تونس – منيرة حجلاوي

شرّدَت الصراعات القبلية في دارفور خلال فترة حكم الرئيس السوداني السابق عمر حسن البشير صابر محمد آدم وأسرته، وهجّرتهم من منطقتهم (الجنينة، غرب دارفور) فلجأوا إلى الإقامة في معسكرات على الحدود مع تشاد”، يروي طالب اللجوء السوداني في تونس محمد صالح عن صديقه اللاجئ الراحل صابر لرصيف22.

لم يتمم صابر تعليمه. كان يعيش وأسرته ظروفاً اقتصادية قاسية جداً ويعتمدون على المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة كمصدر وحيد لتوفير الأكل والشرب، فقرر الهجرة إلى ليبيا ومنها إلى إيطاليا.

وصل إلى ليبيا وحاول المغادرة نحو إيطاليا ثلاث مرات، وفشل، وقضى فترات في السجن، ليقرر في النهاية اللجوء إلى تونس لبناء حياة جديدة.

تُعرّف منظمة العفو الدولية اللاجئ بأنه “الشخص الذي فرَّ من بلده جراء خطر التعرض لانتهاكات خطيرة لحقوقه الإنسانية وللاضطهاد، حيث تكون المخاطر التي تتهدد سلامته وحياته قد بلغت حد اضطراره إلى أن يختار المغادرة وطلب السلامة خارج بلاده، لأن حكومة بلده غير قادرة أو غير راغبة في توفير الحماية له. وللاجئ الحق في التمتع بالحماية الدولية”.

أما طالب اللجوء، بحسب المنظمة، فهو “الشخص الذي غادر بلده سعياً وراء الحصول على الحماية من الاضطهاد والانتهاكات الخطيرة لحقوقه الإنسانية في بلد آخر، ولكن لم يتم بعد الاعتراف به كلاجئ رسمياً، وينتظر البتّ بشأن طلبه للجوء. وطلب اللجوء حق إنساني. وهذا يعني أنه ينبغي السماح لكل شخص بدخول بلد آخر لالتماس اللجوء”.

دخل صابر (26 عاماً) تونس برّاً في كانون الأول/ ديسمبر 2019 من منطقة بن قردان (الجنوب) الحدودية مع ليبيا، وأُلحق بمركز محافظة مدنين (الجنوب) لإيواء اللاجئين وطالبي اللجوء، وتقدّم بطلب الحصول على بطاقة لجوء وحصل عليها مباشرة من مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين – مكتب تونس.

فور دخوله التراب التونسي، يتعيّن على طالب اللجوء الاتصال بأحد مكتبيْ المفوضية في تونس، في الشمال أو في الجنوب. وتتضمن الإجراءات تقديم طلب يحدد الغرض ووضعية اللجوء وإجراء مقابلة لشرح أسباب مغادرة المعني لبلده.

ويوفّر مكتب المفوضية في تونس للاجئين وطالبي اللجوء خدمات الحصول على العمل والتكوين المهني والمساعدة القانونية وغيرها.

حرمان

فضّل صابر الانتقال إلى العاصمة تونس، بحثاً عن فرص أفضل للعيش، خاصة وأن بطاقة اللاجئ وطالب اللجوء تمكّن صاحبها من حرية التنقل ومن البحث عن فرص عمل. أقام مع عدد من أصدقائه في برشلونة في العاصمة تونس، يقول محمد صالح.

 

تواصل صابر مع مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في تونس لتمكينه من عمل لائق ومنحة شهرية قدرها 250 ديناراً (83 دولاراً) وأكلاً وشرباً “غير أنه حُرم من كل هذه الخدمات”، فعمل منذ وصوله عاملاً يوميّاً في “المرمّة”، في ورش البناء، وهي مهنة عشوائية دون عقد رسمي في بناء المنازل، كامل أيام الأسبوع ما عدا يوم الأحد، من السابعة صباحاً حتى الرابعة عصراً، مقابل عشرين ديناراً (ست دولارات) عن كل يوم عمل.

ويوضح مدير مشروع حماية اللاجئين في المجلس التونسي للاجئين عبد الرزاق كريمي أن المساعدات تُمنح لمَن هم في “وضعية هشاشة”، ويضيف لرصيف22: “المجلس والمفوضية يوفّران السكن والإعاشة للاجئين كما يمنحان للبعض منحة شهرية تقدر بـ250 ديناراً للأفراد و350 دينارا (116 دولاراً) للأسر”.

وتأسس المجلس، وهو منظمة غير حكومية، سنة 2016 للمساهمة في الجهود المبذولة لحماية اللاجئين وطالبي اللجوء وإدارة تدفقات الهجرة، وهو أحد شركاء المفوضية في تونس.

ويتابع كريمي أن حديثي الدخول إلى التراب التونسي من اللاجئين وطالبي اللجوء يُمنَحون 250 ديناراً لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتجديد لمساعدتهم على تولي شؤونهم “إلى حين تمكنهم من الحصول على عمل أو إيجاد حلول أخرى لأنفسهم”.

ويشير إلى أن الأولوية القصوى في الإيواء والمساعدة المالية هي “خاصة لمَن يعانون وضعية هشاشة، فيما يمكن أن تنسحب هذه المساعدة على طالبي اللجوء الذين يمثّلون وضعيات عالية المخاطر”، نافياً اعتماد أي سياسة تمييزية على أساس العرق أو الجنسية أو الدين ولافتاً إلى “أن الأمر يتعلق فقط بوضعية المعني بالأمر”.

ويشرف المجلس على أربعة مراكز إيواء في تونس (واحد في مدنين واثنان في مدينة جرجيس (الجنوب) وواحد في تونس العاصمة)، وتصل طاقة استيعاب هذه المراكز إلى 450 سريراً، “وهي مخصصة أساساً للاجئين الذين يعانون من وضعيات هشاشة، ولكن في ظروف استثنائية يتم إيواء حالات خاصة من طالبي اللجوء كالنساء ضحايا العنف الجنسي والنساء المصحوبات بأطفال لكن دون عائل وذوي الإعاقة والقصّر غير المصحوبين من ذويهم”، بحسب كريمي.

   توجّه عامل تونسي لعثمان بعبارات عنصرية: “يا كحلة (أسود)”، فاحتج عثمان، فتدخل تونسي آخر واعتديا عليه بالضرب الشديد متسببيْن له بكسر في اليد وجُرح في الرأس، وتركاه مغمى عليه ورحلا، وحتى الآن لم يبت القضاء في الدعوى المرفوعة

“عانى المرحوم كثيراً مع رب عمله الذي كان لا يعطيه أجره كاملاً لابتزازه للبقاء في العمل، وكان زملاؤه التونسيون يكلّفونه بكل الأعمال الشاقة اليدوية فيحمل أكياس الإسمنت والرمل على ظهره”، يروي محمد صالح.

ضاق صابر ذرعاً بالعمل في “المرمّة”، فتركها وبدأ العمل في مصنع للبلاستيك في مقرين، إحدى الضواحي الجنوبية لتونس العاصمة. عمل لمدة ثلاثة أشهر في ظروف “غير إنسانية”، من 12 إلى 14 ساعة في اليوم، وكان يقوم بكل الأعمال من تفريغ السلع ووضعها في الآلات إلى التنظيف.

حوالي الساعة الخامسة من مساء 12 آب/ أغسطس 2021، كان صابر يفرغ حاويات السلع التي يصل وزن الواحدة منها إلى طن، وكان يضع سماعات في أذنيه، فسقطت إحداها فوقه وكسرت رقبته وساقه وتوفي خلال ثلاث دقائق، يقول محمد صالح.

“لم يساعدنا مكتب المفوضية في التواصل مع صاحب المصنع لمعرفة تفاصيل الحادثة، كما لم تمكّنا إلى الآن مصالح الشرطة من هاتف صابر الجوال، فيما تواصلت السفارة السودانية في تونس مع مدير المصنع الذي وعد بالتكفل بمصاريف سفر عائلة صابر لحضور مراسم دفنه ولكن ذلك لم يتحقق”، يروي صديق الضحيّة.

ويختم: “دفنت صابر بيديّ. حتى اللجوء لا يكفيني. عايز عدالة لأني شفت الظلم بعيوني”.

معاملة سيّئة

لمحمد صالح (33 عاماً) بدوره قصة مع اللجوء إلى تونس. لجأ وأسرته من منطقة الفاشر في دارفور إلى معسكر السلام في المنطقة نفسها، هرباً من الصراعات القبلية التي حدثت سنة 2003. وكانت مساعدات منظمات الأمم المتحدة مصدر بقائهم الوحيد على قيد الحياة.

قرّر الشاب الهجرة وكانت ليبيا وجهته الأولى التي وصلها يوم 4 آب/ أغسطس 2016 بغرض المرور إلى إيطاليا، ولكن كان مصيره الإيقاف والسجن والمعاملة السيئة، يروي لرصيف22.

حاول الهرب ثلاث مرات نحو السواحل الإيطالية لكنه فشل ليقرر أخيراً التوجّه إلى تونس، هرباً “من جحيم السجون الليبية”. وتمكن من الدخول إلى تونس يوم 17 أيلول/ سبتمبر 2019.

لم يرغب بالبقاء في جنوب البلاد، فتوجّه إلى العاصمة تونس ووصلها يوم 21 تشرين الأول/ أكتوبر 2019 وقدّم ملفّه إلى المجلس، وحصل على بطاقة طالب لجوء في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر. يقول لرصيف22: “لم يمكنني المجلس ومكتب المفوضية من وظيفة ومنحة وأكل وشرب، كانوا يقولون لنا ‘بَرُّوا دَبّْرُوا رُوسْكُمْ’ (عوّلوا على أنفسكم)”.

لم يجد محمد حلّاً سوى العمل في “المرمّة”، في ورش البناء، في مناطق مختلفة من العاصمة منذ حزيران/ يونيو 2020، من السابعة صباحاً حتى الرابعة عصراً، مقابل عشرين ديناراً عم اليوم، وغالباً لا يحصل على أجره كاملاً آخر الأسبوع. وبدوره، كانت توكل إليه كافة المهام الصعبة مثل رفع وتنزيل أكياس الإسمنت على ظهره.

ويقول: “يقف زملائي التونسيون الأربع لمشاهدتي، وكل عشر دقائق يستريحون ويدخنون السجائر”.

    في ليبيا، وقع الشاب فريسة سهلة بأيادي “عصابات مسلحة” تداولت على بيعه واستعباده واستغلاله قسراً للعمل لفائدتها، دون أجر، وسجنه وتعذيبه… وبعدما نجح في الفرار والعبور إلى تونس لم يجد الأمان المطلوب

تسببت ظروف العمل الشاقة، دون أي وسائل وقاية، في مضاعفات صحية خطيرة لمحمد على مستوى الظهر والصدر، فيما قوبلت مطالباته بتوفير عمل لائق وإحاطة طبية له باللامبالاة من المفوضية رغم تقديمه ملفه الطبي كاملاً لها، حسبما يروي.

رداً على ذلك، يقول كريمي إن المفوضية والمجلس “لا يمكنهما أن يقدّما المساعدة لكل مَن يطلبها من حاملي بطاقة لاجئ أو بطاقة طالب لجوء، لأن مبدأ اللجوء يقتضي أن يعوّل المعني بالأمر على نفسه، وذلك عبر الاندماج في المجتمع المضيف من خلال محاولة الحصول على عمل”.

ويضيف أن المفوضية تساعد على الاندماج عبر التأهيل المهني، بالشراكة مع مراكز التكوين المهني الحكومية، والمساعدة على بعث المشاريع الصغرى التي تخلق موارد رزق وعلى إيجاد فرص عمل، وهذه المساعدات “مؤقتة إلى حين أن يصبح الشخص المعني قادراً على التعويل على نفسه”.

وبالنسبة للحق في الصحة، يوضح أن المفوضية والمجلس يتكفلان بتعويض مصاريف العلاج للاجئين وطالبي اللجوء شرط أن تكون الخدمة الصحية قد أسديت في مؤسسة صحية عمومية”.

ويلفت إلى أن المجلس يصنّف اللاجئين وطالبي اللجوء ممَّن يحملون شهادة طبية تفيد بعدم قدرتهم على العمل “ضمن الفئات ذات الأولوية، فإذا كان هناك شخص في مثل هذه الحالة ولم يقع تقديم المساعدة المناسبة له، فهو لا يمكن إلا أن يكون خطأ نعتذر عليه ويمكنه الاتصال بنا في مكتبنا وسنقوم بالإجراءات اللازمة التي تتطلبها الوضعية”، يقول.

يتهم محمد صالح “بعض موظفي المنظمات الحقوقية بالتربح من قضية اللاجئين وبتضييق الخناق عليهم حتى إجبارهم على الرحيل”، ويقول: “لديّ أصدقاء صوماليون وسودانيون وإريتريون قُصّر مسجّلون في مكتب المفوضية في تونس أصيبوا بحالات اكتئاب وإحباط وفضّلوا العودة إلى ليبيا حاملين فكرة سيئة عن تونس، ولكن ما زالت منحهم تصل من جنيف إلى المكتب ولم يتم إيقافها”، دون أن يستطيع تقديم دليل على كلامه.

عن هكذا نوع من اتهامات، يردّ كريمي بأن المفوضية والمجلس يخضعان إلى نظام مراقبة وتدقيق مالي صارمين جداً من خلال المراقبة المالية التي يقوم بها مكتب المفوضية في تونس شهرياً، والتدقيق الذي يقوم به مكتب المفوضية في تونس مرة كل ثلاثة أشهر، إضافة إلى التدقيق السنوي الذي تقوم به الإدارة المركزية للمفوضية في جنيف للنظر في مختلف الجوانب المالية والإدارية المتعلقة بتنفيذ المشروع”.

ويتابع أنه “لو كان هنالك ما يؤاخَذ عليه المجلس لأوقفت المفوضية الشراكة معه”، مضيفاً: “إذا كان هناك مَن يدّعي أن المجلس يسمسر ويتربح من قضية اللاجئين فالحجة على مَن ادّعى ونحن نترفع عن الرد عن هذه السفاسف”.

يعوّل محمد على تدخل الدولة التونسية من خلال الرقابة على الأموال التي تُمنح لهذه المنظمات ويطالب بكشف كامل ملابسات وفاة صديقه صابر ومحاسبة كل الأطراف المسؤولة عن ذلك.

ويوضح عبد الرزاق كريمي أن المفوضية السامية للأمم المتحدة هي طرف التمويل الوحيد لمختلف الأنشطة والمساعدات التي يقدّمها المجلس ومكتب المفوضية في تونس كما أن المجلس “لا يتلقى أي تمويل عمومي مهما كان قدره أو طبيعته”.

ويؤكد أن الدولة التونسية “متخلية تماماً عن مسؤولياتها في هذا الشأن وهي لا تموّل أي نشاط، بل بالعكس، تقدّم المفوضية لها مساعدات عينية عديدة مثل تزويد بعض المستشفيات بمعدات طبية يستفيد منها اللاجئون والمجتمع المحلي على حد السواء”.

لجوء بعد استعباد

من جهته، عانى عثمان (اسم مستعار) وأسرته من جحيم الصراعات القبلية في منطقتهم، عاتية في تشاد، وهُجّروا من مكان إلى آخر.

سنة 2011، هاجر عثمان (27 عاماً) بطريقة غير نظامية باتجاه ليبيا آملاً في المرور نحو إيطاليا لتحسين ظروف عيشه، فوقع فريسة سهلة بأيادي “عصابات ليبية مسلحة”، كما يصفها، والتي تداولت على بيعه واستعباده واستغلاله قسراً للعمل لفائدتها، دون أجر، وسجنه وتعذيبه.

“كانت هذه العصابات تتاجر بي وبكثير من اللاجئين من جنسيات مختلفة فتجبرنا على العمل لصالحها في ورش البناء أو في الأراضي الزراعية ثم تأخذ كافة أموالنا وإذا لم تجد لدينا أموالاً، أو إذا امتنعنا عن إعطائها لها، كنّا نتعرض لشتى أنواع التعذيب”، يروي لرصيف22.

تحمّل حتى عام 2019 عندما تمكّن من الهروب من سجنه الأخير، في الزاوية، والذي نقلته إليه إحدى “هذه العصابات” والدخول إلى تونس من منطقة بن قردان يوم 5 حزيران/ يونيو 2019 ليتم إيواؤه في مركز مدنين للاجئين.

تقدم الشاب إلى مكتب المفوضية في تونس بطلب الحصول على بطاقة لاجئ فمُنح في آب/ أغسطس 2019 بطاقة طالب لجوء.

أوضاع بائسة

يشدد عثمان على أنه وقرابة 80 لاجئاً وطالب لجوء آخرين من جنسيات مختلفة يقيمون في مركز اللجوء في مدنين ويعيشون أوضاعاً بائسة، إذ يتقاسمون حمّاماً واحداً وأحياناً يقدّم لهم مكتب المفوضية تذاكر بثلاثين ديناراً للأكل والشرب لكل فرد منهم وأحياناً أخرى يمتنع عن ذلك. ويشير إلى أنه لم يتمتع منذ وصوله بأي منحة مالية شهرية إلا مؤخراً أصبحت المفوضية.

في السياق، يوضح عبد الرزاق كريمي أن تذاكر الأكل والشرب بقيمة 30 ديناراً أسبوعياً “معتمدة خاصة في مراكز الإيواء في مدنين وجرجيس ولا تُمنح إلا لمَن هم في وضعية هشاشة”.

في أول يوم عمل له في كانون الأول/ ديسمبر 2020، في تقليم أشجار الزيتون في أرض زراعية في مدينة جرجيس المحاذية لمدنين، توجّه عامل تونسي لعثمان بعبارات عنصرية: “يا كحلة (أسود)”، فاحتج عثمان، فتدخل تونسي آخر واعتديا عليه بالضرب الشديد متسببيْن له بكسر في اليد وجرح في الرأس وتركاه مغمى عليه ورحلا، يروي.

“يوجد مقر المركز في أرض زراعية كبرى وتبعد عنه الأحياء السكنية قرابة كيلومتريْن، ويأتينا السكان التونسيون بحثاً عن يد عاملة وكنّا نتفق على العمل بما أننا نتمتع بحرية التنقل”، يوضح.

بعد الاعتداء عليه، حمله عمال آخرون إلى مركز الإيواء في مدنين. كان يوم سبت، ويكون المركز أيام السبت والأحد فارغاً من كافة موظفي المفوضية والمجلس باعتبارها أيام راحة أسبوعية. رفض الموظفون الحضور لتأمين العلاج لعثمان فنقله مالك المركز إلى مستشفى حيث قُطّب جرح رأسه ونصحه الطبيب بعدم مزاولة أي عمل حتى التثبت من عدم إمكانية حدوث نزيف في الرأس.

يقول إن المفوضية كلفت تلقائياً شريكها القانوني المعهد العربي لحقوق الإنسان بالتكفل بقضيته والذي عيّن بدوره محامية للدفاع عنه وحُدّدت أولى جلسات المحاكمة في الثاني من تمّوز/ يوليو 2020 لكن ومنذ ذلك التاريخ تتأجل دون أي نتيجة، منتقداً ما وصفه بـ”تباطؤ المفوضية والمعهد في حلّ قضيتي”.

يبلغ عدد اللاجئين وطالبي اللجوء في تونس 8477 شخصاً، بينهم 3361 امرأة. وتتصدر ساحل العاج الترتيب بـ3489 لاجئاً وطالب لجوء، تليها سوريا بـ2142 لاجئاً ثم غينيا فالكاميرون فالسودان.

وتقدَّر نسبة القادمين من ليبيا إلى تونس بـ92% من اللاجئين، تعرض 85% منهم للعنف القائم على النوع الاجتماعي، والاستغلال الجنسي والتعذيب.

انتهاكات ومسؤوليات

يقول الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر إن الانتهاكات بحق اللاجئين وطالبي اللجوء في تونس تبدأ منذ تقدمهم بطلبات اللجوء، حين تبدأ عملية الفرز وفق الجنسية، وليس وفق ما تتطلبه كل حالة خاصة، حيث يجد “الكاميرونيون والإيفواريون مثلاً صعوبات كبيرة لأن المفوضية تعتبر أن دولهم ليس فيها نزاعات مسلحة وانتهاكات”.

وتأسس المنتدى المذكور سنة 2011 وهو منظمة غير حكومية مستقلة تعنى بالدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية على المستوى القومي والدولي.

كذلك، تأخذ دراسة ملفاتهم وقتاً طويلاً، رغم قدوم عدد كبير منهم من طرقات تعرّضوا فيها لمآسي كبيرة كالتعذيب والاغتصاب، وفيهم مَن فقد أصدقاءه ولا تتابَع حالاتهم صحياً ونفسياً، يضيف بن عمر لرصيف22.

ويتابع أن مَن يحتج من اللاجئين وطالبي اللجوء على ضعف الخدمات يُعاقَب بحرمانه من منحة 250 ديناراً، ما يجعلهم فريسة سهلة للاستغلال في أعمال تكثر فيها الانتهاكات لأنهم “يقبلون بأي ظرف فقط للبقاء على قيد الحياة”.

ويرى أنه لا يمكن تبرير هذه الانتهاكات بارتفاع عددهم، مثلما تذهب إلى ذلك المفوضية والمجلس، ويحمّل الدولة التونسية المسؤولية لأنها وقّعت على معاهدة جنيف الخاصة بحماية حقوق اللاجئين “وبالتالي لديها التزامات غير أنها فوّضت كل المهام إلى مفوضية اللاجئين وشركائها التونسيين”.

وانضمت تونس إلى اتفاقية اللاجئين لسنة 1951 بتاريخ 24 تشرين الأول/ أكتوبر 1957 وإلى بروتوكول 1967 لهذه الاتفاقية بتاريخ 16 تشرين الأول/ أكتوبر 1968.

في المقابل، يؤكد كريمي أن نسبة المتمتعين بصفة اللاجئ في تونس تمثل قرابة ثلث عدد المسجلين لدى المفوضية، وأن طالبي اللجوء يمثلون الثلثين مقارنة باللاجئين لذلك فإن المفوضية “لا تستطيع أن تساعدهم جميعاً خاصة وأنها معنية بحماية ومساعدة اللاجئين فقط، حسبما تنص عليه القوانين الدولية”.

ويقول بن عمر: “وكأنه صارت لدى السياسيين المتداولين على الحكم قناعة بأنهم غير قادرين على تحمّل مشاكل إضافية بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تمرّ بها البلاد”.

مسؤولية الدولة

ترى الصحافية التونسية والمدربة على قضايا الهجرة أمل المكي أن الدولة التونسية مسؤولة بشكل رئيسي عن وضعية اللاجئين الهشة بسبب “تواصل غياب تشريعات قانونية مؤطرة وحامية لهم”.

وتنتقد تخلي الدولة التام عن هذا الملف لصالح المنظمات والجمعيات العاملة في مجال الهجرة واللجوء التي تعتبر أنها “استفادت من هذا التخلي ومن غياب دور الدولة الرقابي لتزيد من معاناة طالبي اللجوء بتوخي سياسات تمييزية ومعاملات غير إنسانية تجاه عدد منهم”.

وتضيف لرصيف22 أن الأوضاع المأساوية التي يواجهها اللاجئون تعود إلى “ما يشوب عمل كثير من هذه الجهات الحقوقية من فساد إداري ومالي يزيد من تعميق مشاكل أصحاب الحقوق”.

ويرى عضو الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، فرع محافظة صفاقس، نعمان مزيد، أن طالبي اللجوء هم الفئة الأكثر عرضة “للاستغلال الفاحش في سوق الشغل لأنهم لم يحصلوا بعد على صفة اللجوء التي تحميهم فيُستغَلّون في العمل في الدعارة وفي القطاع الزراعي لساعات طويلة جداً وبأجر زهيد وظروف غير إنسانية”.

ولوضع حد لمعاناتهم، يقول لرصيف22 إن على الدولة تسهيل طريقة عيشهم في تونس وممارسة نوع من الرقابة على مشغّليهم، داعياً السلطات الإدارية من بلديات ووزارة الشؤون الاجتماعية إلى توفير الشروط الدنيا لعيشهم بكرامة حتى وإنْ كانت أوضاعهم “غير قانونية” وصون حياتهم المادية والمعنوية.

من جانبه، يرى بن عمر أن هنالك ضرورة لدراسة كل الشكاوى الواردة إلى وزارة الشؤون الاجتماعية من اللاجئين وطالبي اللجوء بجدية، وحمايتهم، خاصة وأن المتشكين يعاقَبون بطريقة غير مباشرة إما برفض طلب لجوئهم أو بحرمانهم من المساعدات.

ويشير إن المفوضية والمجلس هما مَن يتلقيان طلبات اللجوء ويبتّان فيها وهما فقط مَن يقدّمان المساعدات، وحسب شهادات لاجئين وطالبي لجوء للمنتدى فإن عملية إسنادها أحياناً تخضع إلى “عقاب حيث يُحرم منها مَن يعبّر عن امتعاضه من تقصير هذه المنظمات بذريعة أنه ليس من الفئات ذات الأولوية أو لقلة الإمكانيات، إضافة إلى حرمانهم من صفة اللجوء لأنهم تجرأوا وتحدثوا لوسائل الإعلام”.

ويلفت إلى وجود “طالبي لجوء من بنغلاديش أُنقذوا من البحر ورُفضت طلباتهم وأرجعوا ذلك إلى حديثهم لوسائل الإعلام الدولية حول وضعيتهم في تونس”.

ويدعو بن عمر الدولة إلى وضع إطار قانوني للجوء في تونس وتعبئة موارد مالية للتكفل بحاجات اللاجئين، بالشراكة مع عدة دول ومنظمات، كما يدعو المفوضية وشركاؤها إلى توفير مزيد من الإمكانيات اللوجيستية والمادية لتوفير المساعدات المباشرة للاجئين.

نقلاً عن رصيف 22