الخرطوم- دارفور24
قد يبدو واضحاً تزايد حِدة الخطاب الرافض للأحزاب السياسية في الآونة الأخيرة، وانتشاره على المنصات الإعلامية والرقمية؛ ولكن هل من الممكن إقامة نظام ديمقراطي بدون أحزاب سياسية..؟ ومن المستفيد؟!.

 

أغسطس 2020م شّن رئيس مجلس السيادة الإنتقالي، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، هجوماََ عنيفاََ على الأحزاب السياسية التي كانت تقود الحكومة الإنتقالية، وإتهمها بالفشل في إدراة موارد الدولة والسعي للوقيعة بين الشعب والجيش السُوداني، وانشغالها بتوزيع السُلطة ومُحاصصة المناصب.

 

وسُرعان ما توالت الخِطابات المُهاجمة للأحزاب السياسية حيثُ وجه نائبه محمد حمدان دقلو “حميدتي” انتقاداً لاذعاً لبعض القيادات الحزبية متعهداً بعدم الجلوس معهم مرة أخرى في أي اجتماع، وأن الكيل طفح.

 

يقول المُحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية بالجامعة الإسلامية دكتور “وائل كروق” لدارفور24 إنّ هذه كانت الشرارة التي انطلقت مِنها خُطة التمهيد لانقلاب 25 أكتوبر. وأضاف قائلاً: صِناعة خطاب معادي للأحزاب السياسية كان تمهيداً للانقضاض على الديمقراطية.

 

وشددّ على أنّ تفشي خطاب الكراهية ضد الأحزاب الآونة الأخيرة تقوده القوى المعادية للثورة ومؤيدي الأنظمة الشمولية، وهُناك أيضاً العساكر وما صنعوه من أحزاب، يقول “كروق” تمكنت هذه القوى من إلصاق العديد من التُهم ضد الأحزاب، ومن ثم اخترقت بِها القوى الثورية ولجان المقاومة الذين “بلعوا الطعم” – حد تعبيره- ما تسبَّب بدوره في إطالة أمد الانقلاب وإطفاء وهج الثورة واضعاف الحِراك الثوري مؤخراً.

 

وزاد “نُقر بوجود نقاط ضعف، ولكن خروج الأحزاب من المشهد يعني بقاء العساكر في الحُكم إلى الأبد” مؤكَّداً في خاتمة حديثه استحالة الوصول إلى دولة ديمقراطية بدون احزاب السياسية.

 

هدف في المرمى

بدوره يرى عُضو لجان المقاومة “خالد أنور” أنّ مُحاولة الأحزاب السياسية قيادة الشارع وإنكار دور لجان المقاومة واستحواذها على السُلطة، تسبَّب في زيادة الشُقة بين المكونين، رغم اتفاقهما في الأهداف قبل وبعد الانقلاب، مُقراً باستفادة الجهات المعادية للثورة من نقاط الخلاف هذه وتسديد أهداف قاتلة في مرمى الخصمين.

بينما يُشير المُتحدث باسم لجان مقاومة مدينة الخرطوم عمر زهران في حديثه لدارفور24 إلى أنّ موقفهم من كافة القوي السياسية مرهون بموقفها من الإنقلاب، وأضاف قائلاً: لسنا اقصائين وندعم وحدة قوي الثورة، وأشار إلى أن تركيز لجان المقاومة في الوقت الحالي ينصب كُله في توحيد مواثيق “سُلطة الشعب” في ميثاق ثوري واحد ومُحاولة إنجاز المهمة في أقصر وقت ممكن، ومن ثمة مُناقشة الجلوس مع الأحزاب السياسية المناهضة للانقلاب في طاولة واحدة.

من المُستفيد؟

يقول القيادي بحزب المؤتمر السُّوداني “نور الدين صلاح” إنّ انتشار خطاب الكراهية ضد الأحزاب ومُحاولة إخراجها من المشهد، المُستفيد الوحيد مِنه القوى الإنقلابية والشُمولية عسكرية كانت أو مدنية؛ بهدف السيطرة مرةً أُخرى على البلاد وإعادة إدخالها في عهود الظلام والاستبداد.

 

مشيراً خلال حديثه لدارفور24 إلى أنّ استهداف الأحزاب السياسية بدأ مُبكراً ودائماً ما يرتبط بالأنظمة الشمولية.

 

ففي عهد النظام البائد مثلاً أُستهدفت الأحزاب بأدوات تنكيل مختلفة معنوية ومادية بهدف شيطنتها واضعافها، وعلى الرغم من حدوث التغيير بعد ثورة ديسمبر المجيدة، واستعادت القوى السياسية تعافيها بسبب الظروف السياسية التي اتاحت الحريات والحوارات رغم محاولات النظام البائد تعكير المناخ السياسي، إلاّ أن انقلاب 25 اكتوبر انتهج أساليب النظام البائد نفسها من إلصاق التُهم بالاحزاب لتبرير فعلهم الشمولي.

 

مبدياً أسفه من تأثر قوى محسوبة على معسكر الثورة بالحملات الخادعة والتي تستهدف صرف المدنيين عن المعركة المركزية والتحول المدني الديمقراطي للمعارك الثانوية وازدياد وتيرة الخلاف والتُهم المتبادلة.

 

ويتفق “صلاح”مع ماذهب إليه “كروق” في استحالة تحقيق وضع ديمقراطي دون الاجسام المدنية التي يجب أن تطلع بمهام التحول الديمقراطي و على رأسها الاحزاب السياسية.

 

ويُشدد على أن الإشكالات داخل الأحزاب يتم حلها عبر النقد البناء وابتداع وسائل ضغط والمراقبة الشعبية حتى تتعافى الحياة السياسية وينعكس ايجابياً على الحياة الاجتماعية.