كوستي- دارفور24
مثلما قلبت حرب 15 أبريل بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع الوضع في السودان رأساً على عقب، كذلك انقلبت حياة الاسر السودانية وأنماط معيشتهم وسبل كسب أرزاقهم، ففي ظل توقف المؤسسات الخاصة والعامة التي كانت توفر لنسبة كبيرة من السودانيين فرص العمل فقد الكثيرون وظائفهم وأجبرتهم الظروف المعيشية على الانخراط في اتجهوا أعمال هامشية لتوفير لقمة العيش لعائلاتهم.

 

 

من بين هؤلاء قطاعات الصحفيين والمحاميين والموظفين الحكوميين فقد توقفت اعمالهم وأصبحوا بلا مصادر دخل، وهم يكابدون بمدينة كوستي بولاية النيل الابيض التي نزحوا إليها هرباً من حجيم المعارك في الخرطوم.

 

ميدان الحرية

في ميدان الحرية بكوستي رصدت دارفور24 عدداً من الصحفيين والناشطين والمحاميين يعملون في بيع الرصيد والصابون والبطيخ والملابس بسوق الله أكبر لأجل توفير لقمة عيش حلال، في ظل قلة المساعدات الإنسانية التي تقدمها المنظمات الانسانية مقابل الأعداد الكبيرة للفارين جراء الحرب في السودان والذين تفرقوا ما بين النزوح الداخلي في عدد من ولايات البلاد، واللجوء الى دول الجوار. ولم يكن الفارين الى كوستي من نازحي العاصمة الخرطوم فقط، وانما هي بلد لها تاريخ مع استقبال الفارين من جحيم الحروب التي ظلت تطارد السودانيين في السنوات الأخيرة.

 

وتقول نقابة الصحفيين السودانيين- في تقريرها الشهري عن اوضاع الصحفيين بالبلاد- إن الحرب أوقفت الغالبية العظمى من وسائل الإعلام في السودان، الأمر الذي أدى إلى تشريد أعداد كبيرة من الصحفيين والصحفيات، بنزوحهم إلى خارج ولاية الخرطوم، أو اللجوء عبر الحدود إلى خارج السودان، في ظروف بالغة السوء بينما بقيت أعداد من الصحفيين والصحفيات عالقة في مناطق حدودية بسبب تعقيدات تأشيرة الدخول.

 

سوق السمك

وسط أسواق السمك حجز ابكر محمد عمر أنشأ محلاً لشواء السمك استطاع من خلاله ان يكسب ذبائن، هو أحد الفارين من القتال الذي اندلع العام الماضي بين الهوسا وقبائل الهمج باقليم النيل الأزرق، الذين يفوق عددهم 30 ألف نازح، ابكر ترك اعماله التجارية وأملاكه وجاء الى مدينة كوستي، فأجبرته ظروف المعيشة على تغيير نمط تجارته الى بيع الاسماك المشوية في سوق المدينة.

 

 

يقول أبكر لدارفور24 إن واجه صعوبات في بداية نزوحه، لجهة انه لم يكن يتوقع يوماً ان يغادر مسقط رأسه الدمازين، لكنه الآن استطاع ان يجاري الحياة في كوستي وان يجد عملاً يكسب منه رزقه الحلال، رغم ان تلك الحرب قلبت حياته رأساً على عقب على حد تعبيره. وأضاف “لكن ما أصابنا كان بسبب مشاكل جلبها لنا سفاء قوم ونحن من دفع الثمن”

 

 

وبحسب إحصائيات وكالات الأمم المتحدة فإن حوالي مليوني شخص فروا من مساكنهم بعد اندلاع حرب 15 ابريل الى ولايات أخرى ودول الجوار، وإن نحو 23% من الذين نزحوا الى الولايات استقروا في مراكز الايواء بولاية النيل الأبيض التي بلغ عددها نحو 50 مركزاً، في مدارس مدينتي ربك وكوستي في أوضاع أقل ما توصف بأنها أوضاع مأساوية تنعدم فيها الخصوصية، وتقل فيها خدمات الصحة والمياه والرعاية الصحية للأطفال والنساء الحوامل وكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة.

 

 

فرح مؤجل

في المقابل رغم قتامة المشهد في مدينة كوستي وفي بقية بقاع السودان والمخيمات التي لجأ ونزح اليها الفارون من قتال الجيش والدعم السريع الا ان “مصطفى وفاتن” تحديا هذه الظروف ورسما لوحة فرح في صفحة الحرب التي لا زالت تلونها دماء السودانيين وتغطيها أعمدة الدخان في سماوات الخرطوم ونيالا وغيرها من المدن. “مصطفى وفاتن” عقدا العزم على اكمال زواجهما الذي أجلته الحرب لاكثر 3 أشهر، فقد كان من المقرر ان يكملان “مصطفى وفاتن” مراسم زواجهما عقب عيد الفطر الذي سبقته الحرب بنحو اسبوع.

 

 

في الوقت الذي كان فيه “مصطفى وفاتن” يستعدان لاكمال مراسم زواجهما، وكان الجنرالان البرهان وحميدتي يعدان العدة لحربهم العبثية فسبقت رصاصتهما الأولى، رصاصة البشرى بزواج مصطفى وفاتن.

 

 

 

يقول مصطفى انه في ذات صباح 15 ابريل تحرك إلى منطقة “حوش المطابع” وسط الخرطوم لاعداد كروت دعوة زواجهما، كانت قد انطلقت الرصاصة الأولي للحرب فحولت سماء الخرطوم الي اعمدة من الدخان وعاد مصطفي يحمل خيبة الأمل في الزواج ومصير الوطن، لكنهما استطاعا اكمال مراسم زواجهما الا بعد اكثر شهرين في مدينة كوستي التي فر، لكنه تحدث تحدث لدارفور24 بحسرة وأسي علي وطن وجهد سنين في سبيل تجهيز منزل واثاث تركه في الخرطوم دون أن يهبه ، مصطفى وفاتن بدا حياتهما الزوجية في مركز للأيواء لكنهم يرنو الى سلام قريب يعيدهم الى منزلهم الذي اسساه ولم يهنئان به.