غلبت النظرة الإيجابية المؤيدة لتوقيع اتفاق «إعلان المبادئ» على النظرة السلبية والمُتحفّظة للاتفاق الذي جرى توقيعه بين رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك، ورئيس الحركة الشعبية ـ شمال عبدالعزيز الحلو، ونصّ على قيام الدستور على مبدأ فصل الدين عن الدولة، وفي حال غياب هذا المبدأ يجب احترام حق تقرير المصير، في جنوب كردفان، كما نصّ الاتفاق على الاعتراف بالتعددية الثقافية والعرقية والدينية واستيعابها، بجانب المساواة السياسية بين شعوب السودان وحمايتها بالقانون، وبناء دولة ديمقراطية في السودان تحقق فصل الدين عن الدولة، مع عدم تعيين دين رسمي.

وتضمّن الاتفاق، التقاسم المناسب والعادل للسلطة والثروة بين السودانيين عبر الدستور، واحتفاظ سكان جبال النوبة والنيل الأزرق «المنطقتان» بوضعهم، الذي يتضمن الحماية الذاتية حتى يتم الاتفاق على الترتيبات الأمنية من أطراف النزاع وإلى حين تحقيق الفصل بين الدين والدولة، ويتفق الطرفان بموجب هذا على الحفاظ على وقف الأعمال العدائية طوال عملية السلام وحتى يتم الاتفاق على اتفاق الترتيبات الأمنية.

وبعد يوم من الاتفاق، الذي وُقّع مساء الخميس الماضي، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، خرج مجلس الوزراء، ليؤكد أن الاتفاق، سيكون ملزماً بعد إجازته بواسطة المؤسسات المعنية من الجانبين، وأنه سيتم العودة للتفاوض برعاية حكومة جنوب السودان، على ضوء ما سيتحقق في التفاوض غير الرسمي، علماً بأن فد «الحلو» انسحب من جلسة التفاوض بتاريخ «20 أغسطس الماضي، وطالب بتغيير رئيس الوفد الحكومي والمفاوض ونائب رئيس مجلس السيادة، الفريق أول محمد حمدان دقلو «حميدتي».

خطوة جيّد ة

وقال والي سنار الماحي سليمان، في تصريح لـ«دارفور 24»، إن الاتفاق يُعتبر محاولة وسعي لإكمال السلام، ما يجعله اتفاقاً جيّداً يؤسس لبداية جادة لتحقيق السلام بجنوب كردفان.

وردّ الماحي، وهو رئيس حزب المؤتمر السوداني بسنار ـ أحد مكونات الحكومة الانتقالية ـ، على الأصوات التي ترفض الاتفاق بحجة أنه بداية لإعلان العلمانية وتقرير المصير، قائلاً: «الحكومة السودانية تقف على مسافات متساوية بين الجميع على مختلف أعراقهم وأجناسهم وأديانهم، واحتجاج البعض أمر طبيعي، والغالبية مؤيدة للاتفاق حتى التي تنتمي للثقافة الإسلامية ترى ضرورة فصل الدين عن الدولة كما في تركيا ودول أخرى».

وأضاف:« هذه الفترة هي الأنسب لِما تمّ باعتبار أنه وبعد انتهاء الفترة الانتقالية نكون أسسسنا للمؤتمر الدستوري، وواقع جديد، وعموماً هذا تغيير يجب أن يطال كل شيء.. وأي موضوع يُطرح ستجد من يؤيده ويرفضه، ولكن لا يصح إلا الصحيح».

أزمة ثقة

بدوره، أكّد مقدم بحري ركن متقاعد عمر محمد أرباب، أن هناك أزمة ثقة كبيرة بين الحكومة والحركات، خصوصاً «الحلو» الذي لا يزال يعتقد أن النظام السابق يحتفظ بقوته العسكرية التي كانت تحاربه، ولِذا فإن إحتمالية عودة النظام السابق يعتبرها الرجل واردة وإن كانت ضعيفة، وبالتالي لن يقبل بتفكيك قواته وفقدان قوته العسكرية ودمجها في الجيش إلا إذا كان ذلك تحت عينيه، لذا نجده يشترط تفكيك الدعم السريع وهي ورقة للمزايدة وللإحتفاظ بقواته تحسباً لأي طارئ.

ونبّه أرباب،إلى الإتفاق الذي تم بين «حمدوك» و«الحلو»، الخميس الماضي والذي عرف بـ«إعلان المباديء» يختلف عن البيان المشترك الذي تم توقيعه يوم أمس الأول «الجمعة»، إذ لا يمثل إلا عودة للتفاوض، وأرجع كل النقاط التي وقعت في إعلان المباديء لطاولة الحوار مرة أخرى، مما يشير إلى أن الإتفاق لم يلق قبولاً من جهات أخرى خصوصاً ان صح عدم موافقة رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان، ونائبه «حميدتي» عليه وهذا هو الراجح.

ورقة الضغط

واستبعد مقدم بحري ركن متقاعد عمر أرباب، في تصريح لـ«دارفور 24»، أن تكون قضية العلمانية والتي أحدثت زخماً كبيراً، موضع خلاف فـ«الحلو» يستخدمها كورقة ضغط ومن باب المزايدة لتمرير أجندة أخرى وعلى رأسها الترتيبات الأمنية والتي ستكون العقبة الكبرى في التفاوض، ثم إن أكثر ما يقلق في إعلان المباديء هو المطالبة بحق تقرير المصير والذي يجب أن لا توافق الحكومة عليه مهما كان حجم الضغوطات والتنازلات لأنه شرخ تصعب معالجته وليس من صلاحيات الحكومة الانتقالية البت في قضايا مصيرية وتركها للحكومة المنتخبة بجانب ملف الدستور.

إضافة نوعية

من جانبه، وصف الكاتب والمحلل السياسي عبدالله آدم خاطر، الاتفاق بأنه إضافة جيّدة ونوعية لِما تم في جوبا، ويُمكن تطويره بالتفاوض لِيقوي بدوره اتفاق الحكومة والجبهة الثورية الأسبوع الماضي، كما أنهُ يُوسّع الأفق السوداني لقبول ما لابُد من قبوله، وهي قبول فِكرة الفيدرالية الحقيقية التي تسمح للمواطنين في أقاليمهم أو ولاياتهم من عمل تشريعات تتفق مع ثقافاتهم المحلية، وتعطيهم فرصة عدم التفكير في تقرير المصير وفصل الدين عن الدولة، وعموماً ما جرى في أديس أبابا، يسنِد وحدة السودان في إطار التنوع.

المُزايدات

وعلّق خاطر، على الأصوات التي ترفض الاتفاق، بأنها إما تُريدخلق واقع تنافسي، وحالياً غير مُتاح، وفرصة ضئيلة جداً، لأن السلاح أصبح ليس مدخل أو سند لأي حل، وعموماً التنافس لن يأتي بنتيجة، فضلاً أن السودان سيُحكم في النهاية عن طريق الانتخابات الحُرّة النزيهة، وهي التي ستوفر الفُرص لتجاوز أي تنافس، وأما فيما يتعلّق بأي مُزايدات سواءً كانت مُزايدات إنفصال أو المسألة الدينية، فيكفي جداً أن هذه المُزايدات فصلت الجنوب، وأفقدت السودان إمكانية أن يكون النموذج الأفريقي الأميز في التنوع.

ووجه خاطر، في حديث خصّ به «دارفور24»، رسالة إلى الشعب السوداني، مفادها ضرورة التمسّك بالسلمية والاستنارة والصبر والمثابرة والنظر إلى المستقبل.