القاهرة- دارفور24

“سوف نموت، قتلوا عمي وسيقتلونا” هذا ما ظل يُردده “علي” (٩) سنوات فور استيقاظه من النوم فزعًا منذ فراره وأسرته من منطقة “بري” وسط العاصمة الخرطوم إلى القاهرة في الخامس والعشرين من مايو الماضي.

 

وتشهد المنطقة القريبة من مقر القيادة العامة للقوات المسلحة معارك طاحنة منذ اندلاع الحرب بين الجيش السُّوداني وقوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو (حميدتي) ، في الخامس عشر من أبريل الماضي.

 

تقول والد “علي” السيدة أمل عبدالرحيم في حديثها لـدارفور24: شاهد طفلي عمه الذي تربطه به علاقة وطيدة يُقتل أمامه برصاصة طائشة لا نعلم مصدرها حتى الآن، كان يقف على مقربة منه عندما اخترقت الرصاصة صدره وشاهده يسقط على الأرض والدماء تسيل منه.

 

“علي” مثله والمئات من الأطفال نجحت أُسرهم في اخراجهم من مناطق الصراع بالخرطوم إلى بر آمن ولكنها لم تفلح حتى الآن في امتصاص الصدمات النفسية التي تعرضوا لها.

 

تقول خالدة النور وهي أم لطفلة مريضة بالتوحد، خرجتُ من منطقة “المهندسين” بمدينة أمدرمان لأجلها فقط، لولاها لن أغادر منزلي، كنتُ أشاهد حالتها الصحية تتدهور يومًا بعد يوم، ترفض الأكل، و النوم، وتبكي لساعات طويلة وباستمرار، حاولتُ عرضها على طبيبها المختص، لكنه أخبرني بمغادرته وأسرته إلى القاهرة، و هذا ما جعلني أتخذ قرار الرحيل بدوري دون أيّ تردد، “لا شيء أغلى من طفلتي”.

 

أكملت “طيف” عامها السادس للتو، وعلى الرغم من مرور “30” يومًا منذ وصول أسرتها إلى القاهرة، إلاّ أنها لا تزال تُعاني من نوبات الهلع والتبول اللاإرادي.

 

تقول والدتها: صباح عيد الاضحى اختبأت تحت “السرير” عند سماعها للألعاب النارية التي أطلقها الأطفال فرحًا، وظنت أنها أعيرة نارية، شعرتُ بالحزن العميق وأنا أحاول اخراجها من هناك، و اقناعها بأنهم اطفال مثلها يلعبون فقط “.

إحصائيات

وفقًا لسليم عويس الناطق باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” في الشرق الاوسط، أن آخر التقارير تفيد بمقتل 90 طفلًا وإصابة أكثر من 1600 في السودان، وهي أرقام تعكس مدى سوء الوضع هناك.

 

وأشار عويس إلى الأذى النفسي الذي يتعرض له الأطفال سوى كان عبر وجودهم في دائرة العنف أو بسبب الرحل المضنية التي يقطعونها للوصول لبر الأمان في مناطق أخرى في السودان أو في الدول المجاورة، وشدد على أنه إن لم يتوقف العنف ” سنشهد مأساة كبيرة للسودان وأطفاله وعائلاته”•

 

الأطفال يدفعون ثمناً باهظًا

يقول الطفل محمد أدم- ١١ سنة- إنه كان يستعد للجلوس لامتحانات المرحلة المتوسطة، قرأت جيدًا، وضاع كل ذلك مع الرياح، فقدتُ اصدقائي، ومنزلي، ولا أعلم متى نعود إلى الخرطوم.

 

والده أدم يقول لـدارفور24 إنّ ابنه لم يستطع التأقلم مع وضعه الجديد، ويُلاحِظ عليه البقاء بمفرده طويلًا غير المعتاد، وقِلة الكلام. وأضاف “كان طفل محب للحياة، كثير الحركة والضحك، وأصبح اليوم انطوائي يرغب في البقاء بمفرده دائمًا وهذا ما يُخيفني”.

 

وتقول الباحثة الاجتماعية المهتمة بقضايا الطفولة “صفاء الأصم” إنّ الأطفال الذين عاشوا فظائع الحرب في السُّودان وتختزن أذهانهم اصوات المدافع والطائرات والجثث الملقاة في الشوارع عُرضة للإصابة بأمراض نفسية متعددة، منها صعوبة النطق “التأتأة”، التبول اللاإرادي، البكاء الهستيري، الأحلام المزعجة، فقدان الثقة بالنفس، فقدان الشهية، والتمادي في رسم الأفكار السوداوية.

 

و تشير إلى أن صدمات الحرب لا تُعالج بسهولة، وتأخذ وقتًا طويلًا، سيما لدى الأطفال.

 

وترى أن القلق والشعور الدائم بالفقد وعدم التأقلم مع الأوضاع الجديدة، سينعكس سلبًا على التحصيل الدراسي، والمقدرة على الاندماج في المجتمعات الجديدة بسرعة.

 

مطالبة الأسر بضرورة التعامل بحذر، ومحاولة رفع الروح المعنوية للأطفال، ورفع مستوى الوعي السلوكي لديهم، وتغيير نمط التفكير إيجابيًا، وخلق برامج ترفيهية جديدة، والاستعانة بطبيب نفسي حال لم يستجيبوا لكل ماذُكر.