تقرير: محمد نورالدين عبد الله

كأن ما يكابده مرضى “المايتسوما” من ألم ومعاناة لا يكفي، لتضاف إليهم معاناة جديدة، سببها الرئيسي فايروس كرونا المستجد والذي زاد هؤلاء المرضى عزلة وإهملا وعرضهم إلى مزيد من الخطر والذي بلغ حد بتر أطراف بعضهم
يعد مرض “المايتسوما” من أكثر الأمراض إهمالا في العالم بحسب منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة ومرضاه يعانون من صعوبة في الحركة بسبب أنه يصيب الاطراف وبالذات الأرجل ويتسبب في تشوهات كبيرة بها وربما أدى إلى بترها كلية آخر المطاف
لذا دائما ما يحتاج إلى مساعدة الآخرين في الحركة وفي بعض شؤون حياته اليومية كما يحتاج إلى العلاج المستمر في مركز “المايستوما” الوحيد في السودان في العاصمة الخرطوم غير أن فايروس كورونا – كوفيد -19 حرمه من مساعدة الآخرين بعفوية، ومن حصوله على العلاج في الوقت المحدد الأمر الذي فاقم من المرض عند البعض ودفعهم إلى شعور سيء بالعزلة.

أحد أفراد الاسرة يحمل المريض من منزله للذهاب به الي مركز أبحاث المايستوما بالخرطوم

تصل مجموعات المرض المصابين لأحد أكثر الامراض المهملة الي المكان الوحيد في العالم الذي يمكنه ان يوفر لهم الرعاية والعلاج المتخصص. يصلون وهم يعرجون او يتكـؤون على عكازات، او يدفعهم أقاربهم القلقون على الكراسي المتحركة او يحملونهم، ويضع معظمهم ضمادات على ارجلهم، وقد بترت أطراف كثير مكنهم

المرضي وذويهم ينتظرون لتلقي العلاج أو مقابلة الأطباء بمركز أبحاث المايستوما وهم يضعون كمامات على وجوههم خوفاً من أن تصيبهم فايروس كوفيد -19.
مرضي المايستوما يلبسون الكمامات في انتظار الرعاية الطبية داخل مركز أبحاث المايستوما

 

فقراء ومعزولين

في المركز الوحيد في العالم للعلاج أكثر الأمراض إهمالا في العاصمة السودانية الخرطوم شاهدنا مرضى المايتسوما يعرجون في مشيتهم لا يساندهم أحد وبعضهم يتعكز على عصي وآخرين يدفعهم ذويهم في كراسي مدولبة، بعد أن وضعوا كمامات على وجوههم خوفا من أن يصيبهم فايروس كوفيد -19 ، إدارة مركز علاج المايتسوما أيضا فرضت تباعدا على المرضى تحاشيا للعدوى بالفايروس المستجد الأمر الذي ضاعف من عزلتهم إذا تراهم يجلسون والانهاك باديا على وجوههم، بعضهم بترة ساقه والبعض الآخر ينظر في قلقل إلى مصير قدمه المشوهة بينما إنزوا ذوي المرضى ومرافقيهم في كراسي بعيدة منشغلين بهواتفهم المحمولة .
الأمر الذي تجدر الإشارة إليه أن مرضى المايتسوما دائما من أهلي المناطق الريفية الفقيرة إذ يصاب أحدهم بوخذة شوكة مخبأة وسط الحشائش أو روث البهائم وتظهر أول الأمر حبة أو حبيبات تحت الجلد لا يشعر المصاب بألمها ولكن سرعان ما يتطور الأمر إلى جرح غائر يبلغ العظم ليبدأ رحلة علاج طويلة تنتهي به عند مركز المايتسوما في الخرطوم الذي يتطلب الوصول إليه السفر من قرى بعيدة ونائية ومصروفات لا تتوفر للكثيرين.

مريض: كورونا تسبب في بتر قدمي
المغني المحلي محمد الصافي من جنوب كردفان، كان أحد مرضى المايستوما، السيدة التي وضعت الحناء في قدمه ليلة عرسه – عادة سودانية تضع الحناء على اقدام وايادي الرجال ليلة الزواج – لاحظت جرح في إصبع قدمه طلبت منه الذهاب لمقابلة الطبيب، منذ ذلك الوقت والصافي يتردد على مركز المايستوما في الخرطوم، غير أنه مؤخرا إضطر الأطباء في المركز إلى بتر قدمه نهائيا وكان كوفيد-19 أحد العوامل التي تسببت في هذا القرار.

المريض المغني الصافي يعزف ويغني على آلة الربابة أمام أسرته داخل عريشته.

حينما وصلنا عند العريشة التي يسكن فيها المغني الصافي سمعنا صوت إيقاع جميل واغنية باللهجة المحلية منبعثة من الداخل وبمجرد ان دخلنا طلبنا منه أن يستمر في الغناء لان غنائه مطربا لعزفه واداءه جميل وكانت بعض كلمات الأغنية تقول:
يا بت الناس بالحاصل ورينا
ولو بسمتي بسمتك تشفينا
الذباب كان يتطاير في المكان ويحط على القدم المصاب وكان الصافي يهشها دون أن يتوقف العزف ولا الغناء
طلبنا أن نسمع حكايته مع مرض المايستوما فقال:
بدأت معاناتي مع المرض منذ يوم زواجي، ومنذ أن لاحظت السيدة التي وضعت الحناء على قدمي بتورم في أحد اصابع الرجل اليمنى وأنا ارتدد على الأطباء، في عام (2016) تم تحويلي إلى مركز المايتسوما بالخرطوم.
العلاج كان أفضل بكثير وكذلك العناية بالقدم، على الرغم من أنها تتحسن ولكنها في مرات تسوء والاطباء مباشرين باهتمام وأخيرا وفي نهاية عام 2019 أي بعد ثلاث سنوات من العلاج في المركز تقرر إجراء عملية جراحية في منطقة الجزء المصاب وقالوا أنها عملية جراحية شفائية
غير أن العملية تأخرت بسبب الاغلاق الكامل لجائحة كورونا بحسب محمد الصافي الذي قال ” ولكن بعد كورونا كل ماذهبت إلى المركز قالوا لا يوجد أحد وظللنا على هذا الحال 6 أشهر ” وأشار إلى أن الأطباء بعد عاد العمل في المركز إلى طبيعته وعاينوا قدمه أخبروه بأن العملية الجراحية للشفاء لم تعد مجدية ولابد من بترها.

الفريق الجراحي يغني ويرقص طربا مع المريض الصافي قبل اجراء عملية البتر لرجله المصابة بمرض المايستوما في مستشفيي سوبا الجامعي بالخرطوم. الورم الفطري هو عدوي بكتيرية أو فطرية بطيئة النمو تصيب القدم غالباً. قد ينتشر ليؤثر على أجزاء اخري من الجسم ويمكن ان تسبب تشوهات شديدة، وهو مرض منهك للجسم، ويؤدي غالبا الي بتر العضو المصاب.

طبيب: فايروس كورونا وراء بتر أطراف المرضى

مدير مركز علاج المايتسوما بالخرطوم د. أحمد الفحل أكد تأثيرات فايروس كورونا السلبية على مرضى المايتسوما وانه أدى إلى بتر أرجل عدد من مرضاه وقال ” تسبب الحظر المتعلق بفايروس كورونا في تراكم الحالات وزيادة عمليات بتر أطراف عدد من المرضى” وأشار الفحل إلى أن مطالبة المرضى بإجراء فحص كورونا قبل إجراء العمليات الجراحية كان سببا آخرا في غيابهم عن المركز وتدهور حالتهم إلى درجة بتر العضو المريض وقال ” مطالبة المرضى بإجراء فحص الكورونا وهم فقراء أدى إلى غايبهم وذلك يتسبب في تدهور حالتهم إلى درجة يصعب معها التدخل الجراحي العلاجي وتنتقل الحالة إلى الجراحة التلطيفية أو البتر ”
المغني محمد الصافي قال أن قرار بتر قدمه كان صائبا لجهة أنه يشعر بالراحة الآن وقال ” عندما علم كبير الجراحين أنني مغني طلب منى أن اغني لهم وفعلا غنيت وذلك خفف عني الألم وأزاح عني التوتر” ومضى قائلا ” كنت خائف أول الأمر وحاولت إقناع الأطباء بعدم بتر القدم ولكن الآن أنا بخير وعادت إلى شهيتي وصحتي أفضل بكثير”.

مرضي المايستوما أثناء عملية نظافة طبية للقدم

بتر قدمه بعد16 سنة

إسماعيل حسن محمد مزارع من منطقة الدمازين جنوب شرق السودان قال ” قبل إصابتي بمرض المايتسوما كنت أحب زراعة السمسم والفول السوداني” إسماعيل لا تختلف قصته كثيرا عن محمد الصافي غير أنه مصاب بالمايتسوما منذ (16) سنة، توقف عن العلاج مرات عديدة بسبب ظرفه المادي وكلفة العلاج الباهظة ، للأسف بلغ المرض العظم ولم يكن هناك خيار سوى بتر ساقه يقول إسماعيل ” كنت خائف بعد أن قرر الأطباء إجراء عملية لبتر الساق في 13 يناير 2020 وطلبت أن أمنح فرصة ربما تشفى غير أن ظهور جائحة كورونا كان وراء إنعدام إي فرصة للشفاء لذا في شهر مايو أجريت العملية وبترت الساق ”
وعن معاناتهم بسبب فايروس كورونا قال إسماعيل ” الكورونا أغلقت المركز كليا لفترة من الوقت ” ومضى قائلا ” في مرة أشتد علي المرض وهو يتسبب في ألم وحالة نفسية سيئة ذهبت للمركز وجدت حوالي عشرين من المرضى منتظرين والمركز مغلق اتصلنا على الشخص المسئول عن صرف العلاج فاستجاب لظلبنا وجاء على الفور ومعه مدير المركز أحمد الفحل وصرف لنا الدواء وعندما أخذت علاجي وخرجت إلى الشارغ بكيت”.

إسماعيل حسن يلبس الكمامة خوفا من الإصابة بكوفيد ١٩ لضعف المناعة في جسمه أثناء انتظار مقابلة الطبيب بعد اجراء عملية البتر لقدمه.
مريض في انتظار معاينة الطبيب داخل مركز أبحاث المايستوما

طبيب جراح: العمليات توقفت بسبب بالجائحة

إضطرت إدراة مركز علاج المايتسوما بالخرطوم إلى أغلاق المركز بعد تفشي حالات الإصابة بفايروس كورنا بين الاطباء والعاملين في المركز وقال بروفيسور أحمد الفحل ” تفشي الإصابة بين الاطباء في المركز دفعنا للإغلاق وكذلك خوفا على المرضى لأن المايتسوما تؤدي إلى ضعف عام في الجسم ويسهل اصابتهم بالمرض ”
إستشاري الجراحة العامة بمركز علاج المايتسوما السماني أكد على أن العمليات الجراحية لمرضى المايتسوما تأثرت جدا بجاحة كورونا وقال ” جائحة كورونا أثرت على كل العمل الجراحي وباقسامه المختلفة في مركز المايتسوما، وتوقف العمل لمدة 6 أشهر بسبب الحظر الصحي وتأخر الحصول على العلاج نقل كثير من الحالات إلى مراحل متأخرة وتحويلهم من الجراحة العلاجية إلى الجراحة التلطيفية” وأضاف د. السماني ” عمليات جراحة المايتسوما لديها إرتباط كبير بالوقت ويحتاج المريض إلى تناول أدوية قبل وبعد العملية في ىزمن محدد وبانتظام ” .

 

مرضي في انتظار معاينة الاطباء داخل مركز أبحاث المايستوما

علاج متوقف ومرض يتفاقم
كان التعب والإعياء باديا على وجوه المرضى في مركز المايتسوما وكلهم كان ساخطا من إجراءات الوقاية من فايروس كورونا الذي حرمهم من العلاج لفترات طويلة سمح لمرضهم بأن يتفاقم ثم تسبب في حرمانهم من رعاية الآخرين لهم كما كانت من قبل وأصبح على المرضى والاطباء والعالمين وضع كمامات على وجوههم بدلا عن الابتسامة التي كانت تمنح المصابين قليلا من الأمل.