بروكسل – دارفور24
أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش، اليوم الثلاثاء، ارتكاب قوات “درع السودان” المتحالفة مع الجيش السوداني، جرائم حرب تمثلت في قتل المدنيين وحرق مساكنهم ونهب ممتلكاتهم في ولاية الجزيرة.
وقالت المنظمة الدولية في تقرير نشرته اليوم الثلاثاء، إنه “بموجب مبدأ مسؤولية القيادة، قد يكون القادة العسكريون مسؤولين عن جرائم الحرب التي يرتكبها أفراد تابعون للقوات المسلحة، أو مقاتلون آخرون خاضعون لسيطرتهم”.
وأكدت أن قوات درع السودان التي يقودها ابوعاقلة كيكل، تعمّدت استهداف المدنيين في هجوم شنته يوم 10 يناير 2025، على قرية “كمبو طيبة” بولاية الجزيرة أسفر عن مقتل 26 شخصا على الأقل، بينهم طفل، وجرح آخرين. كما نهبت الجماعة الممتلكات المدنية بشكل منهجي، بما يشمل المؤن الغذائية، وأحرقت المنازل.
وتشكّل هذه الأفعال جرائم حرب، وبعضها، مثل قتل المدنيين عمدا، قد يشكّل أيضا جرائم محتملة ضد الإنسانية، وفق التقرير.
شهود وأدلة
وأكد التقرير أن باحثي هيومن رايتس ووتش، أجروا مقابلات مع ثمانية ناجين من الهجوم على كمبو طيبة شهدوا أيضا أحداثا رئيسية محيطة بهذا الهجوم، كما حلل الباحثون صور الأقمار الصناعية، والصور الفوتوغرافية والفيديوهات التي شاركها الناجون وأظهرت جثث بعض القتلى، والأضرار الناجمة عن الحرائق التي تسبب فيها المهاجمون، ومقابر الضحايا، وقائمة تضم 13 قتيلا.
وأضاف التقرير أنه “في صباح 10 يناير، دخل كمبو طيبة عشراتٌ من مقاتلي درع السودان، وصفهم السكان بأنهم عرب، في آليات “تويوتا لاند كروزر” مزودة برشاشات ثقيلة”.
وقال شهود عيان إنهم أطلقوا النار عشوائيا على الرجال والفتيان وأشعلوا النار في المباني، ثم عادوا وهاجموا القرية مجددا بعد الظهر بينما كان السكان يدفنون الضحايا، وانتقلوا من منزل إلى آخر بحثا عن الرجال والفتيان، وعاودوا القتل والنهب والحرق، بحسب التقرير.
وقال رجل عمره 60 عاما إن مسلحين يرتدون زيا مموها أخضر ويستقلون آليات تويوتا لاند كروزر هاجموه من مسافة قريبة. وأضاف “قالوا: توقف!، ثم أطلقوا النار علي قرب كليتي من بندقية كلاشينكوف”.
فيما قال رجل شهد الحادثة إنه سمع المهاجمين يصرخون بألفاظ عنصرية مثل “يا عبد” أثناء إطلاق النار.
ونقل التقرير عن امرأة قولها: “جاؤوا إلى المنزل الذي كنا فيه وسألوا أين أزواجنا جميعا. بدأوا بتهديد الجميع بأنهم سيؤذوننا وأزواجنا، قالوا، “ألا تعرفون من هم جنود كيكل؟ ألا تعرفون من نحن؟”، في إشارة إلى أبو عاقلة كيكل، قائد قوات درع السودان.
وشكّل كيكل قوات درع السودان في العام 2022، وجنّد عناصرها بشكل أساسي من المجتمعات العربية في ولاية الجزيرة. قاتلت المجموعة إلى جانب الجيش السوداني من أبريل 2023 إلى أغسطس 2023، لكنها انشقّت بعد ذلك وانضمت إلى الدعم السريع، ثم عادت مرة أخرى وانضمت إلى الجيش في أكتوبر 2024.
وطأة العنف
مع استعادة الجيش السوداني الجزيرة ومناطق أخرى من السودان منذ يناير، يتحمل المدنيون وطأة العنف الانتقامي، من قِبل المجموعات المتحالفة مع الجيش، التي تتهمهم بالتعاون مع قوات الدعم السريع عندما كانت هذه القوات تسيطر على المناطق.
وقال شهود إن المركبات العسكرية كانت تحمل عبارة “درع السودان” وشعارا يشبه شعار درع السودان.
وروى الشهود حدوث نهب واسع للأموال والغذاء والماشية، شمل 2,000 رأس ماشية، وبينوا جميع الشهود أن سكان القرية لم تكن لديهم أسلحة ولم يتمكنوا من المقاومة، ولم يقاوموا هجوم 10 يناير.
تعذيب وقتل
وأوضح التقرير أن الفيديوهات التي تلقتها هيومن رايتس ووتش وتحققت منها تدعم رواية الهجوم على كمبو طيبة، وتحتوي أدلة على ارتكاب جرائم في أماكن أخرى في ولاية الجزيرة في الوقت نفسه.
وتُظهِر الفيديوهات التي حُدّد موقعها الجغرافي في ود مدني وظهرت في وسائل التواصل الاجتماعي مقاتلين مرتبطين بالقوات المسلحة السودانية وهم يرتكبون أعمال تعذيب وقتل خارج القضاء ضد أشخاص عزل، وفق التقرير.
وأثارت التقارير عن مقتل مواطنين من جنوب السودان على يد قوات متحالفة مع الجيش السوداني في ود مدني أعمال عنف انتقامية ضد المدنيين السودانيين في جنوب السودان، ما أدى إلى أزمة دبلوماسية بين السودان وجنوب السودان.
وقالت المنظمة الدولية إن قتلُ المدنيين وتشويههم ونهب الممتلكات المدنية وتعمد استهدافها وتدميرها هي جرائم حرب.
وقال شهود إن مركبات من “القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح”، وهي تحالف عسكري من جماعات مسلحة دارفورية إلى حد كبير، نُشرت في كمبو طيبة لحماية السكان. لكن جنرالات من الجيش السوداني، منهم الفريق أول ياسر العطا من “مجلس السيادة” الحاكم، ظهروا علنا مع كيكل منذ ذلك الحين وأشادوا بمساهمته في المجهود الحربي، وفق التقرير.
وقالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي للجيش السوداني التحقيق في الهجوم على كمبو طيبة وغيره من الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعات المسلحة والميليشيات التابعة له، ونشر نتائج تحقيقاته، واتخاذ خطوات لمحاسبة جميع المسؤولين، بمن فيهم القادة.
وأضافت “ينبغي للجيش السوداني تعليق عمل كيكل وغيره من قادة درع السودان الرئيسيين في انتظار نتائج التحقيق”.
أدلة واضحة
قال جان باتيست غالوبان، باحث أول في الأزمات والنزاعات والأسلحة في هيومن رايتس ووتش: “هناك أدلة واضحة على أن القوات المتحالفة مع الجيش السوداني مسؤولة عن عمليات قتل مروعة وفظائع ضد المدنيين. على الأطراف الدولية، بما فيها الولايات المتحدة و”الاتحاد الأوروبي” وبريطانيا، أن تدعم بشكل فاعل المبادرات القوية لحماية المدنيين في السودان وتفرض بسرعة عقوبات موجّهة ضد المسؤولين، بمن فيهم أبو عاقلة كيكل”.
وكان هجوم 10 يناير جزءا من تصاعد دموي في هجمات الجماعات والميليشيات المتحالفة مع الجيش السوداني ضد المجتمعات في الجزيرة وغيرها من المناطق التي استعادها الجيش من “قوات الدعم السريع” منذ يناير 2025. وفق التقرير.
وأكد استهدف المهاجمون المسلحون، بمن فيهم قوات درع السودان، و”كتيبة البراء بن مالك” الإسلامية، وميليشيات محلية، التجمعات التي يبدو أنهم اعتبروها مؤيدة لقوات الدعم السريع، عقب استعادة الجيش السوداني عاصمة ولاية الجزيرة، ود مدني، في 11 يناير.
وتبعد قرية كمبو طيبة 30 كيلومتر شرق ود مدني في محلية أم القرى، وسكانها من عرقيات “التاما والبرقو والمراريت”، وهم أصلا من غرب السودان.
وتُعرف هذه المجتمعات الزراعية بـ”الكنابي”، وسكانها معظمهم من إثنيات غير عربية من غرب السودان وجنوبه، استقرّوا في المنطقة منذ عقود. تعرضت تجمعات سكانية أخرى من الكنابي للهجوم في الأسابيع الأخيرة.