يُعاني مزارعو شمال كُردفان غرب السودان مِن عقبات تُحيِل موسمهم الزراعي لجحيم لايُطاق قاد بدوره فِي نهاية المطاف إلى عزوف أعداد غفيرة عن الزرعة، بعد ان أصبحت أشبه “بخراب البيوت” كما يقولون.

ووفقاً لمزارعين بالولاية استنطقتهم “دارفور ٢٤” فإن التحدي الأكبر الذي يُهددهم الآن يكمن فِي غياب الأمن وإنفلات عِقده تماماً فِي معظم مناطقهم الزراعية، بيد أنّ الأزمة تتفاقم فِي منطقة “أبو كرشولة” ذات الأراضي الزراعية الخصبة.

قصص كثيرة وردت على ألسنة المزراعين استمعنا إليها بإنصات علها تصل الجهات المُختصة، بعد أنّ ملْوا الشكوى وطرق الأبواب المغلقة والتي إنّ فُتحت لن تُعِيرهم أدنى اهتمام والتجارب وفقاً لحديثهم لا تُحصى.

يكشف العم  مصري أدم محمد _ مزارع _ فِي حَديثه مع “دارفور ٢٤” عَن حوادث النهب المسلح والمُنظم التي تُواجههم سيما فِي ولايتي شمال وجنوب كردفان اللتان يزرع فِيهما.

بالنسبة إليه الزكاة التي تحرص الدولة على استقطاعها سنوياً مِن المحصول “زكاة عيناً”، إذ يتم أخذ (١٠)٪ مِن الفدان الواحد، ويهرع موظفيها فور بداية الحصاد بإهتمام بالغ للتوريد، بل ومُعاقبة مَن يعجز أو يِحاول “التملص” مِن السداد بغرامة غير منطقية البتة.

وتسأل مصري بإستهجان لماذا لا تهتم الدولة بتوفير الحِماية للمزارعين بذات نَهج اهتمامها بأخذ الزكاة، ولفت إلى أنّ كل ما يُعانيه المزارع “كوم” ومايتعرض له مِن نهب قد يصل لحد القتل فِي حال حاول الدِفاع عن محصوله “كوم” آخر،كل ذلك ولا جهة يُمكنهم اللجوء إليها والجأر بالشكوى.

الموت المجاني

فِي مطلع يناير المنصرم اقتحمت مجموعة مُسلحة مُكونة من (٥) أفراد لا تتجاوز أعمارهم الثلاثين عاماً “حواشة” المزارع محمد حمد بمنطقة “هبيلا”، أنقذته العِناية الإلهية من الموت، بعد ان تخلى عَن قُرابة الـ (٤٠) جوال سمسم خُير بينها وإردائه قتيلاً. يقول مصري “عندما هرعنا لنجدته وجدناهم لاذوا بالفرار، وفقد الرجل جُل محصوله وقوت أبنائه في دقائق معدودة”.

يُعد “حمد” أكثر حظاً، إذ نجا مٍن الموت بأعجوبة، بينما دفع مزارعين فِي منطقة “أب كرشولة”حياتهما ثمناً باهظاً لحوادث النهب بالمنطقة، هذا إضافة لمزارع آخر فِي منطقة “هبيلا”.

بلغت جملة ضحايا النهب المسلح بالولاية خِلال الموسم الزراعي المنصرم وفقاً لإفادات المزارعين (٤) قتلا، وعشرات “الجوالات” مِن السمسم والذرة والقطن والكركدي المنهوبة مع إتلاف كامل لبعض المحاصيل.

قضية قومية

فٍي خاتمة حديثه يضع العم “مصري” مسؤولية ما يتعرض له المزارعين على عاتق الدولة، فحماية المواطنين العُزل مِن عصابات النهب المسلح لا يُمكن التعامل معها سوى بأنها واحدة مِن قضايا الأمن قومي.

وطالب الجهات المُختصة التطرق للقضية بذات اهتمامها أخذ “الضرائب، والزكاء”، بالرغم مِن عجز بعضهم عن السداد فتُصادر أملاكهم عُنوة، وبالمقابل لا جهة تُوفر الحِماية ولا باب يُمكنهم طرقه طلباً للمساعدة.

وتابع “حُقوقنا تُأخذ بالكلاشنكوف، أرواحنا تزهق، محاصيلنا تُنهب، ومزارعنا تُتلف”، والدولة المسؤولة عَن كٌل ذلك تغط فِي ثُبات عميق لا تفيق مٍنه إلا “يوم الحصاد”.

غصة أُخرى

وَجدناه يقف أمام عربة “لاندكروز”، أكد أنّها تمت مُصادرتها مِنه للتو بعد عن رفض تسديد مبلغ (٢٥٠٠) جُنيه قالت السُلطات المُختصة إنها قيمة “ضريبة العبور”.

بيد أنّ وداعة أحمد موسى – مزارع –  فِي حديثه مع “دارفور ٢٤”يضع وعَن قناعة تامة ماتنتزعه مِنهم الدولة سوا كانت محاصيل أو مبالغ نقدية فِي خانة المعقول، ذلك بالطبع فِي حال توفير الحِماية للمزارعين الذين تجرعوا العلقم جراء حوادث النهب المُمنهجة والمستمرة التي يُعانون مِنها مُنذ سنوات عديدة.

يذكر وداعة جيداً حادثة الإعتداء على سوق “هبيلا” الشهيرة، إذ اقتحمت مجموعة مسلحة باحة السوق وأحالته خراباً واُنتزعت المحاصيل مِن المزراعين نهارا بينما تعرض كُثر للإصابات مُتفاوتة.

منطقة “كارتيلا”بدورها ليست بمعزل عن حوادث النهب المسلح التي يُعاني مِنها المزارعين. يقول وداعة “الدولة غائبة تماماً، المسلحون يقتحمون المزارع، يأخذون ما أمكنهم، ويتلفون بقية المحاصيل، وكل مَن يعترض طريقهم يُزهقون روحه، هكذا بكل بساطة، نشعر بأنّ أرواحنا رخيصة مِثلها وهذا “العلف” _أشار بيده لكومة مِن “القش” تتوسط الأرض”.

اجراءات صارمة

أصدر والي ولاية شمال كردفان المكلف اللواء ركن الصادق الطيب عبدالله، حزمة من الإجراءات الصارمة لمواجهة ظاهرة انتشار جرائم السطو والنهب المسلح والتي تسببت في مقتل مالا يقل عَن (٣) مواطنين ونشر الذعر والترويع في مدينة الأبيض منتصف يناير المنصرم.

مع انتظام حوادث النهب والقتل بالمدينة بصورة مريعة خلال الفترة الماضية والتي تلتها مباشرة حادثة قتل ونهب دراجة نارية لمواطن في حادث سطو مسلح بكريمة مربع 3 جوار جامعة كردفان. إضافة لقتل ونهب مواطن في حادث سطو مسلح آخر بكريمة مربع 2 أثناء عودته من بقالة جوار منزله.

وأصدر الوالي قرارات تحصلت (دارفور ٢٤) على نسخة منها، تمثلت في تكثيف الوجود الأمني في نقاط العبور ومنع تحرك المواتر و”التكتك” بعد العاشرة ليلاً والمنع الشامل لحمل السلاح في الأسواق والأحياء السكنية ويشمل الإجراء حتى القوات النظامية وإغلاق الأسواق الطرفية وأندية المشاهدة بالمساء.

وكان العميد د.محمد علي مدير دائرة الجنايات قد أعلن تدوين (10) بلاغات خلال أسبوعين وتم إلقاء القبض على (8) متهمين من بينهم المتهمين بالهجوم على سوق “زريبة المواشي”.

الإجراءات التي أصدرها الوالي مُؤخراً وفقاً لإفادات المواطنين تُعد أشبه بالتخدير مِنها لحل الأزمة مِن جذورها إذ ما تلبث أنّ تعود بداية الموسم الزراعي وكأن شيئاً لم يكن.