نيالا ــ دارفور 24

ظهرت مخاوف من تفشي أمراض الطفولة بولاية جنوب دارفور، بعد تطعيم الأطفال بلقاحات جرى نهبها من مقار التحصين، تُلفت بسبب تعرضها لأشعة الشمس والحرارة والأمطار. 

وتعرض مقر إدارة التحصين الموسع بمدنية نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، لعمليات نهب واسعة عند اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023، حيث جرى تخريب ممنهج لسلاسل التبريد ونهب ثلاجات حفظ الأمصال وحاملات الأمصال الصندوقية وبداخلها اللقاحات التي تقى الأطفال من أمراض الطفولة الـ 12، كما أن بعض الحافظات تضم عينات من أمراض الشلل والحصبة.

وأدى تخريب سلاسل التبريد في نيالا، والتي تُعد الأولى من نوعها في إقليم دارفور، إلى فقدان ولاية جنوب دارفور كافة أمصال الربع الثاني للعام 2023 التي كانت إدارة التحصين تعتزم توزيعها على محليات الولاية الـ 21، غير أن اندلاع الصراع تسبب في تعطيل تنفيذ هذا الأمر.

توضيح رسمي

وبعد توقف القتال بين الجيش والدعم السريع، بسيطرة الأخير على مدينة نيالا وعلى قاعدة الجيش فى اكتوبر من العام الماضي، بدأت المؤسسات تراجع مقراتها بغرض إعادة الخدمة وتقديمها للمواطن الذي عانى من ويلات الحرب، لكن إدارة التحصين الموسع تفاجأت بفقدها اللقاحات والثلاجات وسرقة الجزء الأكبر من الأمصال.

ويقول مسؤولين في إدارة التحصين، إن مواطنين أخذوا حاملات وثلاجات تخص حفظ الأمصال إلى منازلهم وبها أمصال.

وقالت مديرة التحصين الموسع المكلف بوزارة الصحة الولائية، سلمى آدم، إن إدارتها قبل الحرب كانت تنعم بعدد إثنين سلسلة تبريد مربوطة بنظام معين لحفظ اللقاحات بفعالية تامة.

وأشارت، خلال حديثها لـ “دارفور 24″، إلى أن إدارتها وزعت لقاحات الربع الأول لعام 2023 إلى المحليات وجرى تطعيم الأطفال بها، وبعدها تسلمت لقاحات الربع الثاني والتى تقدر بـ 200 ألف جرعة خاصة بالشلل والحصبة والخماسي والمكورات والروتا والسل.

وقبل شروع الإدارة في توزيع اللقاحات على المحليات وقعت الحرب فى نيالا فى أبريل، وعلى إثرها فقدت الإدارة حوالى 100 ألف جرعة تمت سرقتها بجانب نهب كل الثلاجات الصغيرة وحتى الحاملات الصندوقية التى بها عينات الشلل والحصبة وتخريب السلسلة الرئيسية التى تحتويها، الأمر الذي عرض كل اللقاحات للأشعة المباشرة والحرارة وأمطار موسم الخريف الماضي مما أفقدها صلاحيتها نتيجة لبقائها على ألارض طوال فترة الحرب التى استمرت 6 أشهر.

تدخلات ولكن

وكشفت مديرة التحصين سلمى آدم، عن تسجيلهم أكثر من 5 زيارات إلى مقر إدارة التحصين بعد توقف القتال، قاموا خلالها بتجميع اللقاحات المتبقية والتي تُقدر بـ 100 الف جرعة من أصل 200 ألف جرعة كانت في المقر.

وأشارت إلى أنهم فى كل مرة يأتوا للمقر “يجدوا اللقاحات التى تم تجميعها مبعثرة ومتناقصة، بما يُعني أن التى سرقت من قبل تسربت داخل المجتمع وهذه خطورة لأن هذه الأمصال بعد تعرضها للتلف وفقدان صلاحيتها إذا تم تطعيم الأطفال بها اضرارها وخيمة لأنها عبارة عن فايروسات وبكتيريا التي تنشط وتسبب المرض نفسه”.

وأوضحت بأن التطعيم بلقاح الشلل التالف يسبب الإصابة بالشلل، وكذلك نشاط بكتيريا السل يسبب مرض السل، فيما المكورات عندما تستخدم وهى منتهية الصلاحية يمكن أن تسبب الإلتهابات الرئوية للأطفال والروتا تسبب الإسهالات.

تشكيل لجنة

وشكلت إدارة التحصين والمنظمات الإنسانية ومفوضية العون الإنساني لجنة مشتركة، على إثر تزايد الشكاوى عن وجود مراكز تقوم بتطعيم الأطفال بمقابل مالي يصل إلى 15 ألف جنيه، تتمثل مهامها في التقصي من هذه الشكاوى وإبادة اللقاحات التى تم تجميعها.

وقالت مديرة التحصين سلمى آدم لـ “دارفور 24″، إن اللجنة تمكنت من إبادة 100 ألف جرعة، وبعذها طافت على عدد من المراكز حول نيالا وصادرت 160 فتيل مصل. وأضافت: “اللجنة ولضعف الإمكانيات ونهب سيارات التحصين ووزارة الصحة، لم تتمكن من الوصول لإدارات التحصين بالمحليات علاوة على انقطاع حلقات الوصول لانقطاع شبكات الإتصالات بالولاية لكنها تمكنت من التواصلت مع بعضهم وأخطرتهم باتخاذ الإجراءات والمراقبة لمنع تطعيم أي طفل لأن الولاية ليس بها أي مركز تطعيم حاليًا وكل الأمصال منتهية الصلاحية”.

إجراءات قانونية

في محلية بليل الواقعة شرقي مدينة نيالا على بعد حوالى 15 كيلو متر، ضُبط متهم يقوم بتطعيم الأطفال بأحد العيادات الخاصة، وهو متطوع فى برنامج التحصين الموسع بإحدى مناطق المحلية، حيث قيّدت دعوى ضده كما جرى التحقيق معه ومع متطوعة أخرى.

وأبدت سلمى أسفها على ما وصفته بتصرف بعض الفنيين بالتحصين خلال فترة الحرب، وذلك بتعمدهم إلحاق الأذى لبعض الأطفال من خلال تعطيمهم اللقاحات المنتهية الصلاحية.

وكشفت عن ظهور آثار جانبية للتطعيم باللقاحات اللقاحات التالفة، منها الاسهالات والاستفراغ لأكثر من أسبوعين لأطفال لم يُحصر عددهم، وشددت على أن الضرر يكمن أيضا في الأطفال الذين لم تظهر لهم أعراض أو علامات وهؤلاء ربما يكونوا حاملين للفايروس الذي يمكن أن يعدوى به آخرين عدوى حقيقة.

وناشدت سلمى كافة الأمهات بمنع تطعيم أطفالهم لأن الولاية لم يكن لديها لقاح فى أي مركز وإذا وجد فإنه منتهى الصلاحية.

وحول الدعوى المقيدة فى محلية بليل، قالت سلمى إنهم كجهة مختصة أعدوا تقريرهم وسلموه لشرطة بليل التى قامت بالتحرى مع المتهم، بجانب إجراء إستجواب إداري مع المتهمة الأخري التى أقرت وندمت على فعلتها فى حين إنكر المتهم الأول.

الوصول لمرحلة الصفر

وقالت المسؤولة ببرنامج التحصين الموسع بنيالا،أميرة جمعة أبوه، إن الكفاءة التشغيلية للبرنامج قبل الحرب كانت 100٪ لكنها أصبحت صفرًا بعد اندلاع النزاع بسبب سرقة الثلاجات والأمصال وإتلاف سلسلة التبريد الرئيسية.

وأضافت أميرة لـ “دارفور 24″، إن كل اللقاحات الخاصة بالربع الثانى من العام 2023 كانت صلاحيتها حتى العام 2025، ولكنها فقدت الفعالية وأصبحت غير صالحة للإستخدام بعد تعرضها للأشعة المباشرة والهواء وأمطار الخريف الماضي.

تحذير ومخاوف

تسربت كميات كبيرة من اللقاحات إلى بعض المراكز التى قامت بتطعيم الأطفال بتلك اللقاحات التالفة، وحتى لوقت قريب يتحدث بعض المواطنين عن تطعيم يتم بنيالا وبعض المحليات بالأمصال المنهوبة وبمقابل مالي بين 10 إلى 15 ألف جنيه للجرعة الواحدة فى حين أن تطعيم الأطفال يتم بالمجان.

ودقت المسؤولة بالبرنامج أميرة جمعة، ناقوس الخطر وأطلقت المناشدات للمواطنين بعدم تطعيم أطفالهم، حيث أن الولاية ومنذ اندلاع الحرب فى أبريل 2023 وحتي الآن، لم تصلها أى لقاحات.

وأضافت: “نقول للمراكز التى تقوم بتطعيم الأطفال أن اللقاح فاقد للفعالية وغير صالح للتطعيم”.

لم يتلقى الأطفال الذي أُنجبوا منذ اندلاع النزاع، أي جرعة وقائية، مما أدخل الخوف فى أسرهم من إحتمالية تعرضهم لأمراض الطفولة، وهذا ما دفع البعض إلى الاستجابة للمراكز التى قامت بتطعيم الأطفال بالأمصال فاقدة الصلاحية.

وهنا بعثت أميرة جمعة برسائل تطمينية، قائلة إن الطفل حتى لو وصل عمره لعامين فإن برنامج التحصين سيعطيهم كل الجرعات التكميلية.

وتابعت: “بعد وصول اللقاحات للولاية سنقوم بحملة تصعيدية إلحاقية تستهدف جميع الأطفال بمحليات الولاية الـ 21، سواء كانوا مولودين جدد أو الذين تلقوا جرعات من قبل ولم يكملوها. حيث هنالك محاولات من مدير البرنامج لتوصيل اللقاحات إلى ولاية جنوب دارفور فى أقرب وقت ممكن”.

خطورة حاملات عينات الشلل المنهوبة

وقال شهود عيان، لـ “دارفور 24″، إنهم شاهدوا مواطنين ينهبون سيارات ومقتنيات وأصول مقر إدارة التحصين بمدينة نيالا، إضافة إلى الثلاجات الصغيرة وحافظات اللقاحات الصغيرة.

وحول خطورة حاملات العينات المنهوبة والتطعيم باللقاحات التى تعرضت للتلف، تقول المسؤولة ببرنامج التحصين أميرة جمعة: “إن أكبر المخاطر في حاملات عينات الشلل الصندوقية البلاستيكية التى تحمل الأصفر والأحمر وخطورتها لأن بها عينات براز أخذت أطفال وربما تحمل فيروس شلل نشط”.

وطالبت المواطنين بإرجاع الحاملات التي تحمل اللون الأصفر واللون الأحمر إلى مقر إدارة التحصين، نظرًا لأنه يستحيل حرقها الإ بواسطة المختصين بأمر التحصين.

وكررت المسؤولة مناشدتها للمواطنين بعدم الاستجابة لتطعيم أطفالهم بالأمصال المنهوبة، حيث أن واحدة من الآثار السالبة التى قد تنتج للأطفال الذين يتم تطعيمهم باللقاحات المنتهية الصلاحية احتمالية تنشيط فيروس الشلل فى الجسم، خاصة وأنه لا توجد تدخلات أو علاج لذلك.

لا شك أن مستقبل الأطفال سيكون مهدد بمخاطر جمة، خاصة وأن ولاية جنوب دارفور، طبقًا لإدارة التحصين، لم تصلها أي لقاحات لتطعيم الأطفال منذ 10 أشهر، مما يستدعي تدخلات عاجلة من المنظمات الدولية الداعمة لبرامج التحصين فى السودان لإنقاذ الوضع مبكرًا.