تقرير: دارفور24

توسعت المساحات المزروعة بنبات المخدرات المعروف بـ”البنقو” في إقليم  دارفور غرب السودان، وسط انتشار التوزيع والتسويق داخل المدن التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، وفق ما رصدته “دارفور24”.

وقالت مصادر شرطية كانت تعمل سابقًا بمكافحة المخدرات في ولاية جنوب دارفور، إن بعض تجار المخدرات انضموا إلى قوات الدعم السريع، بعد اندلاع الحرب الجارية وأصبحوا يمارسون نشاطهم تحت حماية بندقيتهم، كما تحول شرطيون سابقون في المكافحة إلى تجار يزرعون ويروجون “البنقو”.

وأصبح مروجو ومتعاطو المخدرات يمارسون نشاطهم بصورة مكشوفة في نيالا والضعين وفق ما رصدته “دارفور24″، في وقت أكدت مصادر أن ذات الأمر يجري في مناطق سيطرة الدعم السريع بالخرطوم والجزيرة، كما يتم ذلك بنسبة أقل في مناطق سيطرة الجيش السوداني خصوصًا في مدينة أمدرمان.

وترى المصادر التي تحدث معها “دارفور24” أن توسع زراعة المخدرات وانتشار توزيعها في مساحات واسعة من البلاد، يعزز فرضية دخولها ضمن موارد تمويل الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع التي اقتربت من دخول عامها الثالث دون أفق لوقف القتال المدمر.

زراعة وتمويل

أكد أحد ضباط شرطة مكافحة المخدرات في ولاية جنوب دارفور، وهي الولاية المنتجة لمخدر البنقو في السودان، أن المساحات المزروعة من حشيش “البنقو” في مزارع منطقة الردوم جنوب الولاية زادت الى الضعف خلال العشرين شهر الماضية.

وقال الضابط الذي اشترت عدم ذكر اسمه لـ”دارفور24″ إن المساحات المزروعة زادت الى الضعف وذلك بعد دخول مزارعين جدد في زراعة وترويج الحشيش، بعد سحب قوات الشرطة التي كانت تعمل في المكافحة.

وأشار إلى أن شرطة ولاية جنوب دارفور كانت تقدر المساحة المزروعة بالحشيش في العام 2022 بمنطقة الردوم بنحو 20 ألف فدان، وتنحصر في منطقة وعرة على الشريط الحدودي مع دولتي جنوب السودان وافريقيا الوسطى.

وبحسب ضابط شرطة مكافحة المخدرات فإن قادة في قوات الدعم السريع قاموا بتمويل مزارعين في مناطق جنوب الردوم مقابل قسمة العائدات بالتساوي، كما تحول عدد من أفراد مكافحة المخدرات وعسكريين آخرين الى مزارعين وتجار بعد أن توقف صرف أجورهم بسبب الحرب.

وكشف المصدر عن تعرضه لتهديدات من أحد تجار المخدرات الذي انضم لقوات الدعم السريع حديثًا ويعمل حاليًا في الترويج بسوق موقف الجنينة بمدينة نيالا، بقوله: “زمان بتقبضونا وتحاكمونا، الآن لو راجل تعال سوق البنقو عشان تعرف حاجة”.

من الذهب إلى الحشيش

وتطابقت إفادة ضابط الشرطة مع “أبو محمد” وهو اسم مستعار لأحد قيادات المجتمع المحلي في منطقة “الردوم”، حيث أكد دخول قادة عسكريين من قوات الدعم السريع في زراعة وتجارة المخدرات، الى جانب تسهيل عملية نقلها الى مناطق التسويق بما فيها مواقع سيطرة الجيش التي تحقق فيها المخدرات ارباحاً طائلة، وفق قوله.

وسهلت قوات الدعم السريع عملية نقل المخدرات، وأصبحت تنقل أكثر عبر عربات الدفع الرباعي، بدلاً عن الدواب والدراجات الهوائة والمواتر التي كانت قبل الحرب.

ولم تكن مكافحة المخدرات من أولويات قوات الدعم السريع على الرغم من أنها تمارس بصورة علنية في الأسواق، حيث لم تشهد ساحات المحاكم التي انشأتها في دارفور اي قضايا تتعلق بالمخدرات.

وأضاف الضابط أنه “بعد سحب نقاط شرطة مكافحة المخدرات التي كانت منتشرة في مناطق “كفية قنجي”، و”كفن دبي” وجنوب الردوم، أصبح المزارعون يجدون راحتهم في الزراعة حتى أن الحقول تمددت داخل المناطق المأهولة بالسكان”.

وقال “أبو محمد” لـ”دارفور24″ إن الحرب الدائرة حفزت المعدنيين عن الذهب في مناجم “سنقو” المجاورة، على ترك التنقيب والعمل في زراعة “الحشيش” خاصة أثناء فترة الخريف التي تتوقف فيها عمليات التعدين بسبب الأمطار.

المركز التجاري

وفي ولاية شرق دارفور التي اشتهرت بأنها نقطة عبور لشحنات مخدرات البنقو المتجهة إلى شرق السودان، تحولت عاصمتها مدينة “الضعين” بعد الحرب إلى مركز تجاري مهم للمخدرات، حيث تصلها بسهولة من مناطق الإنتاج وتعبر منها إلى مناطق الاستهلاك شمال وشرق البلاد.

وفي ديسمبر الماضي حذر رئيس المبادرة المجتمعية لمحاربة الظواهر السالبة بولاية شرق دارفور، عثمان مسبل، من خطر انتشار المخدرات في الأسواق المدينة التي تخضع لسيطرة قوات الدعم السريع.

وأشار مسبل في خطاب جماهيري للمبادرة بمدينة الضعين إلى أن المخدرات وحبوب الترامادول تُباع علنًا في الأسواق، خصوصاً أسواق “الدليبة والشاحنات” داخل المدينة.

وتسائل رئيس المبادرة “أن كل ما يحدث في مناطق سيطرة الدعم السريع، يتكرر في مناطق سيطرة الجيش”، لافتاً إلى أن ذلك يعكس عجز القائمين على إدارة البلد ويؤكد أن ليس لديهم القدرة الأمنية والسياسية والاقتصادية، حسب قوله.

لا يختلف الوضع كثيراً في ولاية جنوب إذ أشار أحد تجار المخدرات السابقين في نيالا إلى أن البيع والشراء سابقاً كان يتم بسرية تامة وفي أماكن خارج المدينة على أن يتم التخزين في عدة أحياء خوفًا من المداهمة، وذلك لوجود رقابة ومخبرين في جميع أنحاء الولاية.

ارتفاع الأسعار

وأضاف التاجر الذي طلب عدم ذكر اسمه لـ”دارفور24″ أن “التجارة اليوم تتم في العلن بأسواق المواشي وموقف الجنينة وقادرة وسوق الجبل والسوق الشعبي، وفي جميع المحليات بدون اي تدخل من قوات الدعم السريع”.

وأشار الى ارتفاع أسعار المخدرات رغم الوفرة وتوسع دائرة الأمان للمروجين، وعزا ذلك الى زيادة الطلب بصورة كبيرة وسط المتعاطين من الشباب والمقاتلين وسهولة نقلها الى أسواق أخرى.

وحول أسعار المخدرات تأكدت “دارفور24” من أكثر من مصدر، بأن سعر القندول “الفلتة” من نوع هلال درجة أولى، ارتفع 20 ألف جنيه عوضًا عن 7 جنيهات قبل الحرب، بينما يباع درجة ثانية بـ 12 ألف جنيه.

وكانت وزارة الدخلية تُرسل سنويا قوة كبيرة من وحدات الشرطة بالتنسيق مع الفرقة السادسة عشر مشاة في نيالا، إلى مناطق الردوم بالتزامن مع موسم حصاد الحشيش وتقوم بإبادة المزارع عن طريق إشعال النيران.

وتقع محلية “الردوم” التي اشتهرت بزراعة الحشيش في ولاية جنوب دارفور على بعد 380 كم من حاضرة الولاية مدينة نيالا، على الحدود مع دولتي جنوب السودان وافريقيا الوسطى.

وتعتبر “الردوم” أهم منطقة لزراعة مخدر الحشيش “البنقو”، حيث يبدأ موسم الزراعة في يونيو من كل عام، ويبدأ حصادها بعد ثلاثة أشهر.