تقرير: دارفور 24

تحولت رحلة قصيرة لجمع الحطب في مخيم بيراو للاجئين السودانيين بجمهورية أفريقيا الوسطى مطلع الشهر الماضي إلى مأساة إنسانية. بعدما وقعت الطفلتان هديل (12 عامًا) ورويدا (14 عامًا) ضحية جريمة اغتصاب مروّعة نفذها شابان من سكان المنطقة.

في أعقاب الحادثة، سارعت أسرة الطفلتين إلى إبلاغ الشرطة وتدوين بلاغ جنائي، وفق ما روى أحد أفراد عائلتهما لـ(دارفور 24).

وتم نقل هديل ورويدا إلى المستشفى حيث أكد الطبيب تعرضهما لاعتداء جنسي بالغ، وأوصى بعدد من الأدوية الإسعافية، إلا أن معظمها لم يكن متوفرًا، ما اضطر الأسرة إلى شرائه من السوق.

وأوضحت الأسرة أن الوضع الصحي للطفلتين تحسن بعد أسبوعين من تلقي الإسعافات الطبية، غير أنهن ما زلن يعانين من آثار نفسية عميقة نتيجة ما تعرضن له. كما قدمن أوصافاً دقيقة للجناة، وأكدت الطفلتان قدرتهما على التعرف عليهم، لكن الشرطة لم تلقِ القبض على أي مشتبه به حتى الآن، واكتفت بتحذير اللاجئين من إرسال أطفالهم إلى الغابات، لتنتهي القضية عند هذا الحد.

واقع أكثر قسوة

لكن مأساة الطفلتين تكشف جانبًا من واقع أكثر قسوة يعيشه الأطفال السودانيون الذين فرّوا مع أسرهم من جحيم الحرب في وطنهم، لكن ما كان يفترض أن يكون ملاذًا آمنًا تحول بالنسبة للكثير منهم إلى ساحة جديدة للانتهاكات بين الاغتصاب والاعتداءات الجسدية والتنمر والاحتجاز التعسفي، ووفق شهادات أطفال ومقابلات عائلات ببعض دول اللجوء، وجد هؤلاء الصغار أنفسهم يواجهون مخاطر لا تقل قسوة عما فروا منه في السودان.

وأدت الأزمة في السودان إلى فرار أكثر من ثلاثة ملايين شخص عبر الحدود، منهم عشرات الآلاف إلى جمهورية أفريقيا الوسطى. إلا أن عقودًا من الصراع وانعدام الأمن والعنف ونقص الخدمات الأساسية تسببت أيضًا في نزوح خُمس سكان جمهورية أفريقيا الوسطى، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة.

حادثة هديل وشقيقتها رويدا ليست الأولى في المخيم، فقد سبقتها في يناير الماضي جريمة اغتصاب طالت فتاة قاصر في السابعة عشرة من عمرها أثناء بحثها عن عمل في سوق المدينة، كما روت الناشطة السودانية بالمخيم حليمة آدم لـ(دارفور 24). وقالت إن النساء اللاجئات تعرضن لعشرات الانتهاكات الجنسية، لكن أغلب الأسر تلتزم الصمت خوفًا من الانتقام أو خشية الوصمة الاجتماعية، لافتةً إلى أن عددًا محدودًا فقط من هذه الحالات – خاصة تلك التي تخص الأطفال – يتم الإبلاغ عنها ويصل إلى المراكز الصحية.

سيدة بمخيم بيراو فضلت حجب هويتها، تحدثت مع (دارفور 24) مؤكدة أن حياة النساء والأطفال باتت أكثر خطرًا وتعقيدًا من أي وقت مضى، خصوصًا بعد تصاعد التوتر الأمني وأعمال العنف الأهلي بين السكان المحليين، فضلاً عن التداعيات الناجمة عن استقبال أعداد كبيرة من اللاجئين السودانيين.

حياة الأطفال مهددة

وتعزز إفادة أحمد آدم الشيخ، رئيس مخيم اللاجئين السودانيين في بيراو، ما ذكرته الناشطة حليمة، إذ قال لـ(دارفور 24) إن حياة الأطفال في المخيم باتت مهددة بشكل متزايد. وأوضح أن حوادث الاعتداء الجنسي غالبًا ما ترتبط بمحاولات النساء والأطفال الحصول على دخل إضافي لتغطية نقص الغذاء، بعد أن تقلصت الحصص الغذائية المقدمة من المنظمات بشكل حاد حتى صارت لا تكفي سوى لأسبوع واحد، الأمر الذي يضاعف المخاطر على الأطفال. وطالب الشيخ البعثة الأممية والمنظمات بتوفير حماية حقيقية للاجئين وتغيير الحرس في المخيم بصورة كاملة.

عضو هيئة محامي الطوارئ محمد صلاح، في حديثه لـ(دارفور 24)، اعتبر أن المسؤولية القانونية المباشرة للتحقيق ومساءلة المعتدين على الأطفال تقع على عاتق الأجهزة العدلية الوطنية، وهي الشرطة والنيابة والقضاء. وأوضح أن التحقيقات يجب أن تجرى عبر وحدات متخصصة للأطفال، مثل وحدة النوع الاجتماعي في السودان، لضمان مراعاة الجوانب النفسية والتربوية عند التعامل مع الأطفال، ولتطبيق البروتوكولات الخاصة بحمايتهم.

وأشار صلاح إلى أن أي تقاعس أو خلل في أداء هذه الجهات يترتب عليه مساءلة المسؤولين عن ذلك، مضيفًا أن الثغرات القانونية تتجلى في غياب قوانين تنظم الإجراءات الخاصة بالأطفال، وفي نقص التوثيق الرسمي للانتهاكات، مما يعوق أي مساعٍ للمساءلة ويتيح الإفلات من العقاب. كما أوضح أن ضعف الدعم الوطني والدولي للتحقيقات يسهم في تضاعف الحصانات التي تمنع تطبيق العدالة على الجناة، مشددًا على ضرورة استثناء الانتهاكات المتعلقة بالأطفال من أي حصانات.

ويقع المخيم المذكور في مدينة بيراو، عاصمة مقاطعة فاكاجا بشرق جمهورية أفريقيا الوسطى، على بُعد نحو 65 كيلومترًا فقط من الحدود السودانية. وهو أقرب المدن إلى محلية أم دافوق السودانية التي سقطت في مايو 2023 تحت سيطرة قوات الدعم السريع، ما دفع أسرًا عديدة – من بينها أسرة الطفلتين هديل ورويدا – إلى الفرار طلبًا للأمان. ويأوي المخيم اليوم ما يقارب 18 ألف لاجئ سوداني.

ليبيا معاناة من نوع آخر

في ليبيا، تأخذ المعاناة شكلًا مختلفًا لكنها متصلة. أم كلثوم ، أم لثلاثة أطفال، تروي لـ(دارفور 24) كيف تعرض أبناؤها محمد (6 سنوات)، مازن (8 سنوات) ومؤيد (10 سنوات) للضرب أثناء لعبهم كرة القدم أمام المنزل، على يد مجموعة من الأطفال الليبيين. لم يقتصر الأمر على الاعتداء الجسدي، بل تلقى الصغار تهديدات متكررة.

عائلات سودانية وأطفالها يحتجزون في ليبيا لـ12 ساعة، مصدر الصور وزارة الداخلية الليبية

الأم، التي وصلت إلى ليبيا بعد رحلة شاقة من الخرطوم في أغسطس الماضي هربًا من أهوال الحرب، وجدت نفسها أمام كابوس لم تكن تتوقعه. وقالت في حديثها لـ(دارفور 24) إنها اضطرت إلى منع أطفالها من مغادرة المنزل خوفًا من تعرضهم للأذى، قبل أن تنتقل لاحقًا إلى مدينة أخرى تضم عددًا أكبر من اللاجئين السودانيين، علّها تجد بيئة أكثر أمانًا.

مع ذلك الصدمة تركت بصماتها على أبنائها الذين باتوا يرفضون اللعب مع الآخرين ويميلون إلى العزلة داخل المنزل. تضيف أم كلثوم أن حياتهم تغيّرت بالكامل، إذ لم يعد صغارها يرون الشارع أو الحي مكانًا للمرح، بل مصدر خوف دائم.

إعتقالات منتصف الليل

تجربة قاسية أخري خاضتها أسرة سودانية في مدينة صبراتة الليبية، بعدما اقتحم جهاز الهجرة غير الشرعية منزلهم ليلاً واعتقل جميع أفراد الأسرة،ووأخذوا الى مركز احتجاز مع أطفالهم، بحجة أنهم مهاجرون غير نظاميين ولا يملكون إقامة سارية المفعول.

وقالت السيدة (م. ز. ع) التي فضلت حجب هويتها لدواع أمنية، إنها نُقلت برفقة ثلاثة من أطفالها، الذين تتراوح أعمارهم بين 4 و6 و8 سنوات، إضافة إلى زوجها وعدد من جيرانها، إلى مقر احتجاز يفتقر إلى أبسط مقومات الحقوق الإنسانية. وأشارت في إفادتها لـ(دارفور 24) إلى اعتقال نساء أخريات برفقة أطفال رُضّع لا تتجاوز أعمار بعضهم الشهر الواحد، فضلًا عن أطفال آخرين تتراوح أعمارهم بين عام واحد و12 عامًا.

وأضافت : المداهمة جرت ليلًا، حيث تمت مصادرة ممتلكاتهم من هواتف وأموال وبعض المقتنيات الخاصة. وذكرت أن السلطات الأمنية أفرجت عنهم بعد أكثر من 12 ساعة من الاحتجاز، من دون إعادة الهواتف أو الأموال أو بقية المقتنيات. وأكدت أن هذا الاعتقال تسبب في حالة من الهلع والخوف وسط الأطفال، الذين لم يتوقفوا عن البكاء والصراخ، مشيرةً إلى أنها قررت مع زوجها وأطفالها العودة إلى السودان والعيش وسط الحرب.

وتقدر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أعداد السودانيين في ليبيا بنحو 313 ألف لاجئ منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023.

تنمر وتمييز

موقف قاسٍ عاشه طفل سوداني يبلغ ثماني سنوات في بنغازي، إذ تعرّض للتنمر، قال والده، لـ(دارفور 24) أن ابنه طُرد من اللعب في حديقة عامة من قبل أسرة محلية طلبت منه الابتعاد عن الألعاب. منذ ذلك اليوم، رفض الطفل العودة إلى المدرسة الليبية، مشترطًا الالتحاق بمدرسة سودانية أو التوقف عن الدراسة نهائيًا.

وأضاف الوالد أن ابنه أصبح يخشى الذهاب إلى المتجر القريب من المنزل، فيما دفعته هذه التجربة للتفكير في العودة إلى السودان رغم المخاطر، أو ركوب قوارب الهجرة غير النظامية عبر المتوسط بحثًا عن مستقبل أفضل. أما زوجته، فقد أصيبت بصدمة نفسية لأنها شاهدت الإهانة تُمارَس على ابنها في مكان عام يفترض أن يكون متاحًا للجميع دون تمييز.

الاعتداءات والتنمر ضد الأطفال تتكرر في عدد من الدول العربية، خاصة عندما يختلف الأطفال عن أقرانهم في اللون أو اللغة، وفقًا لحديث المعلمة والأخصائية النفسية سلمى محمد علي مع (دارفور 24). وأشارت إلى أن التنمر يشكل خطرًا بالغًا على الأطفال، لأنه يترك آثارًا عميقة على صحتهم النفسية والجسدية ويدفعهم إلى الانطواء والعزلة.

وأكدت أن أغلب هذه الحوادث تسجل في دول مثل مصر وليبيا بسبب الفوارق في العادات والتقاليد والظروف الاجتماعية والاقتصادية. وأضافت : آثار التنمر تظهر مبكرًا وتزرع لدى الطفل مشاعر القلق والخوف، ما ينعكس مباشرة على قدرته على اللعب والدراسة والتفاعل مع الآخرين، وهو ما يفسر حالة الأطفال السودانيين الذين تعرضوا للتمييز والتنمر في المخيمات والمدارس.

انتهاك القانون الدولي

عضو محامي الطوارئ محمد صلاح، في مقابلته مع (دارفور 24)، أشار إلى أن الدول المضيفة، بموجب قانون اللاجئين لعام 1951 والبروتوكول الملحق لعام 1967، ملزمة بمنع الإعادة القسرية للاجئين، بما في ذلك الأطفال، وأن هناك آليات أممية لحماية حقوقهم، مثل لجنة حقوق الطفل التي تتولى الشكاوى ومساءلة المتسببين في حال فشل الجهود الوطنية في تحقيق العدالة.

وأوضح أن الخلل في حماية الأطفال يمكن تقسيمه إلى ثلاثة مستويات، خلل تشريعي نادر الحدوث نتيجة غياب القوانين المنظمة للإجراءات والمساءلة خلل تطبيقي شائع ويحدث غالبًا بسبب عدم التزام الدولة بالقوانين والمواثيق الدولية. خلل توثيقي يشمل مسؤولية الدولة والمجتمع المدني لتسهيل الحصول على الوثائق وحماية الضحايا وأسرهم، مع ضرورة احترام حقوق الإنسان.

وأكد صلاح أن المجتمع الدولي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار السياق المحلي لكل دولة، وأن يدعم الجهود التوثيقية بالتدريب والتمويل، لضمان مساءلة فعّالة للانتهاكات المرتكبة ضد الأطفال. كما شدد على دور الجهات الحقوقية والإعلامية في الوصول إلى الضحايا ومناصرتهم، باعتباره المحرك الرئيسي لمكافحة هذه الانتهاكات على المستويين المحلي والدولي.

تجارب بعض الأطفال السودانيون الذين فروا من جحيم الحرب، الى دول اللجوء كما تكشف شهادات عائلاتهم، تبرز واقعاً صعباً، حيث لا ينتهي الخطر عند عبور الحدود.