيلة، واضاف “أذكر في ذاك اليوم كنت اجلس في بيتي، فاذا بالنيران تشتعل والزخيرة تنطلق من فوهات البنادق من كل الاتجاهات، فلم نجد سوي الهروب مع مجموعة من الرجال والنساء والاطفال الي منطقة “كدوم” التي تبعد نحو 15 كيلو متر، وهناك لاحقتنا المليشيات مرة أخرى، وشمل الهجوم- هذه المرة- قرى “جرلي، وترو”.

عظام بعض أجزاء ضحايا الابادة

واوضح يعقوب ان المليشيات أحرقت في هذه القرى والناس داخل منازلهم، ففررنا مرة أخرى علي الاقدام لمدة اربعة ايام بعد ان احرقت جميع القري حول منطقة “مكجر”

ويتذكر يعقوب جيداً ملامح زعيم المليشيا “علي كوشيب” ويقول “انا اعرف كوشيب تماما، منذ ان كان يعمل في الشرطة بأنه رجل سكير وعربيد ويمارس عمليات السلب والنهب، وهو رجل قاسي القلب، واضاف “انا عشت قساوته وشاهدتها، حين قتل خالي شقيق والدتي “ادم كوي” في مشهد امام عيني في داخل شرطة مكجر، عندما سدد له ضربة بعمود علي رأسه أدت الى وفاته، ومن ثم رفعه في سيارته مدعياً انه ذاهبٌ به الي شرطة مدينة قارسيلا، الا اننا تيقنا حينها انه قتله أمام اعيننا، لكننا كنا عزل لا حول لنا ولا قوة، فغلبت الدموع “يعقوب” وانهمرت من عينيه وهو يروي لدارفور24 بشاعة الجرائم التي ارتكبها كوشيب، والمشاهد التي حدثت امام أعينه، ويقول يعقوب رغم ان هذه المشاهد مر عليها ما يقارب العقدين من الزمان الا ان تفاصيلها الاليمة كأنها حدثت أمام عيني الان.
* طائرة أحمد هرون
بعد اسبوع من الهجوم على قرية “بندسي” تفاجأ السكان بهبوط طائرة مروحية تقل وزير الدولة بوزارة الداخلية أحمد هارون الذي صار فيما بعد المطلوب الثاني لدى المحكمة الجنائية الدولية.
ويقول الطيب ابكر حسن وهو معلم بمرحلة الاساس إن “احمد هارون” نزل بطائرته، وقال للجنود الذين يقودهم “علي كوشيب” انا ما عايز اي زول- في اشارة الى قتلهم جميعاً- وأن هؤلاء الناس كفار، ومالهم ودمهم حلال عليكم.
وذكر ان القوات قتلت عدد كبير من المواطنين بناءً توجيه أحمد هرون، لكني كنت محظوظاً حيث أطلق سراحي بسبب بطاقتي المهنية التي عثروا عليها بحوزتي، وربما لأن موتي لم يحن، واردف “الموقف كان صعب والنيران مشتعلة في كل القري حول منطقة مكجر”
* حظيرة الاعتقال
في اثناء هجماته على المواطنين العزل، نزل “كوشيب” وقوته شمال منطقة “مكجر” في جبل يسمي “الجبل الابيض”  “قوزسنق” بلغة الفور، وكان يشن منه هجماته فأحرق واستباح القري وأهان المواطنين بضربهم وتجريدهم من ملابسهم، ووضعهم في حظيرة شيدها  لجمع فيها الرجال وأوثقهم بالحبال، وقتلهم واحداً تلو الاخر، واشار الى ان كوشيب قرر بعد ذلك حرق مدينة مكجر رغم رفض قائد الشرطة إلا أنه قام بحرق المدينة علي اكملها ورفع مجموعة من المعتقلين وتحرك بهم الي الغابة وقام بقتلهم جميعا.

والي وسط دارفور وبعض اهل الضحايا يقفون في المقبرة الجماعية
* “1830” قتيل وابادة اسر باكملها
من أمام احدي المقابر الجماعية للمحازر التي ارتكبت بمنطقة مكجر في مارس 2003م قال رئيس معسكرات النازحين بمدينة مكجر سليمان ابراهيم حسين لدارفور24 ان هذه المقبرة التي نحن فيها الان غرب مدينة مكجر محازاة مقر بعثة حفظ السلام “يوناميد” دفنت فيها “97” جثة، لزعماء اهليين، منهم: العمدة يحي احمد زروق، والعمدة عيسي هرون نور، والعمدة ادم حسين عبدالمحمود، وأئمة مساجد “عبدالله حسن، ومحمد علي بلود” ومعلمين وتجار، قتلوا على يدي “كوشيب” بلا رحمة، عندما قام بنقلهم من شرطة مدينة “مكجر” على متن “30” سيارة دفع رباعي بحجة ترحيلهم الي مدينة قارسيلا، لكن ما ان خرج من مدينة مكجر فاذا به سمعنا دوي الرصاص، حيث ألقى بهم ارضاً وقتلهم بدم بارد، ومن ثم غطى جثثهم بجذوع الشجر، وتركهم يغرقون في دمائهم، اضافة الى ذلك قتل “37” في منطقة “جنرلي” القريبة من مدينة مكجر، وذكر ان ما يقارب “1830” شخص تم قتلهم في تلك الهجمات المستعرة التي قادتها المليشيات الحكومية، مؤكداً أن هناك اسر ابيدت باكملها، وقال ان النظام البائد ارسل بعض من اعوانه لاشعال النار في احدي المقابر الجماعية لاخفاء اثار الابادة الجماعية الاي ارتكبها في دارفور، لكنهم فشلوا، لم تحترق المقبرة.
* مطالب الناجين
ولازل الناجون من مجازر “مكجر وبندسي وجقمة الشرقية” يطالبون بتسليم جميع مجرمي الحرب الى المحكمة الجنائية لمحاكمتهم على الجرائم التي ارتكبوها بحقهم، ويقول احد الناجين الشيخ سليمان ابراهيم ان مطالب اسر الضحايا تتمثل في تسليم جميع مجرمي الحرب الي محكمة الجنايات الدولية بما فيهم الرئيس المخلوع عمر البشير واحمد هرون وعلي كرتي وطالب العمدة ابراهيم أجهزة الإعلام التوثيق لهذه المجازر.
تبقي قضية جرائم الحرب والابادة الجماعية التي ارتكبت في دارفور والتي مازالت القضية تراوح مكانها منذ صدور مذكرة الاعتقال من المحكمة الجنائية الدولية بحق المتهمين الذين علي رأسهم الرئيس المخلوع عمر البشير وعدد من المتهمين في وقت مثل فيه احد هؤلاء المتهمين “علي كوشيب” لدى المحكمة الجنائية الدولية، ومازال الضحايا يذرفون الدموع كل ما حلت الذكري السنوية لهذه المجازر.
وتعد زيارة والي وسط دارفور الدكتور اديب عبدالرحمن الزيارة الأولى لمسؤول حكومي لهذه المقابر الجماعية والتي أكد فيها علي أهمية إقامة العدل ومثول مجرمي الحرب لدي المحكمة الجنائية وقال اديب أن الحكومة ستبني نصباً تذكارياً في المقبرة الجماعية، وتحويل هذه المقابر الي مزار حتي يعتبر الناس من هذه الجريمة النكراء.