قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّ سلطة الأمر الواقع في السودان تستهدف على نحو يبدو متعمدًا الصحافيين ووسائل الإعلام العاملة في البلاد منذ الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر/ تشرين أول الماضي.

وذكر المرصد الأورومتوسطي في تقرير نشره الخميس بعنوان: “نلجأ لإخفاء هويتنا”، أنّه وثّق نحو 55 اعتداء أمنيًا على الصحافيين ووسائل الإعلام في السودان في المدة بين أكتوبر/ تشرين أول 2021 ومارس/ آذار 2022، شملت الاحتجاز التعسفي، والملاحقة الأمنية، واقتحام وإغلاق مكاتب إعلامية، وبلغت حد إلحاق الأذى الجسدي والنفسي بعدد من الصحافيين على نحو متعمد.

    “الحملة العنيفة على حرية الصحافة في السودان بعد الانقلاب العسكري تعكس بشكل واضح عزم سلطة الأمر الواقع على محاربة جميع الأصوات التي قد تعارضها أو تفضح انتهاكاتها”  

نور علوان، مسؤولة الإعلام في المرصد الأورومتوسطي

وبيّن التقرير الذي استند إلى عشرات الشهادات لصحافيين سودانيين أنّ قطاع الإعلام في السودان يعاني منذ الانقلاب العسكري من سطوة أمنية صارمة، تمثلت في فرض قيود على حرية التعبير، وتحكم كامل بوصل وقطع خدمات الإنترنت، إضافة إلى فرض إجراءات عقابية ضد وسائل الإعلام التي نشطت في تغطية الاحتجاجات الشعبية، وما رافقها من انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان.

ووثق التقرير وقف السلطات بث 36 اذاعة محلية على الأقل، خلال مدة أسبوعين فقط (25 أكتوبر/تشرين أول – 10 نوفمبر/تشرين ثانٍ 2021)، على خلفية تغطيتها للاحتجاجات الشعبية.

وأكّد المرصد الأورومتوسطي أنّ سلطة الأمر الواقع في السودان تستهدف –فيما يبدو- بقمع العمل الصحفي إضعاف أو حجب التغطية الإعلامية للاحتجاجات الشعبية المتواصلة الرافضة للحكم العسكري، إذ تلعب وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها دورًا مهمًا في كشف أعمال القمع الخطيرة ضد المتظاهرين، والتي أسفرت عن مقتل 92 منهم وجرح المئات منذ 25 أكتوبر/ تشرين أول 2021، وحتى 26 مارس/ آذار، وفق توثيق لجنة أطباء السودان.

ولفت إلى أنّ سلطة الأمر الواقع في السودان تخالف على نحو فجّ الدستور السوداني فيما يتعلق باحترام حرية الصحافة ووسائل الإعلام، إضافة إلى المواثيق والاتفاقيات الدولية ذات العلاقة، وتوفّر في ذات الوقت حماية لمرتكبي الانتهاكات بما يضمن إفلاتهم من العقاب، من خلال تعطيل الأدوات القانونية، والسيطرة على أبرز الكيانات القضائية والرقابية.

وبيّن أنّ الانتهاكات ضد الصحافيين في السودان بعد الانقلاب العسكري اتخذت مظاهر عديدة، منها اقتحام المكاتب الإعلامية والاعتداء على الصحافيين العاملين بها، إذ قالت مراسلة قناة “الحدث” الصحافية “لينا يعقوب باج”، في إفادتها للمرصد الأورومتوسطي: “بتاريخ 30 ديسمبر/ كانون ثانٍ 2021، يبدو أنّ معلومات وصلت لقوات الأمن أننا نقوم بنقل الاحتجاجات بشكل مباشر، فحضرت للمبنى الذي يتواجد فيه مكتب القناة، واعتدت بالضرب على المصورين والمنتجين في المكتب.

وأضافت “عندما تعرّف عناصر الأمن على هويتي، اقتادوني برفقة أحد الزملاء الذي كان يحاول حمايتي إلى خارج المبنى، واعتدوا علينا بالضرب في الشارع، وقالوا إنّنا نقوم بفضحهم، ووجهوا لنا الكثير من الإساءات. خلّف هذا الهجوم إصابة عدد من الزملاء أحدهم كانت جراحه متوسطة، وتم تحطيم جهاز”SNG” الخاص بالبث، وصادروا جهاز الثريا الخاص بي و3 هواتف أخرى دون إعادتها حتى الآن”.

وقالت “نور علوان” مسؤولة الإعلام لدى المرصد الأورومتوسطي إنّ الحملة العنيفة على حرية الصحافة في السودان بعد الانقلاب العسكري تعكس بشكل واضح عزم سلطة الأمر الواقع على محاربة جميع الأصوات التي قد تعارضها أو تفضح انتهاكاتها، وتبرهن على صحة ومشروعية المخاوف التي أُثيرت بشأن الحريات عقب الانقلاب العسكري”.

وأضافت أنّ “البيانات التي عرضها التقرير تؤكد أنّ استهداف الصحافة في السودان سياسة متعمدة ومنظمة وليست سلوكًا اعتباطيًا أو فرديًا، وتبرز في ذات الوقت أهمية وجود صحافة مستقلة تساهم في جهود فضح منتهكي حقوق الإنسان”.

ودعا المرصد الأورومتوسطي إلى إجراء تحقيق مستقل ونزيه في جميع حوادث الاعتداء على الصحافيين والكيانات الصحافية، بما في ذلك حوادث الاعتداء الجسدي والاحتجاز التعسفي واقتحام المؤسسات الصحافية، وتقديم المسؤولين عنها إلى العدالة.

وطالب المرصد الأورومتوسطي سلطة الأمر الواقع بالإفراج الفوري عن الصحافيين المحتجزين تعسفيًا كافة، والتراجع عن قرارات سحب تراخيص المؤسسات الصحافية ووقف عرقلة عملها، وإعادة الأدوات والأجهزة المصادرة والتعويض عمّا تم إتلافه، إضافة إلى التوقف عن التحكم التعسفي بخدمات الانترنت، واحترام الحق في الحصول على المعلومات.