تقرير: دارفور 24

قصص مؤلمة مازالت تحكى فى مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور غربي السودان لما لحق بالمدينة وسكانها من دمار وإزهاق أرواح المدنيين بالقصف المدفعي خلال المعارك التى دارت بين الجيش السودانى وقوات الدعم السريع.

وكانت مدينة نيالا قد شهدت معارك عسكرية طاحنة بدأت فى الخامس عشر من أبريل 2023م استمرت ذهاء الـ6 شهور قبل أن سقوط الفرقة 16 التابعة للجيش على يد الدعم السريع.

سقط عدد كبير من المدنيين خلال المعارك بقذائف الدانات داخل منازلهم أو القناصة في الشوارع، ثم استمر مسلسل قتل المدنيين بواسطة طيران الجيش السودانى الذي استهدف الأحياء السكنية عدة مرات، رغم توقف المعارك.

وبعد الاستقرار والهدوء الذي ساد المدينة بدأت أسر فى العودة من النزوح إلى منازلهم بنيالا، بيد أن البعض لا زال يعاني من مخاطر مخلفات الحرب والذخائر غير المتفجرة خاصة أحياء وسط المدينة.

وبذلت وحدة المهندسين التابعة لقوات الدعم السريع ومنظمة وطنية جهودًا فى إزالة الألغام التى زرعها الجيش ببعض المواقع بجانب إزالة الدانات الغير منفجرة، ومع ذلك لا زالت المخاوف سيدة الموقف بوجود العديد من الأجسام بمواقع مختلفة تسبب في مقتل واصابة العديد من المدنيين.

أحزان ومآسي

كلتوم جادالله التى تقطن فى حى طيبة النيل بنيالا فقدت ابنها الطفل محمد محمود البالغ من العمر 12 سنة وإصيب ابنها الآخر ذو الأربعة أعوام حينما انفجر أحد مخلفات الحرب أثناء تواجدهم خارج المنزل.

وقالت كلتوم لـ”دارفور 24″ إن أطفالها الاثنين خرجا من المنزل إلى مدرسة بالحي بغرض المساهمة في النظافة وكانت إرادة الله أن ينفجر فيهما جسم غريب من مخلفات الحرب حيث أدى إلى وفاة محمد وإصابة شقيقه.

وذكرت كلتوم معاناتها مع رحلة العلاج لابنها المصاب وقالت إنها مكثت 25 يومًا بالمستشفى التركى بنيالا بعدها تم تخريجه بعد اجراء عملية فى يده ورجليه، مشيرة إلى أنها تذهب به للغيار بعد كل ثلاثة أيام فى ظل الظروف المعيشية الصعبة.

ووجهت كلتوم نداءً لكل الأسر بمراقبة أبناءهم وتحذيرهم من الاقتراب من أى جسم غريب متعلق بمخلفات الحرب، قائلة “الحذر لا يمنع القدر ولكن الإحتياط واجب”.

وطالبت كلتوم القائمين على أمر التعليم بأهمية التأكد من سلامة كل المدارس بنيالا وخلوها من الأجسام الغريبة قبل التفكير في فتحها حفاظا على سلامة الأطفال.

روايات مؤلمة

وتروى المواطنة عفاف النور من حي المحافظ بنيالا شرق، مأساة مماثلة عن انفجار طلق ناري داخل منزلها حينما كان يعبث به طفلها الضى محمد البالغ من العمر 13 عامًا ما أدى إلى كسر يده وبتر اصبعه.

وذكرت أنها مكصت مع ابنها في المستشفى التركى أسبوعين وعندما قرر الأطباء تخريج إبنها طالبوها بسداد متبقي رسوم العملية والسرير بحوالى 400 ألف جنيه من التكلفة الكلية البالغة 640 ألف جنيه.

وقالت عفاف إنها وابنها المصاب خرجوا من المستشفى عبر الضمان وتعهدها بسداد المتبقي من الرسوم البالغ 400 ألف جنيه خلال مدة أقصاها شهر من خروجها من المستشفى لكنها حكت بحسرة عن عدم تمكنها من توفير المبلغ ووالدهم غادرهم قبل عامين وحتى الآن لا يعلمون عنه شيئ ولا تعلم اذا ما كان حيا أو ميتا، على حد تعبيرها.

جهود وتحديات

منظمة بلدنا للتنمية الاجتماعية بنيالا التى تعمل فى مجال إزالة مخلفات الحرب والتوعية والإرشاد بولاية جنوب دارفور ومنذ اندلاع حرب أبريل ظلت تعمل في توعية المجتمع بخطورة القذائف المدفعية الغير متفجرة وبعد توقف الحرب عملت على إزالة مخلفات الحرب.

ووصف رئيس المنظمة محمد هاشم أبوالزاكى فى حديثه لـ”دارفور 24″ مخلفات الحرب والقذائف الغير متفجرة التى أفرزتها اشتباكات نيالا بالخطيرة منها الأربيجى والهاون 120 و82 و62 بجانب الأربيجى 19 والكاتوشا وكميات من ذخائر الدوشكا والقرنوف ومدافع مضادات الطائرات التى تتواجد في رؤوس الدانات الكاذبة وهى أخطر أنواع المتفجرات التى تسبب الأذى الجسيم مثل القتل والبتر والتنويم السريري فى المستشفيات وبمجرد عبث الأطفال بها فإنها تتفجر فيهم.

ويتم التعامل مع الأجسام الغريبة بعد تلقي المنظمة بلاغات عبر رقم طوارئ وزعته للمواطنين وكذلك البلاغات التى تردها فى مقرها بنيالا.

وقال أبوالزاكى إن جهودهم بدأت منذ بداية الحرب بالإستجابة للبلاغات على الأرض فى المنازل والمؤسسات الحكومية حيث تمكنوا من خلالها تجميع وإزالة 771 دانة فى الفترة من 25 مايو وحتى 25 ديسمبر من العام 2023م ومن يناير 2024م وحتى الآن، مشيرا إلى أنهم فى مارس تمكنوا من جمع 500 دانة من المدارس والمستشفيات والميادين والساحات العامة.

وأعلن أبوالزاكى عن تحديات ومعوقات أعاقت استجابتهم للبلاغات التى وردت إلى المنظمة تتمثل في عدم توفر التمويل حيث بلغت جملة البلاغات 49 بلاغا آخرها بلاغ وردهم من مدير مرحلة الأساس بنيالا جنوب بأن لديه عدد خمس مدارس محتاجة لعملية التفتيش والإزالة وإعلانها خالية من المخلفات قبل فتحها، علاوة على تلقيهم 9 بلاغات أخرى من مدارس و20 بلاغا من المواطنين بالمنازل بوجود مخلفات الحرب و15 بلاغا فى الدكاكين ومخازن بالأسواق.

وأطلق أبوالزاكى النداء لكل الجهات العاملة في برامج الحماية من اليونسيف وأوشا والUNCHR ومركز الألغام بالوقوف مع المنظمة للاستحابة للبلاغات المدونة والحوادث التي تحدث للأطفال وخاصة في الأعمار مابين أربعة إلى إثنى عشر عاما لجهلهم بخطرة هذه الأجسام واللهو بها.

وطالب أبوالزاكى كافة الجهات الحكومية بالولاية من وزارة تربية وتعليم وبقية المؤسسات وأصحاب المنازل الواقعة في محيط الاشتياكات والحروب بالتأكد من خلوها من مخلفات الحرب.

وفيما يتعلق بحقيقة وجود الألغام بنيالا قال هاشم أن المدينة كانت بها ألغام وأكثر أماكن تواجدها فى محيط قيادة الجيش ونظافتها تمت بصورة جيدة، موجها رسالة لأصحاب المواقع الواقعة فى محيط الاشتباكات والمنازل التى هجرها أصحابها عند العودة لابد من التأكد أولا من سلامتها من مخلفات الحرب.

وختم هاشم حديثه بتوجيه رسالة للأمم المتحدة واليونسيف والمفوضية السامية لشئون اللاجئين وجميع شركاء الحماية بحوجتهم لشراكة عاجلة لإنقاذ مدينة نيالا من مخلفات الحرب لأن هناك حوادث موت وقعت ومع خطوات فتح المدارس ستوافد الأطفال إليها بأعداد كبيرة ولابد من حمايتهم من المخاطر المحدقة تحقيقًا لشعار المنظمة.