نيالا- دارفور24

يعيش الموظفون في المؤسسات العامة والخاصة بالسودان التي تأثرت بالحرب في ظروف مأساوية هذه الايام الحرب التي تشهدها البلاد بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ 15 ابريل الماضي، وقد مضت شهران ولم يصرفوا رواتبهم.

 

معاناة الموظفين تأتي من كونهم شريحة محدودة الدخل لا تكفي رواتب لاعاشة الاسرة المتوسطة لمدة اسبوع، ورغم ذلك عندما اندلعت الحرب كان اغلبهم انفق ما لديه من أموال في احتياجات شهر رمضان المعظم، وقبل ان تصرف لهم الحكومة راتب شهر مارس اندلعت الحرب فأوقفت كل شئ وتعطل العمل في المؤسسات الحكومية والخاصة.

 

وبحسب مصادر تحدثت لدارفور24 فان الموظفين بجميع ولايات البلاد لم يصرفوا أجورهم، رغم ان وزير المالية الاتحادي دكتور جبريل ابراهيم وجه اكثر من مرة بصرف مرتب شهر ابريل، لكنه اعطى اولوية الصرف للقوات المسلحة والشرطة، وافادت متابعات دارفور24 بأن قوات الشرطة كذلك لم تتمكن من صرف راتب شهر ابريل، ما يعني أنه منذ اندلاع الحرب لم يتمكن موظف سواء كان في القطاع الخاص او العام من صرف استحقاقه سوى الجيش.

 

ويقول دكتور الحافظ عبد النور الموظف باذاعة نيالا المحلية ان الموظفين منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل الماضي وحتى لحظة حديثه لدارفور24 لم يتمكنوا من صرف رواتبهم رغم مضي شهرين كاملين، واضاف الحافظ: للآن لم تظهر اي جهة لتؤكد لنا متى يتم ذلك، وقد عانينا معاناة شديدة في مقابلة متطلبات الحياة اليومية التي حصرناها فقط في المأكل والمشرب، وحتى العلاج أصبح البعض يعتمد على العلاج البلدي لعدم وجود النقود.

 

وذكر دكتور الحافظ ان الموظفين اضطروا اتباع سياسة التقشف بتقليل الصرف والاقتصار على الضروريات، والتناول الجماعي للوجبات لتفادي إهدار المواد الغذائية وتقليل عدد الوجبات في اليوم.

 

وأدت المواجهات بين القوات المسلحة والدعم السريع بمدينة نيالا يومي 15 و16 ابريل الى تدمير ونهب وحرق اغلب المؤسسات العامة والخاصة، بجانب توقف العمل في جميع المرافق الحكومية، وجرت محاولات من قبل حكومة الولاية في منتصف مايو لتمكين الموظفين من صرف أجورهم الا ان تلك المحاولات باءت بالفشل بعد تجدد الاشتباكات للمرة الثانية بين الجيش والدعم السريع بمدينة نيالا في 19 مايو، اعقبتها عمليات نهب واسعة للبنوك والمصارف الأمر الذي وضع حداً لآمال الموظفين في صرف أجورهم.

 

ويرى الموظف بوزارة المالية حافظ عسكر ان حاله افضل من غيره من الموظفين لجهة انه صرف حافزاً قبل بدء الحرب بيومين مكنه من شراء كميات من العدس والارز والذرة وجوال من الرغيف الجاف يسمى محلياً “قرقوش” لكن هذا المخزون بدأ في النفاد.

 

وقال عسكر ان الموظفين يعيشون وضعاً صعباً للغاية، لأنهم يعيشون على آخر مبالغ مالية كانت بحوزتهم قبل اندلاع الحرب، واضاف “نحن الآن وصلنا العد التنازلي للموت البطئ، وعايشين فقط على الله كريم، واذا استمرت الحرب لاسبوعين قادمين سيكون مصير الناس الموت جوعاً ” وتابع “انا الآن ما قادر انوم كويس كل شوية اصحى أشوف أطفالي امامي وانا عاجز عن تقديم شئ لهم يؤمن حياتهم” ويضيف قائلاً “نحن الآن نسينا الشبع فقط نأكل بمقدار معين لنستمر في الحياة”

 

وذكر الموظف بديوان المراجعة الداخلية بالولاية عز الدين السنين النعمة ان هذه الحرب اوقفت سبل كسب عيش آلاف الموظفين بمؤسسات الدولة، واوضح ان آخر راتب تم صرفه للموظفين راتب شهر مارس، وليست هناك بدائل حتى الاسواق، اغلقت تماماً، كي يتخذها البعض مصادر دخل بديلة، ووجه عز الدين نداءً لقائدي الجيش والدعم السريع باتخاذ قرار عاجل بايقاف الحرب.

 

وبحسب الموظف حافظ عسكر فان معالجة هذا الوضع لا تتم الا بوقف الحرب ودخول المنظمات الدولية لتقديم المساعدات الغذائية للموظفين وبقية الشعب السوداني من هذا الوضع الكارثي، ويتفق مع حافظ الخبير الاقتصادي والكاتب الصحفي الحسين ابوجنة بأن الوضع يحتاج الى تدخل المجتمع الدولي والاقليمي لاغاثة الموظفين في مؤسسات الدولة أسوة بالنازحين بالمخيمات.

 

وقال ابوجنة ان الوضع المعيشي للموظف الحكومي متدني ولا يفي باحتياجاته حسب المعايير العالمية لمستوى دخل الفرد، وأنه بحسب آخر دراسات البنك الدولي فان راتب الموظف الحكومي يساوي “سُدس” احتياجاته الشهرية، واضاف “بالتالي موظف الدولة في الاصل يعيش حد الكفاف ناهيك عن انه لم يصرف راتبه لشهرين” قائلاً هذه قمة المعاناة والأسى لأسر الموظفين الذين تمنع كذلك الحرب للخروج بحثاً عن فرص بديلة للدخل.

 

وذكر ابوجنة أن هذا الوضع سيكون له مردودٌ سلبي على اسر الموظفين وصحتهم البدنية واستقرارهم النفسي والعائلي، وربما يتسبب هذا الوضع في تفكيك بعض الأسر.

 

ونبه ابوجنة الى الوضع المعيشي حسب آخر دراسات ما بعد اندلاع حرب 15 ابريل يشير الى ان 85% من الشعب السوداني يعيشون تحت خط الفقر، وقال لذلك على الحكومة ووزارة المالية ان تلعب دوراً لكنه استدرك بقوله: كيف لوزارة المالية ان تخطط لسياسة احتواء الموقف في ظل هذه الحرب وهي مغلقة الابواب لذلك ليس هناك بد من مناشدة المجتمع الدولي والاقليمي لاغاثة العاملين بمؤسسات الدولة.

 

دارفور24 توجهت بالسؤال لوزيرة المالية بجنوب دارفور نعمات يس عن محالاوت الوزارة لصرف أجور العاملين فقالت إن وزارتها أكملت كل عليها من ترتيبات الإدارية للصرف لكن الظروف الأمنية لا تسمح بذلك، وأضافت: يقف تأمين البنك عقبة أمام صرفها، ونحن في هذه الظروف لا نملك قرار سحب المبالغ المالية من البنك، وهو أمر تأميني فقط” وذكرت ان إدارة البنك تتخوف من ان يتعرض البنك للنهب.

 

وبذلك أحالت الحرب بين الجيش الدعم السريع حياة الآلاف من أسر الموظفين بالمؤسسات العامة والخاصة الى جحيم المعيشة وخطر التفكك الأسري والموت الحتمي، فمن لم يمت منهم برصاص الجيش او الدعم السريع او العصابات المسلحة مات جوعاً أو قهراً على ما آلت إليه ظروفه الأسرية.