نيالا ـ دارفور24

تقف حزمة من التحديات أمام موسم الزراعة الصيفي في إقليم دارفور، مع بدء هطول الأمطار في العديد من المناطق، دون أن يُجري المزارعون عمليات تهيئة الأرض حتى الآن.

وتتمثل هذه التحديات في انعدام الأمن، وغياب التمويل بسبب توقف عمل البنوك، ونقص البذور والوقود والآليات الزراعية، علاوة على شُح السيولة النقدية وعدم توفر الأيدي العاملة.

وتثير هذه التحديات مخاوف جدية من فشل الموسم الزراعي، مما يؤدي إلى توسع نطاق أزمة الجوع في الإقليم، الذي يحتاج 79% من سكانه إلى مساعدات إنسانية خلال هذا العام، وفقًا للأمم المتحدة.

وتتزايد المخاوف في ظل عدم قدرة آلاف المزارعين، الذين يعتمدون على الزراعة الاكتفائية، من الوصول إلى مزارعهم بسبب تزايد انعدام الأمن.

ويعتمد أكثر من 80% من سكان إقليم دارفور على القطاع الزراعي والحيواني في توفير احتياجاتهم، فيما يرتبط النشاط التجاري بصورة مباشرة بنجاح الموسم الزراعي.

زراعة

تقلص المساحات بوسط دارفور

وتحدث مزارعون في ولايات دارفور عن قلقهم من تأثير شُح البذور وعدم توفر الوقود وغياب التمويل على الموسم الزراعي، الذي يبدأ في خواتيم يونيو الجاري.

وقال المزارع من محلية وادي صالح بولاية غرب دارفور، يحى أبكر محمود لـ”دارفور24″، إن المساحات المزروعة في المحلية – التي تُعد الأكبر في الولاية – تقلصت بصورة كبيرة مقارنة بالعامين السابقين، نتيجة غياب رأس المال وتدهور الأوضاع الأمنية.

وأشار إلى أن معظم المزارعين باتوا يكتفون بزراعة مساحات صغيرة لتوفير قوت أسرهم، بدلاً من زراعة مساحات تصل إلى 100 فدان للمزارع الواحد، إذ أصبحوا يزرعون مساحات تُقدَّر بـ10 أفدنة كحد أقصى، تقتصر على محاصيل الذرة، والفول السوداني، والدخن، واللوبيا، والكركديه.

وأوضح القيادي الأهلي في مكجر بغرب دارفور، سيف الدين عبد الله، أن القطاع الزراعي يواجه تحديات أبرزها الانفلات الأمني، وانتشار مجموعات مسلحة، إلى جانب الرعاة الذين لا يلتزمون بمسارات محددة للماشية ويعتدون على المزارع في ظل غياب السلطات الرقابية.

وذكر سيف الدين لـ”دارفور24″، أن الإدارة المدنية التابعة لقوات الدعم السريع لم تضع خطة لحماية ودعم الموسم الزراعي، مما عمّق من الأزمة، وعزز من مخاوف المزارعين من اعتداءات الرعاة عليهم، مما يهدد استقرار الموسم الزراعي بالكامل، ويضع أمر الأمن الغذائي للسكان في خطر.

ونوَّه سيف الدين إلى عدم وجود خيار أمام المواطنين سوى استزراع الأراضي والاعتماد على جهدهم الذاتي لتأمين الحد الأدنى من الغذاء، لاسيما بعد توقف طرق إمداد الغذاء من المشاريع القومية في القضارف والجزيرة، علاوة على ضعف التدخل الإنساني.

تأثير الفاشر يشمل بقية شمال دارفور

وتزداد أوضاع المزارعين تعقيدًا في الفاشر بولاية شمال دارفور، حيث أصبح خروج المزارعين من المدينة إلى المزارع أمرًا شبه مستحيل، في ظل الاشتباكات والقصف والحصار المفروض عليها.

وأفاد المزارع من بلدة شنقل طوباي جنوب الفاشر، سليمان أبكر، لـ”دارفور24″، أن تدهور الأوضاع الأمنية منعهم من الوصول إلى المزارع، خاصة بعد أن تعرض مزارعون لهجمات من قبل مجموعات مسلحة مجهولة وأصحاب ماشية أثناء موسم الحصاد الماضي.

وأوضح أن المساحة الزراعية في شنقل طوباي تقلصت بشكل حاد، من أكثر من 30 ألف فدان إلى أقل من 3 آلاف فدان خلال العام الماضي، بعد أن تحول المزارعون إلى استزراع الأراضي بالدواب بجهدهم الذاتي، بعدما كانت تُزرع باستخدام الآلات الزراعية سابقًا.

بدورها، قالت المزارعة النازحة من الفاشر إلى بلدة كبكابية الواقعة على بعد 155 كيلومترًا غرب الفاشر، سلمى يوسف إبراهيم، إن الكثيرين عزفوا عن الزراعة هذا الموسم بسبب التهديدات الأمنية، وانعدام الإمكانات اللازمة لزراعة مساحات كبيرة، والنزوح المستمر للمواطنين من مكان إلى آخر.

وأوضحت سلمى أنها تسعى لزراعة ثلاثة أفدنة فقط من الذرة والدخن والبامية، لتحقيق الاكتفاء الذاتي بمساعدة أفراد أسرتها، فيما كانت تقوم بزراعة نحو 20 فدانًا قبل الحرب.

وأشارت إلى ارتفاع تكلفة الحراثة العام الماضي، حيث بلغ سعر الفدان 120 ألف جنيه عند استخدام التراكتور، و80 ألف جنيه عند استخدام الدواب، متوقعة أن تصل إلى 200 ألف جنيه هذا العام بسبب ارتفاع أسعار الوقود.

وتعيش ولاية شمال دارفور أزمة غذاء حادة بسبب الحصار الذي تفرضه قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، حاضرة الولاية، لأكثر من عام، وهي آخر معقل لقوات الجيش في الإقليم.

وتُقدِّر وزارة الزراعة بشمال دارفور المساحة الصالحة للزراعة في الولاية بنحو 5 ملايين فدان، تقع في محليات ذات إنتاجية عالية مثل دار السلام، كلمندو، المالحة، كبكابية، طويلة، ومناطق شمال غرب الفاشر.

عدم توفر التقاوي في جنوب دارفور

تُعد ولاية جنوب دارفور أكثر ولايات الإقليم إنتاجًا للمحاصيل في السابق، نظرًا إلى المساحات الشاسعة واعتماد المزارعين على التمويل المصرفي، لكنها تواجه الآن تحديًا كبيرًا في إيجاد تمويل بعد خروج البنوك من الولاية بسبب الحرب.

وقال رئيس الغرفة التجارية بولاية جنوب دارفور، علي حسين ضي النور، إنهم موّلوا نحو 700 مزارع في الموسم الماضي بعد توقف البنوك وتجميد نشاط المؤسسات الحكومية.

وأضاف، خلال حديثه في المؤتمر الاقتصادي الذي عقدته الإدارات المدنية التابعة للدعم السريع مطلع مايو الماضي في نيالا، أن المزارعين تأثروا بإغلاق البنوك التي كانت تموّلهم في الماضي.

وأكد المزارع من مدينة نيالا، موسى الضي، لـ”دارفور24″ أن تكاليف الزراعة ارتفعت خلال الموسم الماضي والحالي، بسبب غياب التمويل عبر البنوك، علاوة على غياب دعم الوقود الزراعي من قبل الحكومة للمشاريع الزراعية الكبيرة.

وأشار موسى إلى أنه كان يزرع مساحة تُقدَّر بـ750 فدانًا قبل الحرب في بلدة “ساني دليبة” بمحلية السلام، لكن تلك المساحة تراجعت تدريجيًا في الموسم الماضي والحالي إلى 100 فدان.

من جهته، أفاد المزارع الحاج عبد الله لـ”دارفور24″ أن المزارعين يواجهون صعوبة في توفير المبيدات والتقاوي لأصناف المحاصيل الزراعية في الموسم الحالي.

وأوضح أنهم أصبحوا يتركون جزءًا من محاصيلهم من الموسم الماضي كتقاوي للموسم الحالي حتى يتمكنوا من الزراعة.

وتُقدَّر المساحات المزروعة في ولاية جنوب دارفور قبل الحرب بنحو ثمانية ملايين فدان، حيث تتوزع في محليات ومناطق أبوري، وأم دافوق، وكتيلا، والسلام، وقريضة، وبليل، وميرشينج، وكاس، وتشتهر تلك المناطق بزراعة الذرة والفول السوداني.

بدوره، قال مدير الإدارة المدنية بوزارة الزراعة في ولاية جنوب دارفور، سليمان عبد الجبار، إنهم تمكنوا، بمساعدة المنظمات الإنسانية، من توزيع (802) طن من التقاوي، فضلًا عن وعدهم بتمويل (520) طنًا أخرى، بجانب حيوانات للمحاريث البلدية.

وأقر بعدم قدرة الوزارة الولائية على توفير المدخلات الزراعية القومية، التي كانت تأتي من وزارة الزراعة الاتحادية، خاصة الوقود الزراعي والأسمدة والمبيدات القومية المتعلقة بمكافحة الآفات القومية ذات الدمار الواسع، مثل: الجراد، وسار الليل، والعنتد، والجراد الصحراوي، وطيور الزرزور.

وأشار عبد الجبار، خلال استعراض خطة الوزارة أمام مجلس وزراء الإدارة المدنية بالولاية في مايو الماضي، إلى وجود مهددات تتعلق بحماية الموسم الزراعي، خاصة في فتح المسارات والمراحيل للماشية.

وأوضح أن هذه المهددات تحتاج إلى تدخل، وعقد مؤتمرات تُناقش القضايا بين الطرفين لتقليل التهديد على الموسم، داعيًا المنظمات الإنسانية إلى ضرورة دعم جهود الوزارة في تقليل حدة الاحتكاك بين الطرفين.

خسائر سابقة تُقلص المساحات بشرق دارفور

تحدث عدد من المزارعين من مدينة نيالا لـ”دارفور24″ بأن الظروف الأمنية في ولاية جنوب دارفور أجبرتهم على الذهاب إلى مناطق وبلدات ولاية شرق دارفور للزراعة هناك، نسبةً إلى أنها أكثر استقرارًا أمنيًا وتُطبق إجراءات مشددة لحماية الموسم الزراعي.

وبدأت استعدادات المزارعين في شرق دارفور بصورة بطيئة، بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي، نتيجة لارتفاع أسعار الجازولين إلى 160 ألف جنيه للجالون.

وقال العضو السابق في اتحاد المزارعين بولاية شرق دارفور، محمد حسب الله، إنه رغم الاستقرار النسبي في الولاية، فإن الأوضاع المعيشية للمواطنين بسبب الحرب أدت إلى خروج آلاف المزارعين من الزراعة وتقلص المساحات المزروعة.

وأوضح محمد حسب الله، في تصريح لـ”دارفور24″، أن تراجع أسعار المحاصيل في الموسم الماضي، بسبب قرار قوات الدعم السريع بخصوص منع تسويقها في شمال وشرق ووسط البلاد التي تخضع لسيطرة الجيش، تسبب في خسائر كبيرة للتجار والمزارعين معًا، مما انعكس سلبًا على استعدادات الموسم الجديد.

وفي سياق ذي صلة، حذّر الخبير الزراعي، أبوبكر محمد أحمد، من تأثير انتقال العمليات العسكرية بين الجيش والدعم السريع إلى كردفان ودارفور على الموسم الزراعي الحالي.

وقال لـ”دارفور24″ إن مناطق دارفور وكردفان تُعد من أكبر المناطق إنتاجًا للفول السوداني، والذرة، والدخن، والسمسم في البلاد.

وقد تسببت الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع في أضرار كبيرة بالأراضي الزراعية، والمحاصيل، والبساتين، مما يهدد مستقبل الأمن الغذائي، خاصة في إقليم دارفور.