زالنجي- دارفور24
“أرسلتُ اطفالي باكراً الى المورد لجلب مياه الشرب، وعند عودتهم عصراً أسرعتُ لمساعدتهم على انزال جركانات الماء من الدواب “الحمير” لكني شعرتُ بدوخة رأس، وسقطتُ على الأرض، فانكسرتْ ساقي” بهذه الكلمات إستهلت السيدة “فاطمة حسين بشير” 37 عاماً- وهي حبلى في شهرها التاسع- كلماتها لدارفور24.
فاطمة وهي تعاني آلام الكسر ومضاعفات الحمل والجوع قالت إنها تعول 12 طفلاً منهم طفلين لشقيقتها التي توفيت وتركتهما لتعولهما، وتروي فاطمة معاناة وصولها مخيم “قوز حميض” قبل 14 يوم من منطقة “جلغام الشنا” بسبب فشل الموسم الزراعي المطري هذا العام، وأضافت: هذا الموسم كانت الأمطار شحيحة جداً مما أدى إلى فشل الموسم الزراعي، بالإضافة لحرفة الزراعة كانت فاطمة تعيش على ما تتحصل عليه من الاحتطاب، لكن الظروف الأمنية بغرب دارفور ألقت بظلال سالبة على النساء اللائي يمارسن الاحتطاب، وقالت “حرفة الإحتطاب صارت تزداد خطورة يوماً بعد يوم، خاصة مع إزالة وتدمير الغطاء النباتي القريب من المناطق السكنية، فتزداد المخاطر التي تتعرض لها النساء المحتطبات في ظل إنعدام الأمن” وتقول فاطمة إنها والنساء عامة يخشين التعرض للعنف لذلك ما عاد الإحتطاب مجدي لتوفير لقمة العيش في ظل إنعدام الأمن وبعد الغابات التي يتوفر فيها الحطب، فإضطرت للنزوح الي مخيم قوز حميض.
فاطمة حسين بشير
النازحة فاطمة حسين بشير
فاطمة تقضي أيامها الأولى بالمخيم وهي تنتظر أن تضع وليدها في هذه المنطقة النائية الفقيرة من أبسط مقومات الحياة، وقد سبقتها 12 من النسوة اللائي جاءهن المخاض تحت جذوع شجيرات هي نفسها تشكو العطش لأنها في منطقة جرداء، حالات الولادة هذه جميعها تمت على أيدي قابلة أهلية تعرف محلياً ب”داية الحبل” لم يجدن طبيباً لتعذر الوصول إلى خدمات رعاية صحية آمنة، لكن كان الحظ معهن رحيماً إذ لم تصاب إحداهن بمضاعفات أو أمراض الولادة.
النازحة مدينة عمر
النازحة مدينة عمر
وتنتظر فاطمة دورها وتمني النفس بأن تكون محظوظة هي الأخري لتضع جنينها بسلام رغم العوامل التي تحالفت ضدها المتمثلة في عدم التغذية الجيدة وشح مياه الشرب والوضع الصحي المتردي.
مع ذلك قصة فاطمة لا تختلف كثيراً عن سائر نساء مخيم “قوز حميض” وبقية مخيمات النازحين، فهي من تحت خيمة مهترئه ترسل نداء إستغاثة لعل يسمعها كل صاحب ضمير إنساني.
حالة أولى
النزوح الذي تشهد المنطقة يعد الأول من نوعه لجهة انه حدث بسبب فشل الموسم الزراعي هذا العام، حيث استقبلت مخيمات النزوح في إقليم دارفور خلال العقدين الماضيين أكثر من “2،5” مليون نازح بحسب إحصائيات منظمات الأمم المتحدة، يتوزعون في أكثر من  25 مخيماً في دارفور.
وبحسب قادة النازحين ارتفع عدد نازحي مخيم “قوز حميض” إلى أكثر من 8 آلاف أسرة، نزوحوا من عدة مناطق “لمساريه جنوب زالنجي، وشرق وادي أريبا، ومنطقه جلغام الشنا، ومنطقة دلمنجا، وفاج الحلا جنوبي زالنجي، وحجر الشوايا، ومنطقة الجبلين جنوب شرق زالنجي وغيرها” من قرى حول مدينة زالنجي التي فشل فيها الموسم الزراعي بسبب تغير المناخ فيها.
تجمع هؤلاء النازحون في منطقة خلوية تنعدم فيها مقومات الحياة، لا يجدون فيها ما يسد رمقهم، ما يعرض الأطفال واانساء الحوامل إلى أمراض سوء التغذية والملاريا والإسهالات المعوية وغيرها من الأمراض.
“عثمان” يجسد المأساة
في مخيم “قوز حميض” للنازحين الجدد يعيش “عثمان محمد إسماعيل” القادم من منطقة “فاج الحلا” وهو يعول 12 طفلاً هم “أبناؤه وأبناء أخيه وأخته” اللذان توفيا وتركا أطفالاً وأضافوا اعباءً على كاهل عثمان، الذي كان تاجراً ومزارعاً ميسور الحال، لكنه أصبح معدماً اجبرته الظروف على النزوح ليسكن في خيمة صغيرة من جوالات “الخيش” منتظراً وصول مساعدات إنسانية تنقذه من المسبغة، فمأساة “فاطمة وعثمان” يعيشها نازحو المخيم- الذين بلغ عددهم 8 ألف اسرة- بسيناريوهات مختلفة لكنها تنتهي عند وصفهم بنازحين.
شبح المجاعة
فرار الآلاف من سكان هذه المناطق الى مخيم “قوز حميض” بعد فشل الموسم الزراعي يعيد الى الذاكرة الشعبية مأساة مجاعة 1984م حينما ضربت المجاعة إقليم دارفور وتسببت في هجرات السكان إلى وسط وشمال وشرق السودان، اضافة الى انها تنذر بارتفاع وتيرة النزاعات بين السكان، هذا ما ذهب إليه الحاج “مريحيل محمد جامع 85 سنة”
مريحيل يقول- لدارفور24- إنه شهد كثير من الكوارث وتقلبات الظروف الطبيعية والمجاعات التي ألمت بدارفور، لكنه يقول “ما شفنا سنة صعبة كهذه في دارفور، سنة الجفاف 1984م كانت الأمطار أفضل من أمطار هذا الموسم”
وذكر “مريحيل” ان الظروف إضطرته للنزوح من منطقة “حجر الشوايا” إلى بعد فشلت زراعته، ويقول: زرعت هذا الموسم “5 مخمسات” أكثر من “6 أفدنة” فلم أحصد سوى جوال واحد من الدخن، وهو أقل إنتاج أحصل عليه خلال عمري” وأضاف “حتى سنة الجفاف 1984م كان الحصاد أفضل”
الا أن حالة النازح “حمدان محمد” 65 عام الذي انتقل الى المخيم من منطقة “فاج الحلا” جنوبي زالنجي عاصمة وسط دارفور تعكس مدى تأثير تغير المناخ على حياة السكان بدارفور، يقول حمدان انه يملك مزرعة بمساحة 3 فدان يعيش على انتاجها هو وأسرته، لكنه لم يحصد في هذا العام سوى “4 ملوة” فقط من الذرة، وهذا الانتاج لا يكفي حاجة أسرته لأسبوع واحد ناهيك عن قوت عام.
وفي 29 ديسمبر الماضي هاجم سكان بمدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور مخازن برنامج الغذاء العالمي ونهبوا المواد الغذائية التي كانت بحوزة البرنامج، الأمر الذي اضطر المنظمة الدولية الى اغلاق مكتبها بالولاية وايقاف المساعدات التي تقدمها للنازحين.
أطفال هجروا مقاعد الدراسة
الطفل الهادي جلابي 15 سنة جاء مع أسرته للمخيم من منطقة “دلمنجا” كغيره من الأطفال الذين حرمتهم الظروف المعيشية من مواصلة تعليمهم، هو الأكبر عمراً بين 8 أشقاء نزحت أسرتهم إلى مخيم “قوز حميض” أكتفى الهادي في حديثه لدارفور24 بذكر ما يهمه، بقوله “نتعب كتير في ورود الماء”
بين سندان الحرب ومطرقة المجاعة
عاش اقليم دارفور منذ العام 2003م حروباً طاحنة راح ضحيتها أكثر من 300 ألف شخص ونزوح أكثر من 2،5 مليون من قراهم بحسب إحصائيات الأمم المتحدة، هذه الأزمة التي عاشها الاقليم بدأت تتفاقم ببروز تغييرات المناخ، وشح الأمطار التي يعتمد عليها السكان في الزراعة لتأمين قوتهم السنوي، يقول النازح “موسي جرمه الساير” منطقة الجبلين جنوب شرق زالنجي “عانينا من الصراعات القبلية التي تحدث حولنا، وفوق ذلك جاء الجوع بعد فشل الموسم الزراعي بسبب عدم هطول أمطار كافية”