بقلم : محمد بدوي

(1)

وفقا لهيكلة  الدولة السودانية فهناك وزارة الشؤون الدينية و الإرشاد المنوط بها وفقا لتفويضها المنشور في موقعها الالكتروني (التمكين لقيم الدين وإعلاء شرائعه وتعظيم شعائره ليعزز فلاح المجتمع وصلاحه وترقية وتطوير حياته .)[1]، لا أرغب في هذا  الحيز لمناقشة  دور الوزارة ، اود طرح سؤال مرتبط بجدوي وجودها  الي جانب وجود هيئة علماء السودان كجسم مستقل ، هل يمثل ذلك سحب لبعض تفويض الوزارة ومنحها للهيئة التي تتبع  لإشراف رئاسة الجمهورية ؟ و هل من حوجة للهيئة من الناحية العملية ؟ والي مدي لعبت الهيئة دور الداعم  للإسلام السياسي  ؟

(2)

تأسست هيئة علماء السودان  في مطلع عشرينات القرن الماضي لتعمل وفق تفويض تقديم الفتاوى في الجانب المختص بالعبادات للعامة على سبيل المثال فقد ظلت فتاويها المرتبطة بثبوت شهر رمضان ، و تحديد زكاة الفطر وغيرها من المسائل المرتبطة بشئون المسلمين في جانب العبادات ـ في الأول من ديسمبر   1999م وفقاً لموقعها الإلكتروني تم تجديد الهيئة وإختيار عضويتها من خمسين شخص، جميع أهداف الهيئة المعلن عنها ترتكز في  محور الدين ودور الهيئة في إسداء النصح للفرد والمجتمع  وإحداث النهضة في العالم الإسلامي  ، وهنا نلاحظ بأن التغيرات التي طرأت علي عضوية الهيئة بأن عضويتها شكلوا قواما جمع بين عضوية الحزب الحاكم أو مجموعات إسلامية أخرى  وجدت في مناخ الإسلام السياسي متسع لممارسة نشاطها

(3)

سياسة التمكين التي مكنت منسوبي الحركة الإسلامية والحزب الحاكم السابق من السيطرة على مفاصل الدولة ، مكنت أيضا بعض أعضاء الهيئة من شغل مناصب بروفسورات بالجامعات السودانية  و لا سيما بأقسام العلوم الإسلامية بها لكي تسند سياسة تعريب التعليم التي اضافة الى المناهج والكورسات الأكاديمية علي سبيل المثال ما عرف بالثقافة والعلوم  الاسلامية  التي هدفت إلى إحداث التماهي مع المشروع السياسي  أكثر من كونها معرفة لذاتها  ، ذات مناخ التمكين  شكلت مناخ ملائم لكي يحظي بعض أعضاء الهيئة بمقاعد المجلس الوطني ”  البرلمان ” الذي يعتبر السلطة التشريعية العليا ليتأمل دورهم في خدمة السلطة ومشروعها

(4)

الخلفيات الدينية المتطرفة شكلت أحد الشروط لاختيار أعضاء الهيئة فتكفي الإشارة إلى ارتباط ذلك في حالة عضو الهيئة  الدكتور عبدالحي يوسف  وحقوق غير المسلمين  ففي العام 1989 قام بإصدار بيان اعترض فيه على قيام معرض الكتاب المقدس داخل الجامعة ، و عند قيام المعرض تم قام بحشد مجموعة من السلفيين و تحريضهم على مهاجمته  ، وهو نشاط كان تحت رعاية رابطة الطلاب المسيحيين بالجامعة  ، الأمر الذي انتهي بحرق محتويات المعرض بما فيها الكتب المقدسة ،  تم فتح بلاغ جنائي في مواجهة الدكتور عبدالحي يوسف لكن الإجراءات لم تبارح مكانها .  حيث تطور الأمر لاحقا إلى تبني الهيئة  فتاوى تحريم الاحتفال بأعياد ميلاد المسيح عليه السلام

 

(5)

الدور الديني  الداعم للسلطة السياسية التي ظلت تقوم به الهيئة يمكن رصدها في  فتاوى لبعض أعضاء الهيئة بصفتهم الفردية  قبل أن تتحول إلى موقف يعبر  عن الهيئة ،  فقد أصدر  الدكتور محمد عبدالكريم ب بتكفير أعضاء أحزاب المعارضة السياسية مثل الحزب الشيوعي السوداني، الحركة الشعبية لتحرير السودان و حزب البعث العربي الأشتراكي  ، تطور ذاك الموقف إلي فتوي رسمية من قبل الهيئة التي أفتت بحرمة الانضمام إلى تنظيم الجبهة  الديمقراطية ،[2] في 2006 اتهمت هيئة علماء السودان  مفوضية  غير المسلمين التي تم إنشاؤها بموجب اتفاق السلام الشامل 2005 بمحاولة نشر “الفوضى وانعدام الأمن”. كما أصدرت هيئة علماء السودان  فتوى  حظرت فيها على غير المسلمين المشاركة في المظاهرات التي تنظّمها الحركة الشعبية لتحرير السودان وجماعات المعارضة للمراوغة فيما يتعلق بقانون الاستفتاء، على حد قول الهيئة، التي وصفت منظمي هذه المظاهرات بـ”أعداء الإسلام”. على الرغم من ذلك، أعلن المسلمون في جنوب السودان تأييدهم للاستقلال تم أصدرت بياناً نددت فيه بعزل[3] الرئيس المصري محمد مرسي في موقف سياسي داعم للحركة الإسلامية  السودانية التي كانت ترى في وجود الإخوان المسلمين علي سدة الحكم في مصر  , قبل ذلك أصدرت الهيئة بيانا   نعت فيه أسامة بن لادن بأبي عبدالله و تندد بمقتله ”  إن هيئة علماء السودان تدعو الله أن يتقبل أباعبدالله شهيداً ويتقبل شهداء الأمة كافة ” [4]نقلة في الكشف إستراتيجية الهيئة وتوجهاتها الداعمة للدولة الدينية و الإرهاب فهي لم تصدر بيانا تندد فيه بالأحداث التي أرتكبها تنظيم القاعدة  من قبل، كما أن البيان هو مربط الفرس الذي  يُشكك في  حيادية الهيئة و تجاوزها تفويضها

(6)

أما الدور الذي سعي لمناهضة الحقوق و حقوق الإنسان فقد برز في ، إصدار فتوى تجيز زواج القاصرات الأمر الذي عارضه رجال دين مسلمون ومسيحيون لأنه يتعارض مع صحيح القانون  بل عبّر هذا الموقف عن مدى ضعف الحجة التي وقفت عليها الهيئة لتعود الحكومة السودانية وتعلن موقفها لمناهضة زواج القاصرات لسفير الاتحاد الأوروبي بالخرطوم  وقفاً  لتصريح  السيدة أمل محمود، عضو المجلس الوطني والأمين العام السابق للمجلس الوطني لرعاية الطفولة (  أن حكومة السودان قد أعدت استراتيجية وطنية لإنهاء زواج الأطفال والقاصرات. وان السودان سينظم لمدة  ‘ستة عشر يوما نشاطات لإنهاء العنف ضد المرأة وإنهاء زواج الأطفال والقاصرات وتشجيع تعليم البنات’.)  ،[5] مثل رد السفير  توماس يوليشني رئيس بعثة الإتحاد الأوروبي في السودان  في التعقيب علي التصريح  درساً بليغا في ذات  كشف عن المصلحة في مناهضة ذلك   (رحب سفير الاتحاد الأوروبي وطالب بالتصدي لمسألة زواج الأطفال والقاصرات وقال ان الجميع لديه فرصة فريدة للعمل على هذا الزخم وتسريع الجهود للمساعدة في تغيير حياة الفتيات والشابات في جميع أنحاء السودان.”وأضاف سفير الاتحاد الاوروبي أن الحد من زواج الأطفال والقاصرات ممكن إذا تم تمكين الفتيات، ودعم الشباب ليكونوا وكلاء للتغيير، وتعبئة الأسر والمجتمعات المحلية، والعمل مع الرجال والفتيان والزعماء الدينيين والتقليديين و زيادة جودة ونوعية التعليم وخلق مساحات آمنة للفتيات) [6]بالنظر إلي  زواج القاصرات فإنه يجد سنده في قانون الأحوال الشخصية السوداني لعام 1991م  وتُجوِّز المادة (40) [7]من قانون الأحوال الشخصية للمسلمين لسنة 1991م، في السودان، زواج الطفلات عند بلوغ سن العاشرة، بواسطة “وليهُن”، أو بإذن القاضي.)   ، و بالرغم  حقائق الواقع  التي  اشارت إليها  تقارير إحدى منظمات المجتمع المدني المهتمة بإصلاح قانون الأحوال الشخصية إلي (واحدة من كل ثلاث بنات في السودان تتزوج قبل بلوغ سن الثامنة عشر، وواحدة من كل عشر بنات تتزوج قبل سن الخامسة عشر

 

(7)

ظلت فتاوى هيئة علماء السودان تُمثل حجر عثرة  أمام جهود مؤسسات المجتمع المدني  في  إصلاح  قانون الأحوال الشخصية لكونه يمثل موقفاً يُعبر عن فلسفة المؤسسة السياسية الحاكمة مستغلة نفوذها الروحي وسط قطاعات الشعب رغم تعارض بعض نصوصها مع الدستور الإنتقالي لعام 2005م  و المواثيق الدولية التي صادقت ووقعت على بعضها حكومة السودان.

(8)

ظلت مواقف الهيئة  مساندة لنشر التطرف  الديني ، ففي التطورات التي صاحبت التفاوض بين الخرطوم و الادارة الامريكية حول رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان منذ العام 1997، صدر قرار من وزير الإرشاد والأوقاف بمنع الخطب الدينية في الطرقات العامة والأسواق[8] لكن سرعان ما  ـ دعت هيئة علماء السودان ، وزير الإرشاد والأوقاف عمار ميرغني، إلى تجميد قراره القاضي بمنع الخطاب الديني في الأسواق والساحات العامة، بعد احتجاج جماعات دينية على الحظر. [9]بالنظر إلى هذه الجماعات الدينية و سند دعوتها نجدها تمثلت في انصار السنة المحمدية و حزب التحرير الإسلامي  اللذان واصفا القرار بأنه  تماهياً مع المشروع الأميركي في الحرب على الإسلام الا انها تراجعت و سمحت بالنشاط بشروط لم تشير اليها   “إختيار دعاة مؤهلين يحملون بطاقات من الوزارة “[10]

 

(9)

اخيرا بعد اسقاط الثورة السودانية لحكم  الحركة الاسلامية السودانية وحزب المؤتمر الوطني أو حكومة ” حوار الوثبة ” كشفت وسائل الاعلام عن سعي الرئيس السابق عمر البشير الي بعض اعضاء الهيئة بغرض الحصول على فتوى دينية تجيز فض اعتصام القياد العامة وإن نتج عن ذلك قتل ثلثي المعتصمين السلميين ، هذا يكشف أحد أدوار الهيئة وخطورتها في مساندة الإسلام السياسي أنها ظلت لاخر ايام جلوس البشير علي كرسي السلطة تمثل أحد الروافد المهمة لإخراج سيناريوهات الاسلام السياسي بالتعارض مع المصلحة العامة ، عودة إلى ما طرحناه من سؤال في الفقرة الأولى نعود للإجابة بأن لا حاجة لوجود هذه الهيئة في ظل وجود وزارة للشئون الدينية والأوقاف كي نحسن الدولة المدنية من خلط الأوراق و الأجسام الدينية التي ظلت سهل الانقياد إلى مجالس السلطان .