تقرير- دارفور24
فرت السيدة “مريم آدمين” من ولاية غرب دارفور تاركة خلفها منزلها وكُل ما تملكه عقب اندلاع احداث دامية في “كرينك” منتصف العام الجاري، ليستقر بها الحال وأُسرتها الصغيرة في ضواحي منطقة الحاج يوسف بمحلية شرق النيل.

 

تذكر السيدة البالغة من العمر 58 عاماً كيف رقصت ورفيقاتها احتفالاً بالتوقيع على اتفاق السلام بجوبا، لكنها تشعر بخيبة أمل كبيرة الآن، فبمرور عامين على توقيعه لاتزال بلا مآوى.

خط أحمر

جلست السيدة “مريم آدمين” في مُقدمة خيمة واسعة نُصبت لإقامة ندوة سياسية نظمها تحالف الحرية والتغيير التوافق الوطني في السابع من اكتوبر الماضي بمنطقة الحاج يوسف بمحلية شرق النيل، احتفالاً بمرور عامان على توقيع اتفاق جوبا للسلام.

 

وقالت لـدارفور24 إنّ الاتفاق الذي استقبل أهالي دارفور التوقيع عليه بحفاواة بالغة، تسبب في صناعة نازحين جُدد ولم يُحقق أيَ من الوعود التي تضمنها أو سمعوها من أفواه قادة الاتفاق سابقًا، ولاترى أي فرق حال تم الغائه أم لا.

بينما يشددّ الرئيس المناوب للجنة العسكرية العليا المشتركة للترتيبات الأمنية مسار دارفور، الفريق سليمان صندل حقار، خلال مخاطبته الحشد في ذات الندوة- رصدتها دارفور24ـ على أن اتفاق السلام “خط أحمر” لا يُمكن مراجعته أو الغائه.

 

واضاف قائلاً “قُدمتْ أوراق لمجلس السيادة تُطالب بمراجعة اتفاق السلام نرفضها جملةً وتفصيلاً، هذا الاتفاق محروس بدماء الشهداء وقُمنا بصياغته بعد “20” عاماً من الحرب، هو ليس امتحان جغرافية لتتم مراجعته”.

 

وفي الثالث من أكتوبر 2020م وقعت حكومة السُّودان مع تحالف الجبهة الثورية الذي يضم خمس حركات مسلحة وأربع حركات سياسية اتفاقًا للسلام بمدينة جوبا عاصمة جنوب السودان، وسط آمال بأن يكون الإتفاق الوليد مدخلاً لمرحلةً جديدةً من الاستقرار بعد سنوات طويلة ومريرة من الحرب.

 

وقّع على الإتفاق مُمثلاً لحكومة السودان الإنتقالية النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو، وعن أطراف السلام رئيس التحالف السوداني خميس عبدالله أبكر، ورئيس حركة العدل والمساواة دكتور جبريل إبراهيم، ورئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي، ورئيس تجمع قوى تحرير السودان الطاهر حجر،ورئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال مالك عقار آير.

 

ورفض الانضمام للاتفاق فصيلان رئيسيان هما حركتا جيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد نور التي تسيطر على أجزاء واسعة من جبل مرة بأقليم دارفور، والحركة الشعبية بقيادة عبدالعزيز الحلو التي تقاتل في جنوب كردفان والنيل الأزرق.

 

ما الذي تحقق؟

تُطالب أصوات عديدة من ضمنها الناطق الرسمي باسم منسقية النازحين واللاجئين آدم رجال بمراجعة اتفاق السلام في أسرع وقت ممكن.ويبرر “رجال” في مقابلة هاتفية أجرتها معه دارفور24 مطالبه بإنّ الاتفاق لم يُخاطب جذور الأزمة التاريخية ولم يُلبي تطلعات ملايين من النازحين واللاجئين في معكسرات النُزوح المختلفة بدارفور، وبالرغم من اكماله عامه الثاني إلا أنه لم يُحقق لو جزء ضئيل من مهامه بل زاد “الطين بلة” ـ حد تعبيره ـ.

وأضاف: اتفاق جوبا للسلام فشل في توفير الأمن ونزع السلاح من المليشيات بمسمياتها المختلفة، ووقف الحرب وعمليات القتل والتشريد وحرق القُرى واغتصاب النساء، لأن هدف الموقعين عليه الوصول للسُلطة واكتناز الأموال وامتطاء السيارات الفارهة فقط مثله وبقية الاتفاقيات الموقعة في عهد الرئيس السابق عمر حسن البشير كاتفاقيتي “ابوجاـ الدوحة” ولم تكن قضايا النازحين واللاجئين من ضمن اولياتهم.

 

نازحون جُدد

يقول “رجال” إنّ اندلاع الصراع في اقليم دارفور عقب فترة وجيزة من التوقيع على الاتفاق يُعضد ما ذهب إليه، ويُشير بوضوح إلى أنه ليس سوى حبر على ورق وساهم في صناعة نزوح جُديد.

 

وشهدت- وفقاً لحديثه- منطقتي “كولقي، وقلاب” بشمال دارفور في اغسطس 2021م أحداث دامية تسببت في نزوح 5300 أُسرة إلى مخيمات “زمزم، شقرة ج، وطويلة”. وهناك ايَضاً احداث منطقة جبل مون بولاية غرب دارفور والتي تسببت في قتل 32 شخصاً وإصابة 16 آخرين ونزوح 10000شخص لجأ 2000 منهم لدولة تشاد الحدودية، ثم اندلعت احداث منطقة “كرينق” بولاية غرب دارفور في أبريل الماضي والتي راح ضحيتها 200 شخص وجُرح (37).

 

وأضاف: حصيلة النزاع بإقليم دارفور على مدى عامين بلغت حوالي الـ500 قتيل و150 الف نازح والمئات من الجرحى والنساء المغتصبات والقُرى المحروقة بالكامل والمواشي المنهوبة.

 

اخطاء فادحة

يقول”رجال” إن الاتفاق تضمن اخطاء فادحة في مقدمتها تقسيم البلاد إلى مسارات ما تسبب في نشوب صراعات في دارفور والنيل الأزرق وشرق السودان سيما ولايتي كسلا والبحر الأحمر، اضافة إلى دعم قادة الاتفاق انقلاب 25 اكتوبر وما تلاه من ايقاف للدعم المادي الدولي وتزايد حدة الانتهاكات ضد المتظاهرين في المركز والولايات.

 

وشدد على أن بند عودة النازحين الذي يعد أحد أهم بنود الاتفاقية يصعب تحقيقه في الوقت الراهن، لأنه يتطلب اولاً توفير الأمن ونزع السلاح ووقف الجرائم ضد الإنسانية وإلقاء القبض على مرتكبي الجرائم وتسليمهم للعدالة وتعويض الضحايا فردياً وجماعياً وتوفير المياه النقية والكهرباء والتعليم الجيد والمرافق الصحية اللازمة.

 

+العودة إلى الحرب

وتُقابل أطراف العملية السلمية جميع الأصوات المنتقدة للاتفاقية أو المطالبة بمراجعتها أو إلغائها بحزم شديد، ويقول الناطق الرسمي بإسم التحالف السُّوداني حزيفة محي الدين البلول في مقابلة أجرتها معه دارفور24 إن الهدف من توقيع الاتفاق وقف الحرب والغائه يعني العودة إليها مجددًا، ولكنها ستندلع هذه المرة من داخل المدن وليس في الأطراف، فلدينا قوات مرتكزة في كافة انحاء السودان.

 

“حذيفة” يرى أن ما تم تنفيذه من بنود اتفاقية جوبا 3% فقط، أما بقية الملفات المتعلقة بالنازحين واللاجئين وتعويض الضحايا والدمج والتسريح لم تر النور حتى الان لعدم التزام الحكومة بتنفيذ بند الترتيبات الأمنية وغياب الارادة السياسية وما تشهده الساحة السياسية من صراعات.

 

وحصل الموقعين بموجب الاتفاق على ثلاثة مقاعد في مجلس السيادة وخمس وزارات ورُبع مقاعد المجلس التشريعي البالغة اجمالاً 300 مقعد و40% من المناصب الحكومية في حكوماتهم الإقليمية و40% من الإيرادات المحصلة محلياً، وسيدفع صندوق جديد 750 مليون دولار سنوياً لمدة 10 سنوات لدعم المناطق الفقيرة.

 

تقسيم السلطة

يؤكد أمين التفاوض والسلام بحركة العدل والمساواة أحمد تقد لسان أن الهجوم على اتفاق جوبا باعتباره خصماً على التحول الديمقراطي لا يسنده منطق. وقال- خلال حديثه في ندوة حول اتفاق السلام بدار حركة العدل والمساواة رصدتها دارفور24- إن السلام هو الارضية الصلبة التي يقوم عليها التحول الديمقراطي، وأن الاتفاق ليس خصماً على الانتقال الديمقراطي بل أسس لكيفية التحول من حالة الاقتتال والفوضى إلى الاستقرار.

 

بيد أن المحلل السياسي وائل أبوكروق يرى عكس ما ذهب إليه تُقد حيثُ قال في مقابلة مع دارفور24 إن اتفاق جوبا للسلام ليس سوى اتفاقاً لتقسيم السُلطة وقد فشل في مخاطبة جذور الأزمة التاريخية لأصحاب المصلحة الحقيقية، وشدد على أن رفض الموقعين عليه مراجعة الاتفاق رغم فشلهم في تنفيذ 90% من بنوده مرده الى خوفهم من خسارة مناصبهم السياسية، وأشار إلى أن عامين مرت دون أن يُحقق الاتفاق أي شيء سوى تمسك قادته بالسُلطة التي حصلوا عليها عن طريق المحاصصة السياسية.