نيالا ــ دارفور 24

تصدرت قضايا انعدام الغذاء ونقص الأدوية وانتشار أمراض سوء التغذية وسط الأطفال، أروقة افتتاح الملتقى التحضيري لمؤتمر القضايا الإنسانية بدافور المزمع انعقاده مايو المقبل.

وعُقد الملتقى التحضيري، في مخيم كلمة للنازحين بمدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، حيث تحدث قادة النازحين واللاجئين داخل وخارج السودان حول مآلات الحرب الدائرة وانعكاساتها على الأوضاع الأمنية والإنسانية بمخيمات النزوح.

رسم الواقع

وصف المنسق العام لمعسكرات النازحين واللاجئين بدارفور يعقوب محمد عبدالله فري، الوضع الراهن بالمخيمات بأنه وصل لمرحلة كارثة المجاعة التى أحد مسبباتها فشل الموسم الزراعى فى دارفور وخروج المنظمات الإنسانية بسبب الحرب.

وقالت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “الفاو”، إن نسبة حصاد السودان من الحبوب هذا العام، كانت أقل بـ 46% من إنتاج العام الذي سبقه، بسبب انعدام الأمن نتيحة للنزاع وارتفاع أسعار المدخلات الزراعية لمحدودية توافرها.

وكشف يعقوب فري عن ظهور إسهالات وسط الأطفال وكبار السن بمعسكرات النزوح بسبب الجوع، متخوفًا من تحوله إلى وباء.

وأشار إلى أن حالات الإصابة بسوء التغذية الحاد وسط الأطفال، بلغت أكثر من ألف ومائتى طفل يتلقون الرعاية بمراكز التغذية بمعسكر كلمة.

وأضاف: “فى هذه الجلسة الافتتاحية نرسل رسالة نداء الضمير لمن تهمهم الإنسانية بتقديم الإغاثة العاجلة للشرائح الضعيفة وإنقاذهم من المجاعة. إذا كان معاناة الـ 10 أشهر أثرت على حياة الناس فما بالكم نحن الذين ظللنا نعانس لأكثر من 20 عامًا وإذا لم تأتى الإغاثة وبصورة عاجلة فجميعنا ننتظر الموت بالجوع”.

وشدد فري على أن الوضع المعيشي ينذر بخطر كبير، خاصة مع ارتفاع أسعار الوقود وعدم توفره بالمخيم الذي يتم فيه طحن ملوة الذرة بـ 700 جنيه، ونظرا لعدم امتلاك الأسر للمال يقوم البعض بغلي الذرة ويتناوله كوجبة مع أطفالهم.

وتابع: “حتى إذا وصلت الإغاثة ولم يتوفر الوقود لطواحين الغلال بالمعسكر فإن الوضع سيظل معقد”.

وحول الأوضاع الأمنية، قال المنسق العام إن الوضا الحالي خطير جدا ولا يستطيع السكان التحرك خارج المعسكرات لبحث مصادر للرزق ومن خرج يواجه بالقتل أو التعذيب ما يتطلب السعى الجاد لأن تكون الطرق مفتوحة وآمنة.

وجدد يعقوب فري انتقاده للسياسات الخاطئة التي اتخذتها السلطات سابقا بخروج بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقية المختلطة “اليوناميد”، من دارفور رغم اعتراضهم على الخطوة آنذاك.

وطالب فرى بعودة بعثة الأمم المتحدة، شريطة أن تكون تحت الفصل السابع من أجب حماية المجتمعات.

وزاد: “الناس تتحدث عن المسارات للمساعدات الإنسانية ولا يمهم ما يعانيه الشعب السودانى، ونحن ما يهمنا هو وصول الإغاثة بأى طريقة لإنقاذ الناس هنا من المجاعة”.

وكانت السلطات وافقت على إدخال المساعدات عبر عدة مسارات، منها معبر الطينة الذي يربط تشاد بولاية شمال دارفور والذي يخضع لسيطرة الجيش والحركات المتحالفة معه ومسار الدابة بالولاية الشمالية إلى الفاشر.

واعترضت قوات الدعم السريع على مسار توصيل المساعدات عبر الدبة بالولاية الشمالية إلى الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، خوفًا من استخدامه في نقل الأسلحة في الجيش.

المرأة بين مطرقة الحرب وسندان الجوع

وقالت ممثل نساء ضد الظلم عضو اللجنة التحضيرية سارة مصطفى، إنهم سعداء بأن يكونوا ضمن عضوية اللجنة التحضيرية لتعزيز مؤتمر القضايا الإنسانية بإقليم دارفور في شهر مايو المقبل.

وذكرت سارة، فى كلمتها، إنهم أطلقوا فى أبريل الماضي حملة نساء ضد التجويع شارك فيها 66 تنظيم نسوى من داخل وخارج السودان لإطلاق نداء الى المجتمع الدولى بغرض تقديم المساعدات للمتأثرين بالحرب فى دارفور ومن ضمن فعاليات الحملة نظموا ندوة شاركوا فيها مع اللجنة التحضيرية لمؤتمر القضايا الإنسانية ومناشدة حركات الكفاح المسلح بفتح الممرات الآمنة لوصول المساعدات الإنسانية.

وتابعت: “الآن نشارك في اللجنة التحضيرية والجلسة الافتتاحية بمخيم كلمة من أجل تخفيف الأوضاع الإنسانية الصادمة الناجمة عن الحرب العبثية الدائرة وشبح الموت يلاحق المواطنين فى كل الأمكنة والجوع والمرض يقطن ويفتك بأرجاء دارفور”.

وأكدت سارة على أن شريحة النساء والأطفال وكبار السن وذوى الأمراض المزمنة يعيشون ظروفا إنسانية كارثية داخل مخيمات النزوح واللجوء ومراكز الإيواء.

وأضافت: “المرأة بدارفور تعانى من ويلات الحرب منذ العام 2003 إلى يومنا هذا، وهن يدفعن ثمن المأساة الإنسانية متكاملة الأركان ومهددات بالمجاعة وسوء التغذية بسبب تدهور الموسم الزراعي وعدم قدرة السكان على مزاولة الزراعة خلال الموسم المنصرم بسبب الحرب وارتفاع أسعار السلع الأساسية فى الأسواق مع زيادة تكاليف الترحيل من دول الجوار وتأخير وصول المساعدات الإنسانية إلى ولايات دارفور الواقعة تحت سيطرة قوات الدعم السريع”.

وكشف حاكم إقليم دافور مني أركو مناوي، الاثنين، عن بدء تحرك قوافل المساعدات الإنسانية إلى الإقليم الذي وصل فيه الجوع إلى مستويات عالية.

وتحدث عن عبور 17 شاحنة محملة بمختلف أنواع الأغذية والأدوية معبر الطينة الحدودي في طريقها إلى الفاشر عبر مليط، كما تحركت ٢٧ شاحنة عبوراً بالدبة إلى عواصم الإقليم، علاوة على توجه ١٧ شاحنة من أدري التشادية نحو الحدود.

وذكرت سارة مصطفى بأن غالبية نساء دارفور يعتمدن على الزراعة والأعمال البسيطة الهامشية كجمع الحطب والسعف والآن توقفت مصادر دخلهن لأنهن عرضة للإنتهاكات، كما توقف عملهن في صناعة الطوب والكمائن مع توقف البناء وقلة الطلب.

وأضافت: “أصبحن النساء يخرجن منذ الصباح الباكر ويتحولن فى الأحياء السكنية بحثا عن مصدر الرزق الحلال بالعمل داخل المنازل ويرجع المساء بلا شيئ لأن أصحاب المنازل أصبحوا يعتمدون على أنفسهم بسبب الظروف المعيشية وهم أيضا في حوجة ماسة إلى تقديم المساعدات”.

وأفادت سارة إن بعض النساء أصبحن يعتمدن على الجراد كوجبة غذائية بسبب الجوع.

وفيما يتعلق بالاوضاع الصحية، قالت إن النساء الحمل يواجهن معاناة كبيرة فى النقص الحاد للغذاء والدواء وإنعدام الرعاية الصحية الأولية والمتابعة ما أدى إلى وفيات داخل المخيمات بسبب سوء التغذية.

وأطلقت سارة نداء إلى المنظمات الدولية والأممية والإقليمية والعاملون فى العمل الإنساني، بضرورة الاهتمام بمؤتمر القضايا الإنسانية من أجل تقديم المساعدات وإيصالها إلى مستحقيها، وناشدت الأطراف المتحاربة بفتح الممرات الآمنة وتسهيل وصول الغذاء خلال شهر رمضان.

تحذيرات جدية

وأبدى الرئيس العام لمعسكرات النازحين واللاجئين بدارفور إسحق محمد عبدالله الشهير بـ “أنتربول” مخاوفه من إتساع دائرة الوفيات إذا لم يصل الغذاء إلى المعسكرات خلال أسبوع أو عشرة أيام من الآن.

وأكد أنتربول على أن المعاناة القائمة في مخيمات النزوح وصلت إلى مرحلة الصفر بنفاد كل الغذاء مطالبا المنظمات الإنسانية بسرعة التدخل لإنقاذ النازحين وأن تحكم الأطراف المتحاربة صوت العقل وإيجاد المسارات لوصول المساعدات الإنسانية بصورة عاجلة وعدم الزج بالشأن الإنساني فى السياسة.

وجدد اسحق أنتربول دعوته بضرورة الإسراع في توصيل الغذاء لإنقاذ الوضع الإنساني الكارثي قبل قيام مؤتمر مايو.

حقائق وأرقام

وقال رئيس الشباب بمعسكر كلمة موسى عبد الرحمن عبدالله، إن الجوع أصبح مهدد رئيسى لسكان المعسكرات وإنهم يوجهون رسالة للعالم بإنقاذهم من الجوع.

وكشف موسي عن وفاة 443 من الأطفال والكبار داخل معسكر كلمة خلال الفترة الماضية بسبب سوء التغذية ونقص الغذاء مشيرا إلى وجود 1223 طفل حاليا يعانون من سوء التغذية وأضاف “نحن فى كلمة نواجه مجاعة منذ أن بدأت الحرب”.

وطالب موسي المانحين الدوليين والمنظمات الإنسانية بالنظر عاجلا للنازحين بكل المعسكرات فى دارفور لأنهم أصبحوا ضحايا الحرب الدائرة وحرموا من الإغاثة مما جعل الكثيرين من كبار السن والصغار يموتمون جوعا وأن النازحون أصبحوا محصورين داخل المخيمات ولايستطعيون الخروج لممارسة أى نشاط لعدم توفر الأمن وتعرض الفتيات للإغتصاب حال ذهابهن للعمل خارج المعسكر.

الحوجة للغذاء أولا

وقالت رئيس إتحاد المرأة بمعسكر كلمة حنان حسن خاطر فى رسالتها، إنهم وطوال فترة النزوح التى دامت لعشرين سنة لم يواجهوا معاناة مثلما يواجهونها الآن نتيجة للحرب الدائرة حاليا.

وأشارت إلى أن المنظمات كانت تقدم لهم الخدمات لكنها غادرت المعسكرات منذ اندلاع حرب أبريل، مما فاقم الأوضاع الإنسانية التى دخلت مرحلة المجاعة.

هناك مثل شعبي يقول “الجوع كافر”، انطبق تمامًا على أروقة الجلسة الإفتتاحية التمهيدية لمؤتمر القضايا الإنسانية بإقليم دارفور المخطط إنعقاده فى مايو المقبل بمخيم كلمة للنازحين وهاهى الأصوات تتعالى بالتدخل العاجل لوصول الإغاثة لإنقاذ سكان المعسكرات من الجوع قبل قيام المؤتمر فهل من مجيب؟