الفاشر- دارفور24

قلل مراقبون من فرص نجاح القوة المشتركة الرادعة ذات المهام الخاصة، التي قرر تشكيلها المجلس الأعلى للترتيبات الأمنية برئاسة رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان، في السابع من ديسمبر الجاري.

 

 

وتتشكل القوة المشتركة من “القوات المسلحة، والدعم السريع، وقوى الكفاح المسلح بدارفور- الحركات المسلحة- وجهاز المخابرات العامة والشرطة ” لحسم التفلتات الأمنية بإقليم دارفور غربي البلاد وأن تكون لتلك القوة قاعدة مقرها في مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور.

 

 

وحدد القرار مهام واختصاصات تلك القوة، لكنه لم يوضح ما اذا كانت هذه القوة المشتركة تأتي تنفيذا للترتيبات الأمنية ضمن اتفاقية السلام الموقعة بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة اوائل أكتوبر من العام 2020 في جوبا، أم قوة أخرى لحفظ الأمن بسبب الاعتداءات التي ظل يشهدها الإقليم حاليا.

 

 

 

ويرى مراقبون ان نجاح هذه القوة المشتركة في الحد الأدنى لحسم التفلتات الأمنية في الإقليم مرهون بقوميتها وتدريبها وتأهيلها وتوحيد عقيدتها القتالية ورفع كفاءتها فيما يتعلق بحقوق الإنسان، بعد أن اثبتت تجارب القوات السابقة في كبح الإعتداءات في دارفور حتى الآن.

 

جاهزية وغياب

ويقول عضو مجلس السيادة الإنتقالي الدكتور الهادي إدريس إن حركات الكفاح المسلح الموقعة على إتفاق جوبا لسلام السودان اكملت الترتيبات للمشاركة في القوة المشتركة ذات المهام الخاصة المعنية بحفظ الأمن والاستقرار في إقليم دارفور، جاء ذلك في تصريحات عقب الزيارة التي قام بها إلى مقر قيادة القوات العسكرية لحركات الكفاح المسلح بمدينة الفاشر.

 

 

ووجه ادريس قوات الكفاح المسلح بضبط النفس والتعامل بقوة ضد كل الخارجين عن القانون، وقطع بأن ولايات دارفور ستكون آمنة ومستقرة خلال ثلاثة أشهر، بعد تكوين هذه القوات المشتركة.

 

 

قائد قوات الدعم السريع العميد جدو ابونشوك من جانبه يشير إلى أن هنالك حاجة ماسة لتنفيذ بند الترتيبات الأمنية لقوات حركات الكفاح المسلح، وشدد بأن انتشار السلاح في أيدي المواطنين ساهم في تأزيم الحالة الأمنية، وأثر تاثيراً كبيراً على نشاط المواطن، وخاصة المواطن المنتج سواء كان المزارع او الراعي.

 

 

فيما أكد قادة الحركات المسلحة جاهزية قواتهم للمشاركة في القوات المشتركة، لحفظ الأمن وبسط هيبة الدولة وسيادة حكم القانون، معتبرين أن بدء تشكيل القوة المشتركة الخطوة إيجابية، وتعد ضربة البداية لإنفاذ بند الترتيبات الأمنية، الذي ظلت الحركات تطالب بتنفيذه منذ توقيعها على اتفاق سلام جوبا.

 

 

وأعرب والي شمال دارفور عضو الهيئة القيادية لحركة تحرير السودان المجلس الانتقالي نمر عبد الرحمن في تصريح لدارفور24 عن استعداد حركته للدخول في بند الترتيبات الأمنية في اي زمان ومكان، باعتبار ان تنفيذ الترتيبات الأمنية واحدة من أولويات حركته- على حد تعبيره- واشار إلي أن قواتهم المشاركة في القوة المشتركة توجهت الي مقر قيادة القوة المشتركة بمنطقة جديد السيل 16 كيلو متر.

 

 

 

وكشف احد الضباط من مقر اقامة هذه القوة المشتركة بجديد السيل- فضل حجب هويته- ان الوحدات العسكرية التي وصلت الي مقر القوات المشتركة حتى الآن هي “القوات المسلحة، الشرطة، جهاز المخابرات العامة، وقوات تحرير السودان المجلس الانتقالي بقيادة الهادي ادريس” وأكد الضابط عدم حضور قوات حركات “تحرير السودان بقيادة مناوي،  والتحالف السوداني بقيادة خميس أبكر،  وتجمع قوي تحرير السودان بقيادة الطاهر حجر، وحركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم” لكنه نبه الى أن هنالك معلومات غير مؤكدة تشير إلي  حضور قوات بعض الحركات مطلع الأسبوع القادم.

 

 

.

القفز فوق تحديات الأمن

يرى رئيس المفوضية القومية لحقوق الإنسان مكتب شمال دارفور محمد حقار أن تشكيل هذه القوة يعد خطوة في اتجاه بسط هيبة الدولة، ويعزي حقار الإعتداءات المتكررة التي ظلت تشهدها مناطق متفرقة بدارفور والتي تسببت في قتل وإصابة العشرات من المدنيين وحرق القرى قبل أن تسبب في فشل الموسم الزراعي، كلها ناتجة من عدم وجود سيادة حكم القانون، واستدرك حقار القول “نعم تشكيل القوة المشتركة خطوة جيدة لكن يكتنفها الغموض”

 

 

فيما يقول الصحفي المتابع للأوضاع بدارفور “محمد عبد الله” إن القوة المشتركة الرادعة التي تم تشكيلها مؤخراً- بموجب قرار من اللجنة العليا للترتيبات الأمنية برئاسة البرهان وعضوية قادة الحركات المسلحة- لن تحقق الغرض الذي تم تكوينها من اجله، لأسباب وقراءات موضوعية، اولها: أن هذه القوة المشتركة الرادعة والتي حدد عددها ب3300 فرد، هي ليست القوة المنصوصة عليها في إتفاقية سلام جوبا، والتي حددتها الاتفاقية بنحو 12 ألف عنصر مناصفة ما بين الحكومة وقوي الكفاح المسلح وذلك لحماية المدنيين وبسط الأمن في دارفور، وإنما القوة التي تم تشكيلها مؤخراً هي قوة اسعافية فقط، للتعاطي مع التفلتات الأمنية الواسعة في إقليم دارفور حاليا، ما يعني أن الحكومة تريد أن تقفز فوق المشكلات والتحديات التي تحول دون تشكيل القوة المشتركة المنصوص لها في الإتفاقية بسبب المتغيرات السياسية والاقتصادية  التي افرزها الانقلاب العسكري في البلاد- على حد قوله-

 

 

ويرى أن هذه الخطوة دفعت بعض الحركات المسلحة الى التحفظ من الانخراط في القوة المشتركة، الأمر الذي يفسر عدم وصول قوات هذه الحركات تخوفاً من أن تؤدي إلى وأد فكرة القوة المشتركة التي اشارت إليها إتفاقية سلام جوبا، وأضاف هذا الوضع سينعكس بكل تأكيد على مسألة اكتمال تكوين هذه القوة وفاعليتها والإرادة التي يمكن أن تعمل بها والدور المرجو منها.

 

 

وفي ذات المنحي يقلل الكاتب والمحلل السياسي محمد بدوي من فرص نجاح هذه القوة وذلك بسبب بنيتها التي وصفها بالهشة، ويرى بدوي بأن هذه القوة في الأصل هم مدنيين تم عسكرتهم لظروف محددة  وليست لهم علاقة بالقانون، فهنالك شرطة منوط بها حفظ القانون، ويضيف هذه القوات دورها منصوص في الإتفاق وأي تجاوز يعتبر تجاوز للاتفاق، ويتساءل بدوي شنو يعني الظواهر السالبة نفسها، في إشارة الي انها عبارة فضفاضة، قبل أن يطالب موقعي اتفاقية جوبا بصب جهودهم في السلام وترك الشرطة للقيام بدورها، وينبه الي وقوع هذه القوات في كمينين مسلحين أحدهما في أغسطس بشمال دارفور وأخر في ديسمبر الجاري بغرب دارفور وهذا يؤكد بنية هذه القوات نفسها.

 

 

شكوك حول المهمة

ويشكك بعض المراقبين في حيادية هذه القوات استناداً على الصراعات الأهلية التي اندلعت مؤخراً في منطقة “كولقي” بشمال دارفور ومدينة “الجنينة” عاصمة غرب دارفور،  واتهام بعض أفراد القوات ومن بينها الدعم السريع والحركات بالانحياز الي مجموعاتهم الاثنية في الأحداث.

 

 

ويقول رئيس العمد بمخيم زمزم للنازحين الشيخ أحمد نور لدارفور24 لا نعول على قوة تشارك فيها الدعم السريع لحمايتنا، الان نحن مسجونين في مخيمات النزوح بسبب الاعتداءات المتكرر على النازحين من قبل مليشيات الجنجويد، وبالتزامن مع تجميع القوات التي تسعى جهات الاختصاص لنشرها لحفظ الأمن في دارفور.

 

 

الراهن الأمني

في ظل هذا الوضع تستمر الهجمات على المدنيين بعدد من قرى دارفور ففي يوم الأربعاء الماضي هاجمت مليشيات على ظهور الجمال ترافقهم عربة “بوكس” على قرى بمنطقة ابوزريقة، وقبلها بيومين قامت ذات المليشيات بنهب 700 رأس من المواشي في شقرة، على مقربة مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وفي الأربعة ايام الماضية تم قتل مواطن اعزل في مدينة “طويلة” غربي ولاية شمال دارفور، ويتساءل العمدة أحمد نور: أين الحماية التي يتحدثون عنها، وأضاف نحن مجتمع النازحين لم نعول علي أية قوة حماية تشارك فيها قوات الدعم السريع لأنها مليشيات قبلية تسعى لتشريد السكان في دارفور.

 

 

وتشير التقارير الاولية لمكتب مفوضية حقوق الإنسان بولاية شمال دارفور الي مقتل اكثر من 300 شخص وتعرض اكثرة من 200 فتاة وامرأة للاغتصاب بجانب حرق اكثر من 40 قرية في الفترة من أغسطس الى نوفمبر 2021م وما زلت هذه المناطق تشهد انتهاكات من حين لآخر.

 

 

ويشير العمدة إلى أن المليشيات التي تعتدي على المدنيين العزل في محيط منطقة “كولقي” بالقرب من عاصمة الولاية الفاشر، هم اصلاً جنود في الدعم السريع، وأضاف: أشارت تقارير مؤكدة إلى مشاركة قوات الدعم السريع في أحداث غرب دارفور في مناطق “جبل مون، وكردينك”

 

 

ويضيف العمدة نور: على الموقعين على اتفاق جوبا ان يعيدوا استراتيجيتهم في حفظ الأمن في إقليم دارفور، وقال ان نشر هذه القوة وبمشاركة الدعم السريع عبارة عن “دس السم في الدسم”

 

 

ويقول الصحفي محمد عبد الله إن هذه القوة سيكون قوامها من أطراف تُتهم بأنها جزء من الصراعات في الإقليم، واستدل بالبيانات التي تصدر من القبائل بعد كل قتال الأمر الذي يعني أن عدم الثقة والصورة الذهنية والتنميط سيعقد عمل القوة المشتركة، ويأثر على ادائها وفاعليتها وحيادتها، وتابع: الدليل علي ذلك مجريات الأحداث التي جرت في مناطق كولقي وقلاب في شمال دارفور ومناطق جبل مون وكرينك في ولاية غرب دارفور.

 

 

ويضيف: اذا كانت اللجنة العليا للترتيبات الأمنية تريد حقاً فاعلية هذه القوة ونجاحها، عليها الاستعانة بقوة محايدة من خارج إقليم دارفور، وغير مرتبطة بالمكونات الاجتماعية في الإقليم علي سبيل المثال قوات الحركة الشعبية شمال في المنطقتين وكردفان.

 

 

ويضيف عبد الله هذه القوة من مهامها جمع السلاح والدراجات النارية وضبط المتفلتين وبالتالي وجود اطراف كما أشرت آنفاً ضمن هذه القوة سيعيق تنفيذ هذه المهام المنشودة وذلك خشية من أن  تمارس بعض الاطراف المحسوبية والتواطؤ والانحياز الخفي وتسريب مواعيد التحركات ومسارات القوات المشتركة حتي لا يحدث عامل المباغتة.

 

 

 

والدليل على ذلك- بحسب الصحفي محمد عبد الله- اتهامات وجهت لبعض الأطراف في هذه القوة المقترحة في الماضي قبل إسقاط النظام البائد بأنها مارست المحسوبية ابان فترة جمع السلاح، ووجهت لها اتهامات صريحة بانها جمعت السلاح من بعض المكونات وغضت الطرف عن مكونات أخري في الإقليم، وهذا مؤشر خطير سيثير الشكوك حول هذه القوة من هنا وهناك وسيعيقها ادائها.

 

 

ملف حقوق الانسان

منظمة “هيومن رايتس ووتش” شددت في يونيو الماضي على أن السودان لم يظهر اي علامة على المضي قدماً في إصلاح قطاع الأمن الذي تشتد الحاجة إليه، مشيرة إلى أن نشر قوات ذات السجلات الحقوقية السيئة وغير المدربة وغير المجهزة لإجراء تحقيق سيادة القانون يخلق بيئة مهيأة للإنتهاكات، وفي ذات السياق حث مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان في جنيف من مغبة نشر قوة للحماية قبل تدريبها على حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.

 

 

 

وقال المفوض السامي لحقوق الانسان في صحفي بجنيف “ان السلطات الوطنية جمعت قوة حماية مشتركة مؤقتة قوامها 3000 فرد لنشرها في وقت لاحق من هذا الشهر، فإننا نحثها على ضمان تلقى هذه القوة تدريباً شاملاً بشأن حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني قبل نشرها”

 

 

فيما كشف مدير  المفوضية القومية لحقوق الإنسان بولاية شمال دارفور محمد حقار لدارفور24 عن إثارة عدم تدريب هذه القوة المشتركة التي من المنتظر نشرها لحفظ الأمن، في اجتماع ضم مسؤولين من الأمم المتحدة وقانونيين ومنظمات المجتمع المدني بالولاية، حيث طالب المجتمعون بضرورة تدريب هذه القوة قبل نشرها، ولفت الى عدة انتهاكات مارستها بعض القوات في الثلاثة أشهر الماضية بمناطق متفرقة بولايتي شمال وغرب دارفور والان تم اختيارها ضمن القوة المشتركة.

 

 

ويرى الصحفي محمد عبدالله أن هذه القوة تشكلت علي عجل وكرد فعل لمجريات الأحداث الأمنية في دارفور وتطوراتها، ولم تخضع لتدريب وتأهيل لازمين في مجالات “حفظ الأمن، وحقوق الإنسان، ومكافحة الجريمة، وجمع السلاح” حتي يعينها على القيام بواجباتها،  وخاصة ان معظم هذه القوات هي قوات عسكرية قتالية لم تمارس مهام كهذه في السابق.