قامت الكثير من التحفظات على مبادرة الخرطوم لتوسط بين أطراف النزاع الجنوبي على عدم أهلية الخرطوم لتولي زمام هكذا مبادرة، لجهة أفتقارها للحياد خلال تعاطيها مع المشكل “الجنوبسوداني” وتعاطفها الواضح مع المعارضة الجنوبية على حساب الحكومة.

وبالرغم من حرص السودان على الظهور بمظهر المحايد إلا أن بعض المواقف التي لا تقبل القسمة على أثنين جعلت وزير الخارجية الأسبق أبراهيم غندور حينذاك يجهر في إحدى التصريحات الصحفية بالقول: “جوبا تمارس إبادة جماعية بواسطة قبيلة الدينكا ضد قبيلة النوير”.

ولكن المتغيرات الحديثة في قواعد اللعبة السياسية خلقت تضاربا في المصالح المتبادلة بين الفصائل “الجنوبسودانية” المسلحة وبين الخرطوم التي وفرت لها الايواء، وذلك عندما تبنت الخرطوم مبادرة الوساطة ليتحول مسار الأتفاق من أديس أبابا إلى الخرطوم لتضعها تلقائياً في مواجهة غير مباشرة مع المعارضة الجنوبية حلفاء الأمس لجهة أنها باتت المؤتمنة والأحرص على تحقيق السلام في جوبا، لأن تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية الخانقة في السودان أصبح مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بتحقيق الأستقرار في جوبا مراهنة على تدفق النفط الجنوبي عبر الأراضي السودانية.

ترجيح كفة الصالح..

ومن هنا بدأت سناريوهات ضغوط الخرطوم على المعارضة الجنوبية المسلحة التي كانت تستغل السودان كقاعدة للانطلاق الى جوبا وفقا لمصادر مطلعة محسوبة على تلك المجموعات تحدثت لـ “دافور 24”.

وقالت إن كل من مدير جهاز الأمن السوداني، الفريق صلاح قوش، ووزير الدفاع عوض بن عوف، مارسا ضغطاً على المجموعات “الجنوبسودانية” المسلحة التي ترتكز في السودان، وتم تخييًرها بين التوقيع على إعلان المبادئ التي كانت بالقصر الرئاسي السوداني في الخامس والعشرين من يونيو وبين مغادرة الأراضي السودانية.

وبحسب المصادر المشار إليها فإن المعارضة الجنوبية قابلت الموقف بإستهجان شديد لدرجة مغادرة الدكتور لام أكول، القاعة مغاضباً بل شروعه في مغادرة القصر كله بالمرة يومها الأمر الذي دفع الفريق صلاح قوش وعوض بن عوف لملاحقته خارج القاعة وإعادته بعد محاولته بحديث طويل ضم ثلاثتهم خارج قاعة التوقيع وتحت رصد الصحافة التي لم تُقف على حقيقة ما يجري.

نفي قاطع..

لما راج الحديث عن تعرض بعض الفصائل “الجنوبسودانية” المسلحة لضغوط من قبل الخرطوم، نفى وزير الخارجية الدرديري محمد أحمد، صراحة في مؤتمر صحفي بمباني الأكاديمية العليا للدرسات والإستراتجية والأمنية عقد بشأن شرح ملابسات رفض جوبا التوقيع على إتفاق السلام بالأحراف الأولى على الأتفاق، مؤكداً أن الخرطوم لم تمارس اي ضغوطات على الأطراف “الجنوبسودانية”، مضيفا “لانملك ما نستطيع به الضغط على أي من الأطراف لحمله على التوقيع فما نقول به مبادرة في إطار الأخوة الصادق للمساهمة في إنهاء الحرب في دولة جنوب السودان”.

حصار محكم..

وفي قراءة للخيارات البديلة للفصائل “الجنوبسودانية” التي تتخذ قواتها من الخرطوم قاعدة عسكرية حال عدم إستجابتها لتهديدات الخرطوم، يقول الخبير الإستراتيجي، رمضان عبدالقادر، انه ليست هناك اي خيارات بديلة لتلك الفصائل لأن يوغندا لن تقبل بإيواء اي فصيل من الفصائل المسلحة ضد جوبا شأنه في ذلك شأن السودان باعتبارهما الراعيان والمشرفان على الملف الآن. وأضاف ” والدليل على ذلك زيارة الرئيس اليوغندي يوري موسفيني الخرطوم عند بداية المباحثات بالخرطوم”.

وقال رمضان لـ (دارفور24) “بالإضافة الى أن كينيا من المؤيدين للسلام في دولة جنوب السودان نهايك من أن تستضيف فصائل مسلحة خارجة على جوبا لكونها متضررة من الحرب المندلعة في جوبا لتأثيرها سلبا بالحرمان من الفوائد التي كانت تجنيها من ميناء ممبسا بالإضافة للسياحة”.

والأمر ذاته ينطبق على اثيوبيا بحسب رمضان، فهي مربط الفرس إذ أنها المنسق العام على عملية السلام في جمهورية جنوب السودان بتفويض من الإيقاد، إلى جانب تضررها من الحرب في جمهورية جنوب السودان نسبة لأنها تملك أكبر قوة بشرية تعمل كإيدي عاملة في جنوب السودان تأثرت سلبا ايضا.

وعند الحديث عن فوائد الخرطوم من تحقيق السلام في جمهورية جنوب السودان يقول رمضان عبد القادر:”هناك مبلغ (1,3) مليار سنويا يفترض ان يدخل خزينة الخرطوم مقابل مرور وتكرير بترول جنوب السودان بالإضافة الى أن جمهورية جنوب السودان التزمت بسداد حوالي مبلغ (3,8) مليار للخرطوم كتعويض جراء الانفصال مقابل البنية التحتية الخاصة بالبترول.

الخروج بأقل الخسائر..”لابد مما ليس له بد”

من جهتها ترى بعض الفصائل “الجنوبسودانية” المعنية بالحديث عن تعرضها لضغوط من الخرطوم أنهم حال الإضطرار سيغادرون السودان دون الاشارة الي أين، وتساءلت أحداها بكبرياء في حديثها لـ (دافور 24) بقولها: “سنغادر الخرطوم حال الإضطرار وتعارض ضغوط الخرطوم مع نقاط نعتبرها جوهرية وأساسية، أين المشكلة؟.

بيد أن قيادي في فصيل الجبهة الشعبية، بقيادة د.كاستيلو، فضل حجب أسمه أكد أن المشاورات الدائرة الآن بين الفصائل والمداولات مع الوسيط تنبئ عن إنفراج من شأنها الخلوص للتوقيع النهائي المعلن عنه في الخامس من أغسطس القادم.

وفي ذات الاتجاه في إشارة لإستجابة البعض لضغوط الخرطوم كتب أحد قواعد تلك الفصائل في مداخله لبوست في الفيس بوك حول ضغوطات الخرطوم واستجابة البعض لها :”هناك من يريد أن يسوق لإستسلامه او بالأحرى مقايضة الحقوق بالمناصب.

وأضاف “نقول لهؤلاء من حقك ان تذهب الى جوبا فالعرجاء لمراحها، ولكن ليس من حقك التضليل وسنكون لك بالمرصاد ونوضح الحقائق للجماهير لتستبين الخيط الأبيض من الأسود”.